جائحة كورونا تغير وجهة أفلام السينما نحو منصات البث

تشير التغيرات التي فرضتها جائحة كورونا في عالم صناعة السينما، إلى أن منصات البث التدفقي تعيد تشكيل وجهة هذه الصناعة تماما بما يتناسب مع الجمهور في المنزل، وهو ما تؤكده العقود المبرمة بين شركات هوليوود العملاقة وعمالقة منصات الفيديو الرقمية.
نيويورك - انخفضت عائدات شباك التذاكر في جميع أنحاء العالم بعشرات المليارات، بسبب وباء كورونا، لكن بقي هناك نقطة مضيئة بالنسبة إلى شركات الإعلام بفضل خدمات البث عبر الإنترنت، وقد يكون الوباء وفر فرصة لن تتكرر لجذب المشتركين والجمهور.
لا تزال الكثير من الأمور غير مؤكدة حول كيفية نجاة صناعة السينما من الوباء. لكن من الواضح أن هوليوود لن تكون كما كانت. تمامًا مثل الإنفلونزا الإسبانية، التي قضت على الشركات الصغيرة وساهمت في تشكيل نظام الاستوديو، فإن جائحة كورونا تعيد تشكيل هوليوود، وتسرّع التحوّل الرقمي ويحتمل أن تعيد ترتيب صناعة كانت في حالة تغيُر مستمر بالفعل، وفق تقرير لأسوشتد برس أعده جيك كويل.
وتواجه اليوم الأفلام منعطفًا حرجًا مرة أخرى، لكن ليس بسبب عدم ظهور أفلام جديدة، وإنما نتيجة تغيير وجهة الصناعة من خلال خدمة البث أو خدمات الأفلام حسب الطلب أو المسرح الافتراضي أو المسرح الفعلي، فقد تم إصدار بعض الأعداد الثابتة من الأفلام في ظل فايروس كورونا كل أسبوع.
وخلال أكتوبر الماضي، جربت شركة والت ديزني إنتاج فيلم “مولان” بقيمة 200 مليون دولار على خدمة البث المباشر الخاصة بها “ديزني بلاس”، والتي سيُعرض عليها كذلك فيلم “سول” في 25 ديسمبر. وقد أعلنت مؤسسة “وارنر ميديا” الأسبوع الماضي أن فيلم “وندر وومن 1984″، وهو فيلم كان من الممكن أن يحقق مليار دولار في شباك التذاكر في موسم صيفي طبيعي، سيُعرض في دور السينما وعلى شبكة البث “إتش.بي.أو.ماكس” الشهر المقبل.

بيتر غوبر: الجنّي لن يعود إلى الزجاجة، سيتشكّل نظام أستوديو جديد
ويقول المنتج بيتر غوبر، مدير شركة “مانديلي إنترتينمينت”، والرئيس السابق لشركة “سوني بيكتشرز” “لا أعتقد أن الجنّي سيعود إلى الزجاجة أبدًا. سيتشكّل نظام استوديو جديد. سيتم استبدال شركات مثل ‘أم.جي.أم’ و’فوكس’ بمنصات بث مثل ‘ديزني’ و’ديزني.بلاس’، و’أمازون’، و’آبل’، و’نتفليكس’، و’إتش.بي أو ماكس’، و’بيكوك'”.
وفي العالم العربي تعتبر نتفليكس الشركة الأكثر استقطابا للأعمال السينمائية العربية، وأصبحت وجهة الجمهور المهتم بالسينما العربية والعالمية، وعقدت في نوفمبر الماضي، شراكة مع المجموعة السعودية للإنتاج والتمويل “تلفاز 11″، لإنتاج 8 أفلام طويلة، سيتم طرح أولها أواخر عام 2021.
وتأتي هذه الشراكة في أعقاب النجاح الذي حققته مجموعة أفلام “ستة شبابيك من الصحراء”، الحائزة على جوائز، والتي كانت ثمرة تعاون الطرفين. وسوف تستثمر نتفليكس في “تلفاز 11″، من أجل إنتاج قصص تعبّر عن الثقافة السينمائية للمنطقة.
