ضعف المحتوى والإمكانيات سمة إعلام الأقليات في العراق

التوظيف السياسي المرتبط بالصراعات الحزبية والفئوية يلعب دورا كبيرا في صياغة الأخبار والتقارير وهو ما يذهب لصالح إشاعة بيئة غير مطمئنة بين الأقليات والأكثرية.
السبت 2020/11/14
قضايا لا يتم الغوص في أعماقها

تكرر وسائل إعلام الأقليات في العراق الأخطاء التي ترتكبها وسائل الإعلام الأخرى في التعامل مع قضايا المكونات العراقية كما تميل إلى التركيز على المظلومية وتخضع لعوامل سياسية وأخرى دينية وقومية، تنعكس سلبا على التعريف بأوضاع السكان من الأقليات من حيث طقوسهم ومشاكلهم وأزماتهم ومخاوفهم.

بغداد- يواجه إعلام الأقليات في العراق منافسة خاسرة أمام وسائل الإعلام الأخرى، إذ يبدو الوصف الأكثر تعبيرا له أنه متواضع المحتوى والإمكانيات والتأثير، ولم يستطع أن يكون صوت الأقليات التي ينطق باسمها، ولا ناقلا لقضاياها، حتى يستطيع لاحقا الوصول إلى مرحلة المنافسة.

ويعتبر العراق في طليعة الدول التي تضم العديد من المكونات والأقليات الإثنية والدينية والقومية، وتشمل المسيحيين والتركمان والشبك والأيزيديين والصابئة والكرد الفيليين والكاكائيين والشركس وغيرهم أيضا، ويبدو أن تمثيلهم في وسائل الإعلام العراقية ينطبق على توصيفهم “أقلية”، كما أن حضورهم خافت وهامشي والتركيز على القضايا العامة التي انتشرت في وسائل الإعلام العالمية.

وتغيب بعض الأقليات بنحو شبه تام، عن الإعلام العراقي كالكاكائيين والبهائيين والشبك واليهود إلا ما ندر، مع التركيز على الإيزيديين بعد تعرضهم لهجمات من قبل تنظيم داعش. ويشكل ضعف المكونات في الإعلام العراقي انعكاساً لما يعانونه من “تهميش” في الحياة السياسية وضعف دورهم في الحكومة والبرلمان.

الأقليات

ولم يركز الإعلام العراقي على مشاكل الأقليات ولم يطرح حلولا لما تعانيه، بل اكتفى بذكر بعض الأخبار عنها، نقلاً لتصريحات برلمانيين أو مسؤولين في الحكومة. واعتمدت غالبية المكونات والأقليات العراقية على منابر إعلامية وقنوات فضائية تبث من الولايات المتحدة ودول أوروبية  تتناول قضاياها في العراق والمهجر.

في المقابل، لم تستطع حتى وسائل الإعلام التابعة للمكونات والأقليات أن تخرج من هذه الدائرة الضيقة، إذ يميل المحتوى الإعلامي إلى التركيز على المظلومية التي تتعرض لها الأقليات، فيما تخضع لعوامل سياسية وأخرى دينية وقومية، تنعكس سلبا على التعريف بأوضاع سكان الأقليات في البلد من طقوسهم ومشاكلهم وأزماتهم ومخاوفهم.

واعتبر الكاتب العراقي مروان ياسين الدليمي أن “التوظيف السياسي المرتبط بالصراعات الحزبية والفئوية يلعب دورا كبيرا في صياغة الأخبار والتقارير، وهذا بالتالي يذهب لصالح إشاعة بيئة غير مطمئنة بين الأقليات والأكثرية، والكل قد وقعوا في هذا المستوى من الخطاب دون استثناء لأن معظم قنوات الإعلام الأقلياتي تابعة لجهات حزبية، وليس هناك قنوات مستقلة”.

وتتعدد وسائل إعلام الأقليات من صحف ومواقع إلكترونية وقنوات فضائية خاصة بالأقليات، إضافة إلى ساعات البث التي خصصتها القنوات الرسمية العراقية للأقليات، وهذا يلبي جانبا من حاجتهم، ولكنه لم يرتق إلى المستوى المهني بالشكل الذي يتناول القضايا العامة من غير أن يقع في شراك التوظيف السياسي.

ويبرز من هذه الوسائل، موقع قناة “عشتار” الذي ينقل أخبار المكون المسيحي عامة والكلدواشوريين بخاصة، تحت توبيب “أخبار شعبنا”، بالإضافة إلى نشر أخبار سياسية واقتصادية عراقية عامة.

