على خلفية وفاة طبيب.. الغنوشي يلوم النظام السابق

تونس - أثارت تصريحات رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي بشأن لوم النظام السابق بعد عقد من سقوطه على اهتراء البنية التحتية سخرية وغضبا واسعين.
وقال الغنوشي الجمعة، إن أحد أسباب الثورة التي شهدتها تونس في 2011، "اهتراء البنية التحتية لجميع القطاعات، وتأزم وضع الصناديق الاجتماعية".
جاء ذلك خلال لقاء جمع الغنوشي، بوزير الصحة فوزي مهدي، في قصر البرلمان بالعاصمة تونس، على خلفية وفاة طبيب شاب (27 عاما) إثر سقوط مصعد كان يقله بأحد المستشفيات الحكومية.
ويعتبر محللون أن إلقاء الغنوشي باللوم على النظام السابق في هذه الحادثة لا يخلو من الاستخفاف بالعقول، لاسيما وأن عشر سنوات كاملة مرت على سقوطه، وكانت حركة النهضة طيلة تلك الفترة إما الممسكة بمقاليد الحكم وإما شريكة فيه.
ويحاول الغنوشي من خلال تصريحاته المثيرة للجدل تعويم القضية من إهمال وتقصير من طرف الحكومات المتعاقبة منذ 2011، بإرجاعها إلى أسباب الثورة وإلى النظام السابق، للتنصل من المسؤولية.
وسبق لحركة النهضة الإسلامية في أكثر من مناسبة أن ألقت باللائمة على النظام السابق، كلما يضيق عليها الخناق السياسي سواء من معارضيها أو حتى من داخلها.
وكان القيادي نورالدين البحيري قد حمل في وقت سابق تردي وضعية السجون التونسية إلى النظام السابق قائلا "النظام السابق لا يحترم حقوق الإنسان ولا يستثمر في تحسين الظروف السجنية إضافة إلى القوانين التي تشجّع على الإيقاف في عديد الجرائم مما ينجرّ عنه عديد الإيقافات العشوائية".
وأثارت تصريحات الغنوشي موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر النشطاء أن حركة النهضة هي المتسبب الرئيسي في تفاقم الأزمات الاقتصادية التي تعيشها تونس منذ 2011.
وأكد هؤلاء أن ارتفاع العجز التجاري إلى أرقام قياسية وتضاعف نسب البطالة يعود أساسا إلى إفراغ خزينة الدولة في تعويضات لأبناء حركة النهضة وتعيينهم في الإدارات الحكومية.
وتساءل نشطاء الشبكات الاجتماعية باستنكار لا يخلو من السخرية عن سبب تخلف حركة النهضة طيلة السنوات العشر عن إعادة تهيئة البينة التحتية، معتبرين أن ذلك يعود إلى انشغال قياداتها بالمناورات السياسية وخوض معارك المناصب في الدولة.
ومساء الجمعة، قام رئيس الحكومة هشام المشيشي بزيارة المستشفى الجهوي بجندوبة للاطلاع على وضع هذا المرفق الصحي بعد حادثة وفاة الطبيب المقيم إثر سقوطه من مصعد معطب بالمستشفى.
ورافقت زيارة المشيشي حالة من الغضب والاحتقان في صفوف السكّان الذين تجمّعوا أمام المستشفى، وعبّروا عن استيائهم من الحادثة رافعين شعار "ديقاج" (ارحل ) في وجه عدد من المسؤولين.
وطالبوا بمحاسبة المتسبّبين الحقيقيين في وفاة الطبيب الشاب وفي تردي القطاع الصحي بجندوبة وإطلاق سراح عون الصيانة.
وأمام حالة الاحتقان الكبيرة غادر المشيشي المستشفى وسط حضور أمني مشدّد دون أن يطلع على الوضع.
والجمعة، عمت مشاعر الغضب والحزن في تونس، عقب الحادث المأسوي الذي انضاف إلى سلسلة من الكوارث جراء التقصير.
واستيقظ التونسيون على الفاجعة التي وقعت في مستشفى جندوبة شمال غرب البلاد عندما استخدم الطبيب الشاب المتخصص في الجراحة بدرالدين العلوي، مصعدا آليا لكنه هوى به إلى القاع دون أن يتفطن إلى أنه معطّب.
وكتب الطبيب الشاب أحمد الغرايري على صفحته بموقع فيسبوك "إنها الدولة التي تقتل أولادها".
ونفذ طلبة كليات الطب والأطباء الشباب إضرابا وطنيا حضوريا في مستشفيات البلاد. وطالبت المنظمة التونسية للأطباء الشبان بإقالة وزير الصحة ومدير المستشفى والمدير الجهوي للصحة وتوجيه تهمة القتل إليهم بسبب التقصير.
وتعتبر الحادثة أحدث فاجعة يشهدها قطاع الصحة العمومية المتهالك في تونس بعد كارثة وفيات الرضع في مستشفى الأطفال بالعاصمة في مارس 2019 بسبب تعفن جرثومي. ولم تفض التحقيقات في الكارثة حتى اليوم إلى نتائج واضحة أو إدانات قضائية.
وأمام الكلفة العالية للمصحات الخاصة، تحول قطاع الصحة العمومية إلى كابوس حقيقي للطبقة محدودة الدخل في تونس بسبب تدني الخدمات والنقص في التجهيزات وأطباء الاختصاص في ظل هجرة أعداد كبيرة منهم إلى الدول الأوروبية ودول الخليج العربي.
وقال منجي الرحوي النائب في البرلمان عن محافظة جندوبة في مداخلة له في جلسة عامة "هل نحن في وطن أم مقبرة. من أغرب الظواهر التي تعيشها تونس. الخيارات التي اتخذتها مختلف الحكومات في عشر سنوات لا تعكس إرادة للإصلاح".
وأضاف الرحوي "ما يحصل هو استعاضة قطاع الصحة العمومية بالقطاع الخاص. وهذا الخيار بدأ يعطي ثماره والنتيجة أن المستشفيات العمومية تحولت إلى مذابح".
وضاعفت الحادثة من موجة الإحباط في البلاد بسبب التقصير بعد سلسلة من الحوادث المميتة من دون أن تكون للسلطة قرارات لحل المعضلات التي تقف وراءها.
وقبل أسابيع فجرت حادثة وفاة فتاة في بالوعة مكشوفة غضبا عارما ضد السلطات البلدية وهي الحادثة الثانية في خلال شهر.
وقبل عام لقي أكثر من أربعين شابا حتفهم في حادث سير على متن حافلة في منحدر يفتقد لعوامل السلامة كما توفيت عاملات في القطاع الزراعي مكدسات في شاحنة مكشوفة في حادث سير ليس الأول من نوعه.
وتشهد تونس احتجاجات في عدة محافظات تطالب بالتنمية والتشغيل وتحسين ظروف العمل قبل أيام من إحياء الذكرى العاشرة لاندلاع شرارة الثورة التي مهدت لثورات الربيع العربي.