تركيا تُهادن الاتحاد الأوروبي تفاديا لعقوبات محتملة

على وقع التهديد بفرض عقوبات على بلاده بسبب الاستفزازات التي تقوم بها في شرق المتوسط، غازل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دول الاتحاد الأوروبي و’’الجيران في البحر الأبيض المتوسط‘‘ مشددا على ضرورة إيجاد “صيغة تكون مربحة للجميع” في محاولة لامتصاص غضب الأوروبيين ومنع معاقبتهم لأنقرة.
إسطنبول- جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأثنين، دعوته قادة الاتحاد الأوروبي ودول البحر الأبيض المتوسط إلى الحوار حول المسائل الخلافية، في خطوة يرى مراقبون أنها تأتي في محاولة لمهادنة الأوروبيين تلافيا للعقوبات التي تلوح بها بروكسل.
وقال أردوغان إنه ’’يمكن التوصل إلى صيغة تكون مربحة للجميع‘‘ وذلك عشية عقد القادة الأوروبيين اجتماع لهم لتنفيذ تهديداتهم بفرض عقوبات على تركيا بسبب ’’استفزازاتها في شرق المتوسط‘‘.
ويدور خلاف بين اليونان وتركيا، العضوين في حلف شمال الأطلسي، بشأن المنطقة البحرية شرق المتوسط الغنية بموارد الطاقة بما في ذلك الغاز الطبيعي. وأثارت تركيا غضب اليونان بإرسال سفينة استكشاف وزوارق من البحرية إلى المياه المتنازع عليها.
وبرز تفاؤل في سبتمبر الماضي إزاء طريقة لحل الخلاف من خلال الحوار بعد موافقة تركيا واليونان على إجراء محادثات استكشافية متوقفة منذ 2016. لكن الآمال تبددت مع عودة “عروج ريس” لإجراء أنشطة استكشاف أواخر الشهر الماضي في خطوة وصفتها أثينا بأنها “تهديد مباشر للسلام”.
وجاءت تصريحات أردوغان، التي حملت نبرة تهدئة رجح مراقبون أن تكون مجرد مناورة لتفادي العقوبات، قبيل بدء وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الأثنين، اجتماعهم الذي تطرق إلى التوترات المستمرة مع تركيا، إلى جانب مستقبل العلاقات عبر المحيط الأطلسي بعد خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب من السلطة.
وقال أردوغان “أدعو كل دول الجوار في المتوسط وخصوصا اليونان لكي لا ترى هذه المسألة لعبة خاسرة”. وأضاف “أعتقد أنه يمكننا التوصل إلى صيغة تحفظ حقوق الجميع”.
وجدد الرئيس التركي الدعوة إلى “جمع كافة الأطراف حول طاولة المفاوضات” بما في ذلك “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها سوى أنقرة. ولكنّ اليونان تصر على ضرورة وقف تركيا عمليات الاستكشاف قبل بدء التفاوض.
وقال وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، الاثنين إنه ’’يجب على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ إجراء بشأن سلوك تركيا المشين‘‘ مضيفا أن ’’أنقرة تقاعست عن الرد على بوادر حسن النية التي أبداها الاتحاد‘‘.
ودعا أردوغان الاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن “العمى الإستراتيجي” بشأن شرق البحر المتوسط. وشدد على أنه “ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يتخلص بسرعة من العمى الإستراتيجي (..) وألّا يتصرف حيال شرق المتوسط حسب أهواء اليونان وقبرص”.
وأوضح أردوغان أن “تركيا التي تمتلك أطول شريط ساحلي على البحر المتوسط لا يمكنها أن تكتفي بمقعد المتفرج على تطورات المنطقة”. وأضاف أن بلاده “ذكرت بكل وضوح أنها لن تعترف بالمخططات والخرائط الرامية إلى حبسها بسواحل أنطاليا”.
وأشار إلى أن تركيا لا تسعى إلى التصعيد في شرق المتوسط، بل تعمل على حل الخلافات بالتعاون وبشكل عادل. وأردف “حل قضايا البحر المتوسط لا يكون بإقصاء بعضنا وإنما بجمع كافة الفاعلين في المنطقة على طاولة المفاوضات”. وأكد أن مقترح بلاده حول تنظيم مؤتمر تشارك فيه جميع البلدان المطلة على المتوسط بما في ذلك “قبرص التركية” ما زال قائما.
ولا يتفق جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي على جدوى العقوبات، إذ يخشى البعض من أن تصعيد المواجهة قد يدفع حكومة أردوغان مجددا إلى السماح لطالبي اللجوء بمغادرة تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي، ما يعني أزمة هجرة ولجوء جديدة.
والجمعة، أعرب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الذي سيستضيف القمة، عن إحباط أوروبا. وقال ميشال “أعتقد أنّ لعبة القط والفأر يجب أن تنتهي” مشيرا إلى خروقات تركيا المتكررة بزوارق استكشاف الغاز في المياه المتنازع عليها. وأضاف “سيكون هناك نقاش في البرلمان الأوروبي في العاشر من ديسمبر، ونحن على استعداد لاستخدام جميع السبل المتاحة”.
الرئيس التركي جدد الدعوة إلى جمع كافة الأطراف حول طاولة المفاوضات بما في ذلك "جمهورية شمال قبرص التركية" التي لا تعترف بها سوى أنقرة
والشهر الماضي، أعادت تركيا سفينة المسح الزلزالي “عروج ريس” إلى مرفئها تماما كما فعلت قبل قمة أوروبية سابقة. وقال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيبحثون اتخاذ إجراءات بحق تركيا خلال اجتماعاتهم، إذ لم يحدث أي خفض للتصعيد في النزاع بشرق المتوسط خلال الشهور الماضية.
وأضاف ماس، قبل الاجتماع مع نظرائه بالتكتل “عملت ألمانيا جاهدة خلال الشهور الماضية على تسهيل الحوار بين الاتحاد الأوروبي وتركيا… لكن حدثت استفزازات كثيرة جدا وحال التوتر بين تركيا وقبرص واليونان دون إجراء أي محادثات مباشرة”. وأضاف “لهذا السبب سنتحدث عن أي عواقب ينبغي علينا أن نفرضها”.
ويرى مراقبون أن حديث الرئيس التركي لن يشفع له هذه المرة خاصة أنه عمد في أكثر من مرة إلى مغازلة الاتحاد الأوروبي لتفادي العقوبات، ثم يصعد من جديد ما يجعل قادة الاتحاد الأوروبي يسعون إلى التوصل لتوافقات لازمة لمعاقبة أنقرة بسبب استفزازاتها المتواصلة، وكذلك بسبب الواقع الحقوقي في تركيا في ظل حكم أردوغان.