"مستوى رئيس".. فيلم خيال علمي يجمع الأكشن بالكوميديا

للزمن دورته الدائمة ومن خلال مسارها تتحدّد سيرة الكائن البشري وحياته، وهو يدور في ذلك المدار متسائلا عن البداية والحتمية والمسار والنهاية. هذه أسئلة مصيرية تحفل بها سينما الخيال العلمي بصفة عامة، وبالأخص تلك الأفلام التي تطرح موضوع دورة الزمن لنقترب من ذلك الواقع مع شخصيات تبقى مدافعة عن وجودها اليومي فيما دورة الزمن تتواصل وهي تسير إلى نهايتها.
في فيلم “مستوى رئيس” للمخرج جو كارناهان تحضر ثيمة دورة الزمن بقوة بل إن أحداث القصة برمتها يتم بناؤها على أساس دورة الزمن، أو ذلك اللولب الممتد الذي ستجد الشخصية نفسها فيه وسط دوامة لانهائية.
هنا سوف تمتزج صفتان مهمتان في شخصية واحدة من خلال روي (الممثل فرانك غريلو)، وهو ضابط مهمته إنفاذ القانون، هاتان الصفتان هما القدرة الخارقة والبحث عن الحقيقة، فهو مستهدف من أطراف عدة والكل يريد التخلص منه بأية طريقة ممكنة، ولهذا فإن همّه ينصرف إلى محاولة معرفة دوافع من يريدون التخلص منه ومن هم؟
خلال ذلك تمتزج أحداث الفيلم في خليط من الخيال العلمي والحركة والكوميديا، فمشهد اغتيال روي سوف يتكرّر بأشكال شتى، وهو يروي عن نفسه كيف تم اغتياله في كل مرة، وهنا سوف تختلف شخصيات المنفّذين وطريقة تنفيذهم عمليات الاغتيال.
ومن الطريف أن روي يسخر من قاتليه مرارا، وهو ينتصر عليهم بسهولة تامة، بينما هم يظنون أنهم هم المنتصرون. فكلما تم تنفيذ عملية اغتيال، يكون فيها روي غارقا في النوم، يقفز من مكانه ويصارع من جاء المعتدي حتى ينتصر عليه بلا نهاية ولا نتيجة، وسوف يتم إرسال آخرين للقيام بالمهمة ذاتها.
التكرار المفضي إلى الرتابة كان سمة بارزة في أحداث الفيلم، لكن عنصر الحركة والكوميديا كانت كفيلة بإنعاش رغبة المشاهد في متابعة ما يجري من دون أدنى اكتراث بمن سوف يغلب من؟
وعلى سبيل المثال سوف يسقط روي من أعلى بناية على ظهر شاحنة فينجو، ولكن ماذا لو دار الزمن قليلا وتحرّكت الشاحنة إلى الأمام أو إلى الخلف وسقط روي وسط الطريق وداسته الشاحنة؟
سؤال كهذا سوف يحيلنا أصلا إلى القدرة الخارقة التي يمتلكها روي، لكن ما يبقى يؤرقه هو إصرار أولئك الذين يلاحقونه، إذ لن يكتفوا بالمحاولة الفردية بل سوف يلجأون إلى محاولة جماعية لاغتياله، وأيضا في سياق الحركة والكوميديا.
على أن التحوّلات في هذه الدراما سوف ترتبط باستمرار بحث روي عن الحقيقة ومن يقف وراء استهدافه، حتى يصل إلى زوجته السابقة التي ربما توفّر له بعض الإجابات عن الحقائق التي تؤرقه.
في زمن آخر وفي مكان آخر سوف تقع تحوّلات درامية موازية تحرّك أحداث الفيلم وتغيّر المسارات من خلال الوصول إلى جيما، طليقة روي (الممثلة نعومي واتس) والتي من خلالها سوف نكتشف شخصية الرئيس (الممثل ميل غبسون) وهو الذي تعمل جيما في إطار فريقه.
لعل هذا الانتقال بكل ما فيه من شبهات وشكوك بين روي وبين جيما ورئيسها سوف تصعّد الدراما وتحيلنا إلى نظرية المؤامرة، وما يكتنف شخصية الرئيس من غموض، والطريقة التي سوف يقنع بها جيما باتجاه تحييدها من التعاطف مع ما يعانيه روي، وبمعنى آخر تركه لمصيره وقدره.
يوظّف المخرج خلال ذلك انتقالات مكانية تكون متزامنة مع عمليات الاغتيال التي يتعرّض لها روي في كل مرة، والحاصل أن المخرج أراد تقديم شكل جديد من الدراما بمزجها مع الكوميديا والقطع السريع للتغطية على ضعف خطوط السرد الدرامي.
على أن نظرية المؤامرة سوف تتّسع وتتشعّب، بينما يتم التوقّف مونتاجيا في كل مرة عند تاريخ ومكان الاغتيال، والحاصل أن حياة الإنسان لا تنتهي بمجرد إطلاق الرصاص عليه أو تفجيره، ربما هذا ما أراد روي الإصرار عليه بقوة وإلّا فلا يمكن منطقيا تكرار عمليات الاغتيال بكل تلك الغزارة والتكرار، بينما يستقبلها روي باسما.
وأما على صعيد الكوميديا والحركة، فبالإضافة إلى مشاهد الاغتيال هناك اللقاء الطريف في الحانة الذي سيجمع شخصيات إضافية منهم آسيويون وأفريقي المتخصّص في تقنيات التعقّب والحماية، وهو ما سوف يدفعه إلى الشك بأن السر وراء الوصول إلى روي في كل مرة، هو معرفة مكانه ومعنى ذلك تعقّبه، وهو ما سيكتشفه روي بالتعاون مع ديف (الممثل شيوان مكيني) الذي سيساعده في استئصال أسنانه تباعا وصولا إلى السن التي تمّ زرع خلية التعقّب فيها.
ربما تكون هذه الحبكة الثانوية كافية للكشف عن الحقيقة، لكنها لن توقف الاندفاع والتصعيد في الدراما وصولا إلى مواجهة روي لخصومه مع وجود من ساعدوه لكي يخرج من الدوامة الزمنية التي أبقته يدور في فلكها بلا نهاية، محاولا العثور على إجابات تتعلّق بحياته ومماته، ولكن من دون جدوى فالدائرة تبقى تدور وهو في عمقها.