المناصب العليا في البنتاغون تؤجج خلافات الديمقراطيين

تواجه خيارات الرئيس الأميركي المنتخب جو بادين لأفراد إدارته خاصة في ما يتعلق بالمناصب العليا خلافات في صفوف الديمقراطيين، تأجّجت مع ترشيحه لقائد حرب العراق وأول أميركي من أصول أفريقية لويد أوستن لتولي منصب وزير الدفاع. ويدشّن هذا الترشيح حقبة صراع داخل المعسكر الديمقراطي المتشكك منذ البداية في تماسك الإدارة الأميركية المقبلة.
واشنطن – يتزايد الحديث داخل الولايات المتحدة عن خيارات الرئيس المنتخب جو بايدن لأفراد إدارته، فالكثيرون يرون أنه يسعى إلى تشكيل فريق من أصحاب الخبرة، وتقديم صورة من التماسك على خلاف الصراع الداخلي الذي اصطبغت به ولاية الرئيس دونالد ترامب، لكن مساعي بايدن تصطدم بتزايد صخب الشرائح المحيطة به وتشكيك شخصيات خارجية في بعض الخيارات المبكرة للمناصب العليا داخل الإدارة الأميركية القادمة.
ويرى مراقبون أن هذه الصراعات، وإن كانت غير قائمة على الخلاف الأيديولوجي فقط، إلا أنها تؤكد على تحدّ أوسع من المؤكد أنه سيصبح موضوعا بارزا في السنوات الأربع القادمة، وهو ما إذا كان بايدن قادرا على سد الفجوة مع الليبراليين والجيل الأصغر من المساعدين الذين بدأ صعودهم في عهد الرئيس باراك أوباما.
ولعل أبرز خيارات بايدن التي أثارت حالة من الجدل هو مرشحه لمنصب وزير الدفاع الجنرال السابق لويد أوستن، وهو أول شخص من أصل أفريقي يتم ترشيحه لتولي هذا المنصب. وكان أوستن قائدا للقوات الأميركية في العراق وشغل منصب قائد القيادة المركزية الأميركية للقوات المسلحة في الشرق الأوسط.
واللافت في الأمر أن تعيين أوستن يحتاج إلى استثناء من الكونغرس، لأن القانون الاتحادي يتطلب مرور سبع سنوات على الأقل بعد الخروج من الخدمة العسكرية لتولي قيادة وزارة الدفاع (البنتاغون).
وقوبل تأكيد ترشيح أوستن بانتقادات من قبل بعض الديمقراطيين البارزين المتمسكين بضرورة أن يقود المؤسسة العسكرية مدني، وأعربوا عن قلقهم إزاء مستقبل الرقابة المدنية على القوات المسلحة.
وخلال حديثه عن أوستن حاول بايدن طمأنة أعضاء الكونغرس القلقين، قائلا “أنا أؤمن بأهمية السيطرة المدنية على الجيش. إنه الشخص المناسب لهذه الوظيفة في التوقيت المناسب”.
وشدد بايدن على أنه يرى أوستن رجل دولة ودبلوماسيا وليس مجرد جندي، مؤكدا أنهما يشتركان في وجهة نظر تجاه العالم “تعطي الأولوية للدبلوماسية ولأهمية بناء التحالفات مع الدول الأخرى وتعزيزها”.
فايننشال تايمز:
بايدن يختلف عن ترامب تماما ولا يحتاج إلى من يحد من تهوره، وهناك الكثير من الكفاءات المدنية التي يمكنه الاختيار من بينها وزيرا للدفاع
وعمل الاثنان معا خلال إدارة الرئيس الأسبق أوباما على خفض عدد القوات الأميركية في العراق وشن الحرب ضد تنظيم داعش.
ويقول أوستن “أتولى القيام بهذا الدور الجديد كقائد مدني، بخبرة عسكرية بالتأكيد، ولكن أيضا بتقدير عميق وتبجيل للحكمة السائدة المتمثلة في السيطرة المدنية على جيشنا”.
ونشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقالا افتتاحيا ترى فيه أنه يتعين على الرئيس الأميركي المنتخب أن يعيد النظر في مرشحه لمنصب وزير الدفاع.