وكانت نتفليكس قد أعلنت مطلع الصيف عن عرض 44 فيلماً عربياً من بينها 4 أعمال سينمائية تونسية، وذلك للمرة الأولى، بهدف تمكين جمهور واسع من اكتشاف جزء مهم من التراث السينمائي للعالم العربي وتوفير منصة للمواهب وصانعي الأفلام العرب.
وتجري العديد من استوديوهات هوليوود المزيد من عمليات إعادة التنظيم طويلة المدى حول خدمات البث. فقد أعلن الشهر الماضي، الرئيس التنفيذي لشركة ديزني، بوب تشابك، عن إعادة تنظيم لتعزيز خدمات البث المباشر والتسريع من توصيل الخدمات المباشرة إلى المستهلك.
ودفعت شركة “يونيفرسال بيكتشرز”، التابعة لشركة “كومكاست”، بقوة نحو خدمات الفيديو عند الطلب. وقد أثار أول عرض لها، وهو فيلم “ترولز”، غضب أصحاب دور السينما.
وأبرمت شركة “يونيفرسال” صفقات غير مسبوقة مع شركات “آيه.أم.سي”، و”سينيمارك”، لتقليص مدة عرض الأفلام في دور السينما (عادة حوالي ثلاثة أشهر) إلى 17 يومًا فقط. وبعد ذلك الوقت، يمكن لشركة “يونيفرسال” نقل الإصدارات إلى المنصات الرقمية.
وفي حين أن ثاني أكبر شركة لدور السينما في هوليوود، “ريغال سينماز”، قاومت مثل هذه الصفقات، إلا أنّ هناك اعترافا واسع النطاق بأن أيام العروض في دور السينما التي استمرت 90 يومًا قد عفا عليها الزمن. وهو أمر لطالما سعت إليه الاستوديوهات لتحقيق الفائدة المحتملة من تغطية كلا المنصتين بحملة تسويقية واحدة. ويرى الكثيرون أن الجائحة تعزز هذا الاتجاه الذي من الممكن أن يستمر لعقود.
ويقول كريس أرونسون، رئيس التوزيع في شركة “باراماونت بيكتشرز” “كل شيء يتغير الآن. كل هذه الأشياء التي تحدث الآن في هذا المجال كان مقدر لها أن تحدث. التطور يحدث بشكل أسرع مما كان متوقعاً. ما كان يمكن أن يستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات سيتم القيام به في عام، ربما عام ونصف العام”.
ويحدث هذا التغيير السريع في نفس الوقت الذي تتنافس فيه منصات البث، حيث تتصارع منصات مثل “ديزني بلاس” و”إتش.بي.أو.ماكس” و”آبل” و”بيكوك” لجذب جزء من جمهور المشاهدة المنزلية الذي تسيطر عليه منصات “نتفليكس” و”أمازون”.
وقال دوغلاس ميتشلسون، المحلل في مؤسسة “كريدي سويس”، عن خطط طرح فيلم “وندر وومن” التي تشمل تمديد العروض إلى الصين وأوروبا وأماكن أخرى، إنها “تجربة كبيرة يمكن أن يكون لها آثار دائمة إذا نجحت”.
وأقرت المخرجة باتي جينكينز أن الإصدار المتزامن كان نوعًا من التضحية، ليس فقط لشبكة “إتش.بي.أو.ماكس”، ولكن للعائلات المنعزلة في المنازل. وكتبت جينكينز على تويتر “في مرحلة ما، عليك أن تختار مشاركة أي حب وفرحة لديك على حساب كل شيء آخر”.
وقد يكون من السهل تشجيع مثل هذه التحركات، حتى لو ظل أداؤها المالي غير واضح إذ لم يتبع أي استوديو أسلوب الشفافية في ما يتعلق بتسجيل أعداد المشاهدين أو إجمالي الأرباح الرقمية، لذلك فإن قدرتها على البقاء على المدى الطويل غير مؤكدة.
