انهيار التحالف بين أقوى رجلين في طرابلس

المشهد في طرابلس يشهد انقساما بين تيارين الأول مؤيد لتحركات البعثة الأممية وتيار آخر يمثل تركيا الرافضة لتلك التحركات باعتبارها قد تنهي نفوذها في ليبيا.
الجمعة 2020/12/11
الكبير يصطف خلف أنقرة

تصعيد جديد في سياق المواجهة على الأطماع السياسية والمالية غرب ليبيا أدى الخميس إلى انهيار تحالف يجمع وزير الداخلية بحكومة “الوفاق” فتحي باشاغا ومحافظ البنك المركزي الصديق الكبير، بعد منع باشاغا الكبير من السفر في خطوة تنطوي أيضا على تصاعد الخلافات بين التيار المؤيد لتركيا في ليبيا وآخر محسوب على البعثة الأممية للدعم في ليبيا.

طرابلس- انهار التحالف بين أقوى رجلين في العاصمة الليبية طرابلس بعد أن منع وزير الداخلية بحكومة “الوفاق” فتحي باشاغا محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير من السفر، بعد تحالف استمر لأشهر ضد رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج وتياره داخل الحكومة.

وقدم الكبير الخميس شكوى إلى المستشار القائم بأعمال النائب العام، ضد فتحي باشاغا، يتهمه فيها بمنعه من السفر وعرقلة جهوده لتوحيد سعر صرف الدينار في خطوة تؤكد حدوث قطيعة بين الرجلين ما يفاقم عزلة الكبيرالذي تعرض خلال الأيام الماضية إلى ضغوط كبيرة من قبل رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله الذي اتهمه بالفساد.

وبدأت الخلافات بين صنع الله والكبير بعد أن رفض صنع الله تحويل عائدات النفط لحساب مصرف ليبيا المركزي والتزم بتجميدها في حساب بالمصرف الليبي الخارجي وفقا للاتفاق الذي جرى بين السلطات في الشرق وحكومة “الوفاق” لإعادة ضخ النفط نهاية سبتمبر الماضي.

وبعد تصاعد الخلافات بين صنع الله والكبير عقد السراج اجتماعا ضم عددا من المسؤولين من بينهم طرفي الخلافات انتهى بالإعلان عن البحث عن صيغة لإعادة تحويل العائدات النفطية إلى المصرف المركزي.

وبعثت نتائج ذلك الاجتماع برسائل مفادها أن الكبير ما زال الرجل الأول في طرابلس، وبددت كل ما قيل عن وجود ضوء أخضر دولي لإسقاطه بعد سنوات من التمترس في منصبه رغم إقالة البرلمان له مرارا، بعدما تواترت الأنباء بشأن وجود اتفاق بين السراج وصنع الله للتخلص منه.

فتحي باشاغا: وزارة الداخلية في حكومة الوفاق ملتزمة بمحاربة الفساد
فتحي باشاغا: وزارة الداخلية في حكومة الوفاق ملتزمة بمحاربة الفساد

وجاءت الخلافات مع باشاغا لتعيد تلك التكهنات إلى الواجهة باعتبار أنه أيضا من أقوى الشخصيات في طرابلس، ويحظى بدعم دولي كبير لاسيما بعد أن نجح في ترميم علاقته بفرنسا ومصر.  

ويبدو المشهد في طرابلس منقسما بين تيارين الأول مؤيد لتحركات البعثة الأممية ورئيستها ستيفاني ويليامز وتيار آخر يمثل تركيا الرافضة لتلك التحركات باعتبارها قد تنهي نفوذها في ليبيا خاصة إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي يتوقع البعض أن تكون أولى خطوات السلطة التنفيذية الجديدة.

ويبدو أن الكبير قد اصطف خلف تيار أنقرة لاسيما مع احتدام الحملة التي يشنها نشطاء محسوبون على التيار المتطرف على باشاغا متهمين إياه بالخيانة بعد زيارته إلى مصر وفرنسا وسط أنباء بشأن انزعاج تركي كبير من الزيارتين.

