جهود السكان تقود عملية إعادة إعمار بطيئة في الموصل

يناشد ما لا يقل عن 16 ألفا من سكان الموصل الحكومة لتقديم مساعدات لهم لإعادة بناء منازلهم.
الجمعة 2020/12/11
بقايا من جمالية المعمار مازالت ماثلة في خرائب المدينة

الموصل (العراق) - ما تزال آثار الدمار الكبير الذي أصاب مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق جرّاء الحرب ضدّ داعش التي دارت داخل أحيائها وبين مساكنها، ماثلة للعيان بعد ثلاث سنوات من انتهاء تلك الحرب وإعلان النصر على التنظيم.

ورغم الوعود الحكومية بإعادة بناء المدينة، فإن جهد إعادة الإعمار اصطدم بالأزمة المالية المستفحلة في العراق، ما جعل السكان يعوّلون على جهدهم الخاص ويفعلون كل ما يستطيعونه لترميم دورهم ومتاجرهم أو إعادة بنائها بالكامل.

وأعادت عنان ياسون بناء منزلها الذي برز بلونه الأصفر وسط أنقاض الموصل ليصبح علامة على الصمود في مدينة كانت أحد أكبر المراكز الحضارية في العراق قبل أن يرتبط اسمها بحقبة داعش السوداء.

خلال السنوات الثلاث التي تلت استعادة القوات العراقية بدعم من تحالف تقوده الولايات المتحدة للموصل من داعش، كافحت ياسون لادّخار الأموال التي كسبها زوجها من تجارة الخضروات في المدينة. وجمعت مبلغا يكفي لمجرد ترميم جدران منزلها المدمر. واستعانت بمبلغ منحه لها والدها لترميم الأرضية، أما تكاليف ترميم السطح فمصدرها قرض يتوجّب عليها تسديده. وتقول السيدة البالغة من العمر 40 سنة وهي أم لطفلين “لم أرد سوى منزل”.

وورد في تقرير لوكالة الأسوشيتد برس أعدته سامية كلاب أنّ أكوام الحطام حول منزل المرأة الأربعينية تقوم شاهدا على العنف الذي تعرضت له ثاني أكبر مدينة في العراق. فقد أعلن تنظيم داعش الخلافة في 2014 من الموصل. وبعد ثلاث سنوات من ذلك نجحت القوات العراقية في استعادة المدينة بدعم من تحالف تقوده الولايات المتحدة في معركة شرسة أسفرت عن مقتل الآلاف وتركت الموصل في حالة خراب.

ويتجلى الصمود في أماكن أخرى من المدينة، رغم فشل حكومة بغداد التي تعاني من ضائقة مالية في تمويل جهود إعادة الإعمار.

وقدرت الأمم المتحدة عدد المنازل التي دمّرت في غارات جوية مكثفة للقضاء على داعش بأكثر من 8 آلاف. وأسفرت العملية التي استمرت تسعة أشهر عن مقتل 9 آلاف شخص على الأقل.

ولا تزال ذكريات وحشية داعش تطارد السكان المحليين الذين يتذكرون الوقت الذي كانت تستخدم فيه ساحات المدينة لقطع رؤوس أولئك الذين خالفوا تعاليم التنظيم ولم يلتزموا بتطبيق قواعده المشدّدة.

ولا تزال المدينة القديمة الواقعة على الضفة الغربية لنهر دجلة والتي كانت ذات يوم جوهرة الموصل، في حالة خراب حتى مع تعافي الأجزاء الجديدة من المدينة ببطء.

المدينة القديمة التي كانت جوهرة الموصل، ما تزال في حالة خراب مقارنة بالتعافي البطيء للأجزاء الجديدة من المدينة

ويقول السكان إن جل أعمال الترميم تمت بجهودهم الخاصّة. ويؤكّد أحمد سرحان الذي يدير مقهى “لم أر دولارا واحدا من الحكومة”.

وتصطف أواني القهوة العتيقة، المسماة الدلال عبر مدخل متجره القائم منذ 120 سنة. ويرى الزائر الأدوات التي استخدمها أجداد سرحان لطحن حبوب البن موجودة في مكتبه كدليل على عراقة ماضي عائلته.

ويقول صاحب المقهى “بعد تحرير الموصل، كانت الفوضى عارمة. لم يمتلك أحد المال. كان الاقتصاد صفرا”. وجنت تجارته ما يقرب من 50 ألف دينار عراقي في اليوم، أو حوالي 40 دولارا. والآن يقترب دخله من حوالي 2500 دولار.

ولكن حتى مع بدء سرحان وتجار آخرين في جني الأرباح على الرغم من تأثير الجائحة، يبقى العمال العاديون يكافحون. ويوظف سرحان 28 عاملا، يحصل كل منهم على 8 دولارات في اليوم. وقال إن المبلغ لن يكفي ليكونوا قادرين على إعادة بناء منازلهم.

ومنذ هزيمة الدولة الإسلامية في 2017، كانت مهمة إعادة إعمار الموصل بطيئة. وكان التأخير نتيجة لغياب حكم محلّي متماسك. فقد استُبدل محافظ نينوى التي تضم الموصل ثلاث مرات منذ التحرير.

وأحرزت الحكومة تقدما طفيفا في مشاريع البنية التحتية الأكبر وأعادت الخدمات الأساسية إلى المدينة، لكن الكثير من المشاريع لا يزال غير مكتمل. وحُوّلت أموال البنك الدولي المخصصة لإعادة الإعمار لمساعدة الحكومة الفدرالية في مكافحة فايروس كورونا مع تضاؤل أرصدة الدولة بفعل انخفاض أسعار النفط.

ولا يمتلك أغلب سكان الموصل الإمكانيات المادية لترميم دورهم بجهدهم الخاص، ولذلك يناشد ما لا يقل عن 16 ألفا من السكان الحكومة لتقديم مساعدات لهم لإعادة البناء. ويقول قائم مقام الموصل زهير الأعرجي، إن عدد الذين تلقوا مساعدات مالية لم يتجاوز الألفين، موضّحا “لا يوجد مال.. عليهم إعادة البناء بأنفسهم”.

وينظر سكان الموصل إلى سياسات الحكومة بريبة ويشتبهون في أن المسؤولين المحليين فاسدون ولا يمكنهم مساعدتهم. وقال عمار موفق الذي أنفق كل مدخراته لإعادة افتتاح متجره في المدينة العام الماضي “مهما كانت الأموال المقدمة، فسوف يسرقونها”.

وعلى أحد الطرق تتكدّس أنقاض دور السينما التي قصفها تنظيم داعش الذي يحظر الأنشطة الفنية. وأصبحت المدينة القديمة مع شوارعها الضيقة التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، بمثابة متحف لأهوال تنظيم الدولة الإسلامية. وتبرز قضبان حديدية مشوهة مما تبقى من المنازل التي صُممت لتحصينها. وتنتشر قطع محطمة من أحجار المرمر التي تحدّث عنها المؤرخون لأهميتها المعمارية بين الأنقاض.

وأعيد افتتاح متحف الموصل حيث التقط مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية صورا لهم وهم يحطمون آثارا لا تقدر بثمن. ولكن ليس هناك ما يمكن رؤيته باستثناء المعروضات الفنية المعاصرة التي توضع من حين لآخر مثل أعمال النحات العراقي عمر قيس.

3