وتقول الصحيفة إن الجنرال المتقاعد أوستن “عسكري من الطراز الأول”، وهو أيضا أول أميركي من أصول أفريقية يتم ترشيحه لهذا المنصب، “ولكن الاختيار خاطئ لأن المنصب في القانون الأميركي مخصص للمدنيين”.
وتضيف أن سببا وجيها جعل الكونغرس يضع هذا الخط الفاصل بين المدنيين والعسكريين في تولي هذا المنصب، منذ إنشائه في العام 1947. ولم يحدث أن أعفيت إدارة أميركية من الالتزام بالقانون إلا مرتين.
وأوضحت أن المرة الأولى كانت مع جورج مارشال عام 1950 وانتهت مهمته بعد عام واحد، وأن المرة الثانية كانت في العام 2017 مع جيمس ماتيس وزير الدفاع في إدارة ترامب “على أساس أن يكون العقل الذي يحدّ من تهوّر الرئيس، ولكنه لم يحقق نجاحا كبيرا”.
وتابعت الصحيفة “لم يتمكن ماتيس من منع ترامب من تحويل أموال من ميزانية الدفاع لتمويل الجدار الذي أراد بناءه على الحدود مع المكسيك. كما لم يمنعه من سحب القوات الأميركية من سوريا”.
وترى الصحيفة أن “بايدن يختلف عن ترامب تماما ولا يحتاج إلى من يحد من تهوره، وهناك الكثير من الكفاءات المدنية التي يمكنه الاختيار من بينها وزيرا للدفاع”.
ومن بين هؤلاء طرح اسم ميشيل فلورنوي التي تعمل في البنتاغون منذ العام 1990 وسبق أن شغلت منصب نائب وزير الدفاع، وكانت مرشحة ضمن الكثيرين لهذا المنصب. وتعجّبت فايننشال تايمز من السبب وراء عدم اختيار بايدن لها لتولي هذا المنصب.
وأشارت الصحيفة إلى أنها ربما اختلفت معه في إدارة أوباما بشأن زيادة القوات الأميركية في أفغانستان، إذ كان بايدن الوحيد المعترض على القرار.
فورين بوليسي:
اختيار بايدن لوزير دفاع أسود يعتبر تاريخيا، ولكن علاقات لويد أوستن مع شركات الدفاع، وخروجه حديثا من الخدمة يضع ترشحه لهذا المنصب موضع شكوك واسعة
وأعرب عدد من القيادات السياسية الأميركية عن قلقهم من ميل بايدن لتطعيم خياراته بقادة عسكريين متقاعدين، “مما يهدد توازنات السلطة بين العسكريين والمدنيين”.
وفي ضوء هذه المواقف ترى مجلة “فورين بوليسي” أن ترشيح بايدن للجنرال المتقاعد لمنصب وزير الدفاع في إدارته المقبلة يواجه “تحديات قاسية”.
وأضافت “اختيار بايدن لوزير دفاع أسود يعتبر تاريخيا، ولكن علاقات لويد أوستن مع شركات الدفاع، وخروجه حديثا من الخدمة يضع ترشحه لهذا المنصب موضع شكوك واسعة”.
واعتبرت أن “اختيار لويد أزاح خيارا آخر كان من الممكن أن يصنع التاريخ أيضا وهي فلورنوي، التي كان ينظر إليها كفرس الرهان في الحصول على هذا المنصب في حالة فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية، وأنها ستكون أول امرأة تتولى هذا المنصب”.
ورأت فورين بوليسي أن هناك عقبة أخرى مهمة أمام ترشيح أوستن، خاصة من وجهة نظر الديمقراطيين التقدميين، تتمثل في السجل العسكري للجنرال المتقاعد، حيث خدم في مجلس مديري شركة رايثيون، وهي شركة أميركية متخصصة في أنظمة الدفاع، وتعد واحدة من أكبر 10 شركات للدفاع في العالم منذ تركه للخدمة.
وأشارت إلى أن هذه الشركة حققت أرباحا من مبيعات الأسلحة، ومن المتوقع أن تحقق مكاسب أخرى من صفقة أسلحة بقيمة 23 مليار دولار لدولة الإمارات.