إثيوبيون في مخيم أم راكوبة بالسودان: تركنا جثث عائلاتنا على الطريق

مخيم أم راكوبة (السودان) - يروي لاجئون في مخيم أم راكوبة بالسودان قصصهم المأساوية المفعمة بالرعب من مشاهد الموت والعنف التي تركوها خلفهم لحظة هجرهم منازلهم فرارا من أتون الحرب.
وعلى الرغم من فرارهم وتمكنهم من تجنب القتل، إلا أن الشعور بالذنب ظل يطاردهم ويقلق راحتهم تجاه من تركوا خلفهم في تيغراي من أحباء لا يدرون ما هي مصائرهم.
تجلس جانيت غازيردير على الأرض في المخيم، وحيدة، بعدما دمرت الحرب في تيغراي منزلها وعائلتها في قرية حميرة. وتقول المرأة البالغة من العمر 75 عاما، وقد ارتدت ثوبا أزرق ووشاحا أبيض، "كنت أعيش مع بناتي الثلاث وعندما بدأت القذائف تمطر على منزلنا، أصابهن الذعر وهربن في الظلام ولم أجدهن".
وأضافت غازيردير بعد أن قررت اللحاق بركب اللاجئين "التقيت ببعض الأصدقاء الفارين وتبعتهم".
وعلى طريق الهرب مع اللاجئين، رأت المرأة العجوز، بحسب ما تقول، "جثثًا ممزقة على الأرض جراء انفجار القذائف، وأخرى ممزقة بالسكاكين".
حاولت غازيردير أن تخبر من معها من اللاجئين بقصتها، لكن لا أحد يهتم فجميعهم يعيشون مصائبهم. وتتساءل "لدي ابنة أخرى تعيش في الخرطوم ولكن لا أعرف عنوانها .. كيف يمكنني أن أجدها في هذه المدينة الكبيرة؟".
بدأت الاضطرابات الأخيرة في تيغراي عندما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الحائز جائزة نوبل للسلام العام الماضي، أنه أمر بعمليات عسكرية في المنطقة رداً على هجوم يقول إنه استهدف قاعدة للجيش الفدرالي.
وفي الرابع من نوفمبر، أرسل أبي الذي أصبح في 2018 أول رئيس وزراء في البلاد ينتمي إلى إثنية أورومو الأكبر في إثيوبيا، الجيش الفدرالي لمهاجمة تيغراي.
وجاء تحركه بعد أشهر من التوترات المتزايدة مع جبهة تحرير شعب تيغراي، التي مثّلت الحزب الحاكم في البلاد في عهد رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي، لكنها الآن تحكم فقط إقليمها.
ويروي جيردو برهان (24 عاماً) مشاهد ترويع وقتل الشباب في تيغراي على يد الجنود الاثيوبيين ويقول "الويل لمن يقع في أيديهم يضربونك أحيانا حتى الموت".
ويضيف برهان "يصوبون إليك السلاح ويسألونك إذا كنت تنتمي إلى جيش تيغراي، عند أي تردد أنت ميت .. يُردونك قتيلا ويتركون الجثة في الشارع".
"رعب"، بهذه الكلمة يصف برهان ما رآه بعدما تمكن من الفرار وقد فقد والديه وشقيقتيه في الطريق. ويؤكد "أنا لا أعرف حتى إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة".
ولمواجهة تدفق اللاجئين، قررت السلطات السودانية إعادة بناء مخيم أم راكوبة في شرق البلاد، على بعد ثمانين كيلومترًا من الحدود مع إثيوبيا.
أُغلق مخيم أم راكوبة قبل 20 عامًا، وكان بمثابة ملجأ للعديد من الإثيوبيين الفارين من مجاعة الثمانينات.
واليوم، يقوم العمال السودانيون بإعادة تجهيزه لأنه من المفترض أن يستوعب في النهاية 25 ألف لاجئ، أي نحو عشرة أضعاف ما يؤويه في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من فرار بعض الإثيوبيين وتمكنهم من تجنب القتل، إلا أن الشعور بالذنب يظل يطاردهم ويقلق راحتهم تجاه من تركوا خلفهم في تيغراي من أحباء لا يدرون ما هي مصائرهم.
فقد عيسى غيدي زوجته وابنه البالغ من العمر أربع سنوات أثناء هروبه من الجنود، ولا يستطيع أن يغفر ذلك لنفسه ويقول "حتى إذا كانوا على قيد الحياة، أنا لا أعرف مكان تواجدهما. هربت لأن الجيش في ميكادرا كان يذبح الشباب مثل الأغنام".
أتى غيدي من مدينة ميكادرا الإثيوبية، التي قد تكون شهدت مجزرة، بحسب منظمة العفو الدولية، التي قالت الأسبوع الماضي إن "العشرات، وربما المئات، تعرضوا للطعن أو التمزيق حتى الموت".
حذرت الأمم المتحدة الجمعة من احتمال حصول جرائم حرب في منطقة تيغراي بشمال إثيوبيا بعد عشرة أيام على معارك قال رئيس الوزراء إن خصومه سيخسرونها لا محالة.
وكان تاكلي برهانو البالغ من العمر 32 عامًا على شفا الموت في ميكادرا، بعدما تعرض للضرب لساعات طويلة وقرر الجنود إعدامه ولكن أحدهم رأى غير ذلك.
ويقول برهانو "اقترب جندي من قائده وقال له 'لا يمكنك فعل ذلك، لقد كان أستاذي' .. لقد أنقذ حياتي".