أم راكوبة في السودان من صحراء إلى "مدينة" تضج بالحياة

كسلا (السودان) - وسط أصوات المطارق على ألواح الخشب وصرير المجارف وأصوات التلاميذ في فصول الدراسة، حلّت حياة جديدة في مخيم أم راكوبة للاجئين الإثيوبيين بشرق السودان بعد شهر على إعادة فتحه.
ويقول مدير المخيم عبدالباسط عبدالغني “قبل شهر كان صحراء، اليوم تحول إلى مدينة مجددا”.
وفتح هذا الخيم أبوابه مجدداً مطلع نوفمبر مع بداية هجوم الجيش الإثيوبي على إقليم تيغراي المتمرد. وبات يأوي الآن 9700 شخص، وفقا لأرقام المفوضية العليا للاجئين، وسط استبعاد فرضية عودتهم قريبا مع إعلان أديس أبابا السيطرة على الإقليم.
ومن بين الوافدين الجدد إلى المخيم، الذي سبق واحتضن الآلاف من النازحين الإثيوبيين في ما مضى، تسافاي برهاني وزوجته اللذان وصلا الخميس، من مركز الإيواء المؤقت في حمداييت بولاية كسلا المجاورة، وهما الآن يقومان ببناء كوخ للاقامة فيه.
وقد خصصت لهما سلطات المخيم قطعة أرض مساحتها 200 متر مربع، ووفرت لهما ألواحا خشبية والقش وأدوات للنجارة ومجرفة، والآن صار عليهما أن يعملا.
ويقول برهاني، وهو مزارع في العشرين من عمره “إننا نبني مسكنا بالمواد التي منحونا إياها. في الوقت الراهن، سنعيش هنا وبعد ذلك سنرى ماذا سنفعل”.
ومنذ فتح المخيم أبوابه، تم بناء 2100 كوخ. ويؤكد عبدالباسط عبدالغني أنه إزاء “الطلب الكبير، فإن خطتي هي إقامة 300 كوخ إضافي”.
وفضل آخرون الإقامة في مخيمات القماش البيضاء التي وزعتها المفوضية العليا للاجئين إما لأنهم لا يجيدون بناء الأكواخ أو لأنهم مقتنعون بأن إقامتهم في المخيم الواقع على بعد 80 كيلومترا من الحدود في قلب الصحراء ستكون قصيرة.
ويوضح عبدالغني أن المخيم “يمكن أن يأوي 20 ألف شخص، ولكن أعداد الوافدين إلينا تتزايد كل يوم”.
وأمام تنامي الوافدين، يسجل توسع مضطرد في استخدام أراضي المخيم. ففي البداية، كانت كل الأكواخ في وسط المعسكر، أما الآن فإنها وصلت إلى مسافة كيلومتر من الوسط.
ويعدّ هذا المخيم الوحيد الذي يقيم فيه اللاجئون، أما المراكز الأخرى القريبة من الحدود فهي مجرد نقاط لتسجيل الوافدين الجدد الذين يتم نقلهم بعد ذلك إلى أم راكوبة.
جالسين على الأرض بلا كراسة أو قلم أو لوحة سوداء، يردد قرابة 50 طفلا بصوت عال خلف المدرس الأرقام من 1 إلى 10. وبدا الأطفال سعداء بالعودة إلى المدرسة بعد صدمة الفرار من الحرب.
وقال ويل كارتر، مدير المجلس النرويجي لللاجئين في السودان “فتحنا مدرستين، كل منها من خمسة فصول ويمكن أن تستقبل 50 تلميذا تقريبا تتراوح أعمارهم بين 7 و17 عاما”.
وأضاف “من حظنا أنه من بين اللاجئين هناك مدرسون يعطون دروسا أولية في الرياضيات باللغتين التيغرية والإنجليزية”. ووفق المفوضية العليا للاجئين، فإن 45 في المئة من اللاجئين أطفال.
وأقيمت أربع منشآت تحوي دورات مياه في المخيم. ويقول مدير المخيم عبدالغني “لحسن الحظ أنّ المنطقة تحوي مياها جوفية كثيرة”.
ووفرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أربعة خزانات لمياه الشرب.
وفي وسط المخيم، فتحت عدة منظمات غير حكومية دولية مكاتب يتردد عليها اللاجئون بأمل الحصول على مساعدات. وبدأ يظهر بعض بائعي الخضروات داخل الخيم. فبعض الأسر تفضل الحصول على مكونات الطعام من مكتب الأمم المتحدة وإعداد وجباتها الخاصة، غير أنّ غالبية اللاجئين ينتظرون ثلاث مرات يوميا أمام مخيمات برنامج الغذاء العالمي للحصول على الطعام.
وشنّ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في الرابع من نوفمبر، حملة عسكرية على منطقة تيغراي بهدف الإطاحة بسلطات الإقليم التي تتولاها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ويتّهمها آبي أحمد بالتمرّد على الحكومة المركزية والسعي لإسقاطها.
وشكّلت الخطوة تصعيدا كبيرا في التوتر بين آبي الحائز على جائزة نوبل للسلام، والجبهة التي هيمنت على الساحة السياسية في إثيوبيا على مدى نحو ثلاثة عقود قبل وصول رئيس الوزراء إلى السلطة في 2018 على خلفية تظاهرات مناهضة للحكومة آنذاك.
وقتل الآلاف جرّاء المعارك بينما تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين عبر الحدود إلى السودان. وأعلن آبي ليل السبت “استكمال” العمليات العسكرية في تيغراي، بعدما أكد الجيش سيطرته على ميكيلي التي كانت تعد نصف مليون نسمة قبل اندلاع النزاع.
اقرأ أيضاً: أزمة تيغراي مرشحة للانتقال إلى إريتريا والسودان