تحقيق حياد الكربون يكمن في التفاصيل

تحذيرات كبيرة من أن وعود تحييد أثر الكربون من قبل الدول والشركات ليست متساوية في الأثر والأهمية.
الخميس 2020/12/10
من أجل هواء نظيف

باريس - في مواجهة حالة الطوارئ المناخية، شرعت بعض الدول والمدن والشركات في السير على طريق تحييد أثر الكربون، لكن الخبراء يحذرون من أن كل هذه الوعود ليست متساوية في الأثر والأهمية.

وتعهدت أكثر من 110 دول مسؤولة عن 65 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، بتحقيق حياد الكربون بحلول العام 2050، وفقا للأمم المتحدة. ومن بينها دول ذات انبعاثات كبيرة مثل المملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.

ويؤكد الاتحاد الأوروبي والرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن لديهما الإرادة للسير على المنوال نفسه، أما الصين، المسؤولة عن ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، فحددت لنفسها سنة 2060 موعدا نهائيا لذلك.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخرا، إن “على كل دولة ومدينة ومؤسسة مالية وشركة أن تتبنى خططا للانتقال إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050”. لكن، ما الذي يجري الحديث عنه على وجه التحديد؟

يعني تحقيق الحياد الكربوني بالنسبة إلى دولة ما أن لا تصدر كمية من غازات الدفيئة المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري أكبر مما يمكنها امتصاصه، على سبيل المثال، من خلال غراسة الأشجار أو تقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي.

لكن، هل سيؤدي هذا إلى الحد من الاحترار العالمي إلى ما دون درجتين مئويتين أو 1.5 درجة مئوية على النحو المنصوص عليه في اتفاق باريس للمناخ، في حين أن الحرارة ارتفعت بالفعل بمقدار 1.2 درجة مئوية مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية وفي حين يشهد العالم المزيد من الكوارث؟

تحذر كيلي ليفين، من معهد الموارد العالمية، من أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، وتشرح أنه يجب أخذ أربعة عوامل على الأقل في الاعتبار لضمان جدية هذه الالتزامات.

العامل الأول هو ما إذا كانت الخطط تتعلق بانبعاثات جميع غازات الدفيئة، أم أنها تقتصر على ثاني أكسيد الكربون. فهذا الأخير مسؤول عن أكثر من ثلاثة أرباع ظاهرة الاحترار، لكن تركيزات الميثان المتأتية بشكل رئيسي من تسرب الغازات ومن الماشية، آخذة في الازدياد.

واختارت نيوزيلندا، على سبيل المثال، خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فقط في إطار طموحها لتحييد أثر الكربون في العام 2050، في حين يأتي ثلث انبعاثات غاز الميثان لديها من الماشية.

كذلك ينبغي النظر إلى المراحل المختلفة لخطة التحييد، إذ تشير تيريزا أندرسون من منظمة “أكشن إيد إنترناشونال” إلى أن “الالتزام بخفض الانبعاثات بحلول العام 2050 لا يعني بالضرورة العمل من الآن كما ينبغي لاحتواء الاحترار عند 1.5 درجة مئوية”.

العلماء يجمعون على الحاجة إلى الحد بشكل كبير وعلى المدى القصير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشرية المنشأ

وتعهدت المملكة المتحدة التي ستستضيف قمة المناخ في الفضاء الافتراضي في 12 ديسمبر بخفض انبعاثاتها بنسبة 68 في المئة بحلول العام 2030 (مقارنة بتسعينات القرن الماضي)، وهو أمر لم تفعله سوى دول قليلة حتى الآن.

ومع ذلك، يُجمع العلماء على الحاجة إلى الحد بشكل كبير وعلى المدى القصير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشرية المنشأ.

ويرى خبراء الأمم المتحدة للمناخ ضمن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن هذا الانخفاض يجب أن يصل إلى 45 في المئة بحلول العام 2030، و100 في المئة بحلول العام 2050 حتى لا يرتفع مقياس الحرارة فوق 1.5 درجة مئوية.

أما العامل الثالث الذي يجب أخذه في الاعتبار فهو الدور الذي تلعبه مصارف أو خزانات الكربون الطبيعية، مثل المحيطات والتربة والغابات، أو تلك الاصطناعية.

والمبادرات الأكثر شيوعا التي تلجأ إليها الشركات لذلك، مثل المجموعات النفطية وشركات الطيران أو مؤخرا، شركة الأغذية السويسرية العملاقة نستله، هي غراسة مليارات من الأشجار.

لكن لهذه الطريقة حدودها لأنها تتطلب تشجير مناطق شاسعة لن يعود من الممكن استخدامها للزراعة.

ويواجه نهج آخر ينطوي على تخزين ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الوقود الحيوي تحت الأرض، الحدود نفسها، ناهيك عن خطر “استخدام الأراضي لتعويض الكربون في البلدان الجنوبية” على حساب السكان الذين يعتاشون من تلك الأراضي، كما يحذر جيسي براغ، من منظمة “كوربوريت أكاونتابيليتي” غير الحكومية لمساءلة الشركات. هذا في حين أن تقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون واحتجازه لا تزال في المهد.

وتلخّص كيلي ليفين بقولها إن “هناك الكثير من أوجه عدم اليقين” حول مصارف الكربون هذه، سواء الطبيعية منها أو الاصطناعية. لكن هذا لا يمنع شركتي النفط العملاقتين شل وبريتيش بتروليوم من تنفيذ وعودهما بتحقيق حياد الكربون على هذه الأساليب التي تعد موضع خلاف.

ويقول دانكن ماكلارين، الأستاذ في مركز البيئة بجامعة لانكستر، إنه على العكس من ذلك، يجب أن “نخفض الانبعاثات إلى الحد الأقصى من المصدر”.

وتكمن المشكلة الرابعة في أن العديد من الخطط الوطنية التي تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني تستثني قطاعي الطيران والنقل البحري اللذين، لو كانا دولًا، لصُنفا من بين أكبر عشر دول ملوثة في العالم.

ويقول جيسي براغ “لا توجد مبادئ توجيهية أو مجموعة مبادئ معترف بها لهذه الخطط، وهي بالتالي مليئة بالثغرات”. ويمكن تحسين ذلك من خلال حساب الانخفاض في ثاني أكسيد الكربون بشكل منفصل عن غازات الاحتباس الحراري الأخرى.

وحتى وإن تم الإيفاء بجميع التزامات حياد الكربون، يبقى هناك تحد كبير.

ويحذر دانكن ماكلارين من أنه “إذا حقق الجميع حيادية الكربون فإن هذا لن يؤدي سوى إلى استقرار مستوى غازات الدفيئة في الغلاف الجوي”، دون التأكد من أن الاحترار سيبقى دون درجتين مئويتين وأنه سيتم تخفيف آثاره.

20