فهل يمكن تكرار تحقيق مليار دولار إيرادات في شباك التذاكر من خلال الاشتراكات الجديدة على المنصات الرقمية؟ وإلى أي حد سيجذب عرض الفيلم لمرة واحدة على هذه المنصات (على عكس المسلسل الذي يعرض على مدار أسابيع أو شهور) المشتركين حتى في ظل زيادة اشتراك الأسر في المنصات الرقمية؟
يجيب إيرا دويتشمان، منتج الأفلام والأستاذ في جامعة كولومبيا “الأمر برمته أكثر تعقيدًا مما يريده الناس. الطريقة التي يتم بها صنع الأفلام وتوزيعها على مستوى الاستوديوهات كانت حقًا في حاجة إلى التغيير ونأمل أن يحدث ذلك بالفعل. لكن عندما يسمع الناس ذلك، يكون الأمر أشبه بالـ’الوباء’ الذي الذي يقصم ظهر البعير وأنه لم يعد هناك دور سينما. أنا شخصيا أشعر أن هذا هراء”.
يعتبر دويتشمان فكرة أن الناس، بعد عام من الحجر الصحي وحالات الإغلاق، لن يرغبوا في مغادرة غرفة معيشتهم “سخيفة”. لكنه يتخيل استمرار عمليات الدمج والاستحواذ، وحدوث “توازنات جديدة” للموزعين وأصحاب دور السينما.
إذن، ماذا يمكن أن يعني ذلك في ظل جائحة كورونا، إذا كان رواد السينما يرغبون مرة أخرى في الجلوس في دور السينما المزدحمة في عطلة نهاية الأسبوع؟
من شبه المؤكد أن ذلك سيعني أن الأفلام التي استمر عرضها لأشهر طويلة مثل “تايتانيك” أو “جيت أوت” أصبحت شيئًا من الماضي. وقد يعني ذلك أيضاً فرض أسعارٍ متغيرة في ليال مختلفة.
ولكن بعد عقود من التراجع في أعداد الحضور، يعتقد معظمهم أن دور السينما يجب أن تبتكر طريقة أخرى غير رفع أسعار التذاكر. يقول جيف بوك، كبير محللي شباك التذاكر في مؤسسة “إكزبيتور ريليشنز” “التوقعات كبيرة للغاية من حيث كونك دار عرض رئيسية”.
يتخيل بوك أن انحسار دور العرض سيعني القليل من الأفلام التي سترتفع إلى مليار دولار في شباك التذاكر في جميع أنحاء العالم. يمكنه أن يرى بعض الاستوديوهات، مثل ديزني، تدير دور العرض الخاصة بها على أنها “مسارح ترفيهية صغيرة” ممتلئة بالمنتجات التي تروج للأفلام.
وفي غضون ذلك، تأمل دور العرض في الحصول على المساندة من الكونغرس. حيث في ظل انتشار الفايروس، تظل حوالي 40 في المئة فقط من دور العرض الأميركية مفتوحة؛ أما هذه الموجودة في نيويورك ولوس أنجلس، فقد ظلت مغلقة منذ مارس.
لقد اقترضت بعض العلامات التجارية والشركات المهمة قروضًا للبقاء واقفة على قدميها وتجنب الإفلاس. أعلنت شركة “سيني وورلد”، مالكة دور العرض “ريغال سينيماز” المغلقة بالكامل حاليًا، الاثنين عن عقدها صفقة للحصول على قرض إنقاذ بقيمة 450 مليون دولار.
سيكون هذا موسم عطلات مختلفًا بالنسبة إلى صناعة السينما. ولكن كيف سيختلف عام 2021 وما بعده؟
بعض الأشياء، رغم ذلك، قد لا تتغير أبدًا. يقول غوبر “إذا كنت ستعمل في هذا المجال، بغض النظر عما تفعله أو عن مكان عرض منتجك، سواء كان عن طريق شبكات البث أو عن طريق دور السينما، فستحقق نجاحات وإخفاقات. لكن الفكرة هنا تكمن في ضرورة تحقيق نجاحات أكثر من الإخفاقات”.