"ثورة جديدة" تطل برأسها في تونس تهدد بجرف الطبقة السياسية المهيمنة

ارتفاع منسوب الغضب في تونس والانفلات الأمني بات على مرمى حجر.
الأحد 2020/11/29
انفجار شعبي في وجه السلطة

تونس - أطلقت بعض الشخصيات السياسية والأمنية التونسية على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الأخيرين، تحذيرات من خطورة ما قد يؤول إليه الوضع في تونس في ظل تصاعد التوترات الاجتماعية في مختلف المحافظات والجهات والتي تنذر بتفكك الدولة وإمكانية تفجر ثورة جديدة قد تجرف الطبقة السياسية الحالية برمتها.

وكتب غازي الجريبي وزير الدفاع التونسي السابق على صفحته بموقع فيسبوك "الوضع ينذر بالخطر، والانفلات الكلي على مرمى حجر، والسلطة في مهب الرياح، فهل انتخبنا قادة أم أشباحا".

وأثارت تدوينة الجريبي مخاوف نشطاء الشبكات الافتراضية خاصة في ظل اتساع رقعة الاحتجاجات التي شملت أكثر من منطقة في البلاد، بعضها اتخذت نموذج "اعتصام الكامور" مثالا وأخرى اعتمدت على سياسة المراحل الاحتجاج أولا فالتصعيد والدخول في إضراب عام شامل، أمام تواصل سياسة اللا مبالاة واتخاذ قرارات من قبل الحكومة جوبهت بالرفض.

ومن أبرز أوجه الأزمة الاجتماعية تواصل اعتصام أهالي محافظة قابس (جنوب البلاد) أمام محطة إنتاج الغاز المنزلي مما تسبب في شلل تام للمجمع الكيميائي التونسي وتوقف التزود بقوارير الغاز في أغلب المحافظات التونسية، واقتحام أهالي محافظة قفصة (جنوب) لمقرات إدارية، وإغلاق محطة إنتاج النفط بمحافظة القصرين (غرب تونس)، وتعطل إنتاج البترول بحقل "قبيبة" بمنطقة طينة من محافظة صفاقس (جنوب شرقي)، بسبب اعتصام عدد من المحتجين على خلفية مطالبتهم بالتشغيل.

وتعاني السلطة التونسية بأقطابها الثلاثة من أزمة اتصالية تزيد من حالة الغليان الشعبي، مما ينذر بأن تتحول الاحتجاجات التي اتخذت لها أبعادا جهوية ومناطقية إلى تهديد لوجود الدولة نفسها.  

من جهته كتب مستشار الأمن القومي التونسي السابق الأميرال كمال العكروت على صفحته بموقع فيسبوك "الوضع أخطر مما يتصوره البعض خاصة من هم ممسكون بزمام الأمور"، مرجعا ذلك إلى "غياب التجربة والمعرفة وسياسة الاكتفاء بذواتهم وعدم تشريك الآخرين أو الاستماع إلى الخبرات والأشخاص ذوي التجربة".

وعاب العكروت على الحكومات المتعاقبة إثقال كاهل البلاد بالقروض أو "تغطية فشلها في حماية التوازنات المالية بقوانين تكميلية والبقاء في السلطة بمعزل عن مشاغل الناس إلى جانب التسويات السياسية بالتهديد أو الترغيب".

وأكد العكروت أن "الدعوة إلى التجميع ليست دعوة إلى حوار وطني في استنساخ للتجربة السابقة لأن الظرف غير الظرف"، معتبرا أنه ما زالت أمام البلاد بعض الفرص رغم صعوبة الوضع، مشددا على أن "المطلوب الكثير من التعقل والوطنية العالية والخالصة لإنقاذ البلاد وبالتالي يجب تشريك كل كفاءات البلاد من الداخل والخارج من دون استثناء أو إقصاء".

واعتبر خليفة الشيباني الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية في تصريح لقناة الحوار الخاصة أن جميع المؤشرات تحيل على أن تونس مقبلة على ثورة جديدة وصفها بثورة الجياع.

وحمّل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الأحزاب السياسية وخصوصا حركة النهضة الإسلامية السبب المباشر في تردي الحياة السياسية والاجتماعية حتى أن الاتحاد العام التونسي للشغل اتهمها بشكل مبطن بإثارة النعرات بين الجهات وتأزيم الوضع العام بالبلاد.

وقال نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل السبت إنّ "المنظمة الشغيلة مع الاحتجاجات والضغط الإيجابي لكن لن تقبل بتعطيل مرافق الإنتاج".

ودعا الطبوبي إلى الابتعاد عن خطاب الحقد والكراهية والبغضاء والنعرات الجهوية، مشيرا إلى أن "التنسيقيات وما يسمى باللجان الشعبية مخطّط لها وخطاباتها توحي بأنّ وراءها أطرافا سياسية"، مؤكدا في ذات الوقت أن "اتحاد الشغل لن يبقى متفرجا".

ورغم تواتر المبادرات الرامية إلى فتح حوار وطني يطفئ فتيل التجاذبات، من خلال إيجاد مقاربة تشاركية للخروج بتونس من الأزمة التي تعيشها خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن هذه الدعوات اعتبرها البعض من السياسيين والمجتمع المدني أنها لا تخدم سوى مصالح بعض الأحزاب السياسية بغية إنقاذ النظام الحالي.

ويرى مراقبون أن هناك مجموعة من العوامل المتداخلة التي تمهد لتفجر الوضع في تونس منها الطبقة السياسية التي تسيدت المشهد طيلة السنوات الماضية ويعتبرونها أنها المتسبب الرئيسي في ما يحصل نتيجة سياساتها وخياراتها، ومنها النظام السياسي القائم على المحاصصة والتوافقات والذي شرعن الفساد ووسع دائرته مما أدى إلى عدم الاستقرار الحكومي.

ويقوم النظام السياسي في تونس، الذي حدده دستور 2014، على منح صلاحيات واسعة للبرلمان المناطة به مهام تزكية الحكومة وتمرير مشاريع القوانين، بينما تقتصر مهام رئيس الجمهورية على ملفات الأمن القومي والعلاقات الخارجية.

وينتقد معارضو النظام السياسي الحالي النظام الانتخابي الذي ساهم في حدوث تشتت داخل البرلمان التونسي، وهو ما جعل مختصين في القانون الدستوري يرجحون أن الحل لهذه المعضلة يكمن في الدفع نحو تنقيح القانون الانتخابي.