خطاب الكراهية يطوق حقوق المرأة التونسية من داخل البرلمان

تونس - أثارت تصريحات نائب برلماني عن ائتلاف الكرامة الإسلامي المتشدّد استياء واسعا بين الأوساط البرلمانية والشعبية التونسية، بعدما هاجم المرأة التونسية ووصفها بنعوت جارحة منتقدا حريتها وتمسكها بمجلة الأحوال الشخصية الضامنة لحقوقها وحرياتها.
وقال النائب عن ائتلاف الكرامة محمد العفاس، خلال مناقشة ميزانية وزارة المرأة، "هم يتكلمون عن حرية المرأة، ونحن نعتبرها حرية الوصول إلى المرأة، ما يسمونه حرية نسميه تحررا، وهو أن يكون المرء عبدا للموضة والغرب والشهوات ولدعوات الفسق والفجور، المرأة عندهم سلعة رخيصة مكشوفة لمن هب ودب، وعندنا جوهرة غالية نفيسة محفوظة".
وأضاف "مكاسب المرأة عندهم الأمهات العازبات، الإنجاب خارج إطار الزواج، الحق في الإجهاض، ممارسة الرذيلة، الشذوذ الجنسي.. ونقول لهم، إن هي إلا أسماء سميتموها ما أنزل الله بها من سلطان، الأمهات العازبات هن إما عاهرات أو مغتصبات، الإنجاب خارج إطار الزواج هو زنا، الإجهاض هو قتل نفس بغير حق، الحرية الجنسية عهر".
وتابع "دولتهم هي من خلفت المواخير، وتاريخنا شرف على شرف، نماذج المرأة عندهم الزوجة الخائنة، والطالبة اللعوب، والبنت العاقة والشغالة المتحرشة، هم يدافعون عن عمى عن مجلة الأحوال الشخصية ويقولون عنها خطا أحمر، ونحن ندافع عن بصيرة عن أحكام رب العالمين ونعتبرها خطا أحمر. هم أرخصوها والإسلام أكرمها".
واستنكر كثيرون خطاب العفاس الذي شدّد فيه على وجود جهتين متضادتين، وكأنه يقسم البلاد إلى دولتين، مصرا على استخدام ثنائية "نحن" و"هم" طوال خطابه، مهاجما الأحزاب المدنية والديمقراطية، ومقللا من شأن النظام المدني "البورقيبي" ومعتبرا أن الاتجاه الإسلامي المتشدد الذي ينتمي إليه، هو الاتجاه الصائب.
وائتلاف الكرامة، هو أحد الأحزاب الإسلامية في تونس وهو حليف كبير لحركة النهضة في البرلمان وخارجه، ولنوابه (18 نائبا) صولات وجولات داخل البرلمان كان أبرزها رفعهم صور الرئيس المصري محمد مرسي، ومحاولتهم المتكررة تضييق الحريات على الصحافيين التي بلغت حد منعهم من دخول البرلمان ومواكبة جلساته.
وانسحب عدد كبير من النواب بالبرلمان منددين بتصريحات العفّاس، فيما طالبت رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، رئيس البرلمان راشد الغنوشي، باستعجال عقد اجتماع مكتب مجلس استثنائي للتداول في إدانة تصريحات النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة.
واعتبرت موسي أن تصريحات العفاس، فيها مس وإهانة للمرأة التونسية، مشدّدة على ضرورة إصدار اعتذار رسمي من البرلمان لجميع نساء تونس.
ووجهت موسي المقترح إلى من اعتبرتهم القوى المدنية، في صورة رفض رئاسة المجلس عقد اجتماع، لطلب عقده من ثلث الأعضاء وإصدار الموقف الضروري.
وذكرت وسائل إعلام محلية أنّ رؤساء الكتل في البرلمان يبحثون طرق الردّ على النائب محمد العفاس بسبب تصريحاته الجمعة خلال الجلسة العامة الخاصة بمناقشة ميزانية وزارة المرأة .
واقترح النواب إمضاء عريضة أو طلب نقاط نظام خلال الجلسة التي تنعقد الآن، أو تطبيق الفصل 118 من النظام الداخلي للمجلس والذي يسمح لهم بالرد عليه إثر انتهاء أشغال الجلسة.
واستنكرت جمعية النساء الديمقراطيات تصريحات العفاس قائلة إنه "اتهم نساء تونس بأبشع التهم ونعتهن بأقبح النعوت بل واعتبر النائب المذكور المنتخب بقانون مدني وبدستور وضعي أنه لا يعترف إلا بالشريعة وبتطبيق الأحكام الشرعية على النساء العازبات وعلى كل امرأة في تونس لا تلتزم بهذه الأحكام".
وذكّرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بمواقفها السابقة من مجلس النواب الذي انحدر إلى إطار لممارسة العنف السياسي المستهدف للنساء وللخطاب المتطرف ولكل الممارسات المعادية للحريات وللحقوق بصفة عامة.
وندّدت جمعية "أصوات نساء" بما ورد في تصريحات النائب من "عنف لفظي ومعنوي مسلط على النساء"، منددة "بإلقاء الدستور والقوانين عرض الحائط من قبل نائب شعب لا يعترف إلا بالشريعة وبتطبيق الأحكام الشرعية على النساء العازبات وعلى كل امرأة في تونس لا تلتزم بهذه الأحكام".
وطالبت الجمعية النائب محمد العفاس بـ"الاعتذار أوّلا وقبل كل شيء إلى كل النساء التونسيات ثم السهر على احترام الدستور واحترام القانون عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء".
واعتبرت "أصوات نساء" الخطاب الذي يمثّل أيديولوجيا ائتلاف الكرامة بصفة عامة، "اغتيالا لقيم الدستور وطموحات الثورة التونسية وخاصة لطموحات التونسيات والتونسيين المناصرة لجمهورية الحرية والمساواة بلا تمييز أو عنف أو إقصاء".
وأكدت أن هذا "التصرف الصادر عن نائب شعب منتخب ومشارك في إصدار القانون عدد 58 المناهض للعنف ضد النساء، هو عرقلة لاستكمال بناء الدولة الديمقراطية القائمة على الحقوق والحريات الكونية وحماية قيم الدستور والجمهورية".
ويعرف ائتلاف الكرامة، الذي يرأسه سيف الدين مخلوف، بمعاداته للحرية وأوجهها المختلفة، ويُثير الخطاب الذي يتبناه جدلا واسعا، خاصة وأنه يقدّم مبادرات تشريعية متوالية تعمّق حالة الانقسام التي يعرفها المشهد العام في تونس.
وتتخوف أوساط تونسية من الخطاب الذي أصبح يهدد المشهد، حيث وصفت بعض الكتل البرلمانية ممارسات كتلة ائتلاف الكرامة ومن ورائها حركة النهضة بـ"التغول".