وجاء في نص بيان نشره الكبير أنه “بتاريخ الخميس العاشر من نوفمبر عندما كنت بصدد السفر في مهمة رسمية خارج ليبيا تفاجأت بإدراج اسمي ضمن قائمة الممنوعين من السفر بأمر من وزير الداخلية المفوض فتحي علي باشاغا”.

واعتبر الكبير أنه “ولما كان ما صدر عن وزير الداخلية يمثل سلوكا خارج عن القانون ومساسا بمؤسسة سيادية تتبع السلطة التشريعية ‘مصرف ليبيا المركزي’ (..) كما يمثل عرقلة الجهود استثنائية يبذلها المصرف ممثلا في محافظه لتوحيد سعر صرف الدينار الليبي والتئام مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي”.

وطالب النائب العام باتخاذ الإجراءات اللازمة التي يخولها له القانون، فيما لم يعلق وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا على الموضوع، واكتفى بنشر تدوينة على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، يقول فيها إن وزارة الداخلية ملتزمة بمحاربة الفساد.

وتابع الكبير “نحن ملتزمون بملاحقة جرائم غسل الأموال، ومصممون على ملاحقة المتورطين في هذه الجرائم كائنا من يكون، وسنتخذ إجراءاتنا ضدهم متى توفرت الأدلة المطلوبة”.

ويحاول وزير الداخلية بحكومة طرابلس أن يلمع صورته من خلال الظهور في ثوب الساعي لضرب الفاسدين والحفاظ على ثروات ليبيا الغنية بالنفط، علاوة على الاستنجاد بدعم خارجي.

وقال باشاغا الخميس في تغريدة له على حسابه بتويتر إن “وزارة الداخلية ملتزمة بمحاربة الفساد” معيدا نشر تفاصيل وردت في بيان لوزارته ردا على شكوى الكبير.

وأفاد البيان “شرعت وزارة الداخلية بإعمال المنشورات والتعليمات الصادرة عن الجهات المختصة على المستويين التشريعي والتنفيذي بشأن الرقابة على حركة السفر للمسؤولين الذين يتقلدون مهام رسمية بالدولة الليبية نظرا لما لوحظ من فوضى إدارية وأمنية في إجراءات السفر بالخارج دون الالتزام بالضوابط النافذة بالخصوص”.

وأعربت الوزارة عن استغرابها مما وصفته “حالة التعالي والكبر من بعض المسؤولين الرافضين للامتثال والرضوخ لأوامر الجهات التابعين لها وضرورة استيفائهم للشروط القانونية والإدارية للسفر والتي تلتزم وزارة الداخلية بإعمالها وتنفيذها إنفاذا للقانون والقرارات الصادرة في هذا الشأن”.

بدأت الخلافات بين صنع الله والكبير بعد أن رفض صنع الله تحويل عائدات النفط لحساب مصرف ليبيا المركزي والتزم بتجميدها في حساب بالمصرف الليبي الخارجي

وأكدت أنها “لا تميز ولا تستثني أحدا من تنفيذ القانون والقرارات والتعليمات الصادرة عن الجهات ذات الاختصاص وأنها على كامل الاستعداد لمباشرة كافة الإجراءات بكل حزم وجدية على الكافة دون استثناء وليس لأي شخص أو مسؤول كائنا من يكون أن ينصب نفسه في مقام أعلى من مقام القانون”.

ويرى مراقبون أن انقلاب باشاغا على الكبير سيؤدي إلى المزيد من تضييق الخناق على محافظ مصرف ليبيا المركزي الذي يخوض أصلا معارك مع جهات أخرى بسبب شبهات فساد.

وواجه الكبير اتهامات كثيرة من صنع الله أبرزها هدر المال العام والتلاعب بنحو 186 مليار دولار من إيرادات النفط خلال السنوات الأخيرة وصرفها على أطراف معينة وفي مناطق محدودة من أجل مصالحه الخاصة وإنشاء مراكز قوّة، وذلك في إشارة إلى قيادات جماعة الإخوان المسلمين ورجال أعمال في مدينة مصراتة.

4