هيبة الأردن ضائعة بين فارضي الإتاوات وحاملي الكلاشنيكوف

ما تزال مظاهر العنف والفوضى التي صاحبت إعلان نتائج الانتخابات النيابية تلقي بظلالها على الساحة الأردنية، وسط توعد المسؤولين بمحاسبة المتورطين، ويرى مراقبون أن ما حصل كشف حالة غير مسبوقة من الانفلات فضلا عن أنه عرى ظاهرة خطيرة وهي انتشار السلاح بأيدي المواطنين والتي باتت تشكل تحديا كبيرا للدولة وأجهزتها.
عمان – لم تكد الأجهزة الأمنية في الأردن تطوي فضيحة فارضي الإتاوات التي رفع عنها الغطاء “فتى الزرقاء”، لتطل فضيحة أخرى هزت أركان الدولة ومن أعلى هرم بها، وهي أحداث الشغب والفوضى التي حصلت على إثر الانتخابات النيابية، وكمّ الأسلحة التي ظهرت خلالها وبينها أسلحة متطورة، أثارت صدمة إطارات أمنية عليا في الدولة.
وتتالت تصريحات قيادات كبرى في الأمن والجيش على مدى اليومين الماضيين متوعدة بالضرب بيد من حديد على يد كل المشاركين في الأحداث الأخيرة، وخارقي قانون الدفاع المفعّل منذ مارس الماضي في إطار مواجهة جائحة فايروس كورونا.
ويقول مراقبون إن ما حدث عقب الانتخابات التي جرت الثلاثاء الماضي شكّل إحراجا كبيرا للدولة أمام مواطنيها وأيضا الخارج، مع تضرر الصورة التي حرصت المملكة على ترسيخها على مدى عقود وهي قدرتها على فرض الأمن، والحيلولة دون أي مظاهر انفلات.
ويشير المراقبون إلى أن هناك خشية من تداعيات الهزات التي عايشتها المملكة خلال الأسابيع الأخيرة بدءا بفضيحة فارضي الإتاوات الذين شكلوا سلطة موازية داخل الدولة ويحظى بعضهم بدعم من مسؤولين كبار (نواب، وأمنيون) وصولا إلى ما حصل مؤخرا والذين يتحمل بعض المرشحين لمجلس النواب المسؤولية عنه، على هيبة الدولة “المجروحة”.
وتشن الأجهزة الأمنية الأردنية منذ الخميس حملة واسعة في عدد من المحافظات لجمع الأسلحة والذخائر التي استخدمت بالآلاف عقب الإعلان عن نتائج الاستحقاق لاسيما من طرف بعض الفائزين وأنصارهم. وقد جرى اعتقال وتوقيف العشرات من مطلقي الرصاص ومصادرة العديد من الأسلحة وحسب مديرية الأمن العام فقد صودرت 69 قطعة سلاح في محافظات بينها معان والمفرق وعمان.
وترأس وزير الداخلية بالنيابة بسام التلهوني الجمعة اجتماعا عن بعد مع المحافظين، شدّد خلاله على أن سيادة القانون ستطبق على الجميع دون استثناء، مشيرا إلى أنه سيتم إنفاذ أحكامه على الجميع دون محاباة أو تمييز، وأن لا استثناء لأحد تجاوز القانون أو حاول تعكير صفو العملية الديمقراطية بكافة مراحلها.
وأوعز التلهوني إلى الحكام الإداريين بتفعيل الخطط الأمنية الموضوعة لهذه الغاية بالتعاون والتنسيق مع المجالس الأمنية في المحافظات وتكثيف الاجتماعات وقال “إن دور المحافظين والمجالس الأمنية في المحافظات يجب أن يتضمن عدة محاور أبرزها تقييم الواقع ومتابعة قضايا الشأن العام وتشخيص التحديات ومن ثم وضع التوصيات والخطط المستقبلية”.
وكان التلهوني الذي يشرف على حقيبة العدل قد تولى وزارة الداخلية بالنيابة الخميس خلفا لتوفيق الحلالمة الذي جرت إقالته بعد شهر فقط من توليه المنصب على إثر اتهامات له بالتقصير في إعلام الحكام الإداريين بالتحرك ضد أحداث الشغب والتعديات الأخيرة التي جرت في بعض المحافظات نتيجة رفض مرشحين قبول الخسارة، وأيضا ضد التجمعات التي أقيمت احتفاء بفوز آخرين واستخدمت خلالها أسلحة بينها أوتوماتيكية، لا يعرف بعد كيف وصلت إلى هؤلاء.
ويشكل استخدام الأسلحة في الاحتفالات والمناسبات من العادات والموروثات القديمة في المملكة، ولطالما كان السلاح أداة عز وافتخار بين الأردنيين، وحمله يدل على القوة والنفوذ والوجاهة، بيد أنه في السنوات الأخيرة ومع التغيرات المجتمعية الطارئة، باتت ظاهرة حمل السلاح مثار جدل كبير لاسيما مع تسجيل حالات انفلات واستخدام للسلاح في غير أطره كالاستعراضات العشائرية.
ويقول مراقبون إن الأخطر من ذلك هو انتشار أسلحة متطورة مثل الكلاشينكوف التي جرى تسريبها للمملكة من الجانب السوري، وتمت المتاجرة بها، لافتين إلى وجود الآلاف من القطع من هذه النوعية الباهظة الثمن، في المحافظات التي تشكو نسب فقر مرتفعة، والتي قد يجري استخدامها بما يشكل خطرا على أمن الدولة مستقبلا.
وكان مدير الأمن العام اللواء الركن حسين الحواتمة قد أعرب عن ذهوله من انتشار هذا النوع من الأسلحة وقال “إن توفر الذخائر ووجود الأسلحة الأوتوماتيكية عند الأردنيين ظاهرة خطيرة”، متسائلا “كيف وصلت لهم.. واستخدمت الآلاف منها؟”.
وعقب تصريحه ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات لم تخل من تهكم وسخرية، متسائلين “أين كانت الدولة حينما تم إدخال مثل هذه الكميات إلى أراضي المملكة والمتاجرة بها؟”.
ويرى المراقبون أنه مع انطلاق عمل مجلس النواب الجديد فإن الأولوية ستكون إجراء تعديل على قانون حيازة الأسلحة الحالي الصادر منذ عام 1951، لاسيما وأن هناك مسودة مشروع في هذا الإطار كان جرى البدء في مناقشتها من قبل اللجنة القانونية للمجلس المنتهية ولايته.
وتفرض المسودة قيودا غير مسبوقة على مشروعية اقتناء وحمل الأسلحة، من قبيل حظر حمل السلاح على الوزراء وأعضاء مجلس الأمة (البرلمان بشقيه)، على عكس القانون الحالي.
كما تحظر على أي شخص التعامل ببنادق الصيد الأوتوماتيكية العاملة بوساطة مخزن ذخيرة ثابت أو متحرك يتسع لأكثر من طلقة. وتتوسع المسودة في العقوبات المقترحة لكل من يخالف أحكام القانون، وتمنح وزير الداخلية صلاحية إلغاء رخص وتصاريح حمل الأسلحة أو اقتنائها للأشخاص الطبيعيين، دون بيان السبب.
وتجيز المسودة اقتناء السلاح الأثري دون ترخيص، عندما يثبت بعد فحصه مخبريًا عدم إمكانية استخدامه. وتستثنى من الحظر القوات المسلحة والأمن العام وقوات الدرك والمخابرات العامة والدفاع المدني، وأي موظف أو مستخدم في الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية العامة والمؤسسات العامة والبلديات سُلمت إليه بندقية الصيد الأوتوماتيكية، بمقتضى وظيفته.
وكانت تلك المسودة قد لاقت تحفظات كبرى من قبل عدة جهات شعبية لاسيما العشائر. ويرى المراقبون أن تبني تلك المسودة باتت مسألة ملحة ويرجح أن تعمل الحكومة على السير في اتجاه إقرارها، لاسيما وأن استمرار الثغرات القانونية من شأنها أن تبقي على هذه الظاهرة.
ويحتل الأردن المرتبة الرابعة عربيا (بعد اليمن ولبنان والعراق) والـ32 عالميا، من حيث انتشار الأسلحة بين المواطنين، وفق دراسة صدرت قبل فترة عن “سمول أرميز سورفاي” وهي منظمة بحثية غير حكومية مختصة بشؤون التسليح، ومقرها جنيف.