وتُعنى قناة “عشتار” الثقافية المنوعة بشؤون العراق عموماً وشؤون الشعب الكلداني السرياني الأشوري بشكل خاص وتخاطب المشاهد بثلاث لغات السريانية والعربية والكردية، لكنها تكتفي الآن بالموقع الإلكتروني.

بدورها، تقدم شبكة “لالش” الإعلامية مواداً صحافية تهم المكون الإيزيدي، باللغتين العربية والكردية، وتبث من مدينة دهوك، شمالي العراق. وتخصص لأخبار الإيزيديين تبويب “أخبار إزيدية” بنحو بارز في الصفحة الرئيسة للموقع، في حين تنشر أخباراً سياسية واجتماعية وفنية أخرى تحت تبويب “أخبار عامة”. وتعيد الشبكة نشر المواد الصحافية التي تنتجها الوكالات والمواقع الأخرى لاسيما التي تخص المكون الإيزيدي.

وبالنسبة للمكون التركماني، تبث قناة “تركمن ايلي” محتوى خاصا به باللغات العربية، التركية والإنجليزية. وينشر موقعها الإلكتروني أخباراً عامة عن مدينة كركوك التي يسكنها عدد كبير من التركمان. ويعيد نشر مواد صحافية تتعلق بالمكون التركماني نقلاً عن مواقع أو وكالات أخرى. وينشر الموقع إعلانات وبيانات الجبهة التركمانية العراقية، أحد الأحزاب القومية التركمانية، في حين لا ينشر بيانات الأحزاب التركمانية الأخرى.

التوظيف السياسي يلعب دورا في صياغة الأخبار والتقارير الإعلامية
التوظيف السياسي يلعب دورا في صياغة الأخبار والتقارير الإعلامية

وغابت قضايا الأقليات في طبعات الصحف وصفحات المواقع الإلكترونية الإخبارية، واقتصرت على عرض معاناتهم من هجمات “داعش”، أو عرض مواقف الحكومية تجاه قضايا الأقليات.

وأشار الدليمي الذي كان يعمل في قناة “عشتار”، في تصريحات لـ”العرب” إلى أن “إعلام الأقليات لن يكون مستثنى عن أخطاء الإعلام الرسمي، ولا يملك استراتيجية واضحة في التعامل مع الموضوع، ويرتكب أخطاء عندما يعبر عن الأقليات وكأنه يريد أن يؤكد عزلتها عن الأكثرية أكثر من انفتاحه عليها”.

وتخفق وسائل إعلام الأقليات في منع حالة الانتقائية التي تتبعها وسائل الإعلام الكبيرة في تغطية قضايا المكونات، وغالبا ما يتم التركيز على الكوارث حصرا التي تقع على مواطني المكونات الصغيرة، ولا تؤكد نبرة الخطاب الإعلامي على هوية المواطنة، بل غائبة تماما إزاء تعويم خطاب الأقلية وبإطاره السياسي، ما يؤدي إلى تكريس الابتعاد والعزلة بين الأقليات والأكثرية .

وانعكست الصراعات السياسية المستحكمة بين أقطاب الأقليات نفسها من جانب، وبين القوى السياسية الكبيرة التي تسعى إلى تجيير قضايا الأقليات والمكونات الصغيرة لصالحها من جانب آخر، على التغطية الإعلامية لقضايا الأقليات.

وتعود محدودية تأثير وسائل إعلام الأقليات أيضا، لأسباب مرتبطة بضعف الخبرة ونقص التمويل، إذ تحتاج الفضائيات التلفزيونية لإمكانات مالية كبيرة لتأمين تزويد استوديوهاتها بتقنيات حديثة تستطيع من خلالها جذب الجمهور إضافة إلى طاقم إعلامي ومراسلين على درجة كافية من الخبرة للقيام بتغطية صحافية ملائمة لقضايا الأقليات واهتماماتهم، خصوصا أنها أخبارهم لا يمكن الحصول عليها وتداولها عبر وكالات الأنباء العالمية.

ومن أكثر التحديات صعوبة بالنسبة لإعلام الأقليات هو الحصول على تمويل، إذ كانت تعتمد غالبيتها على تمويل المنظمات والهيئات الدولية التي هي الأخرى قلصت ميزانيتها في السنوات الأخيرة بسبب الصعوبات المالية العالمية ونقص تمويل الدول الغربية لها.

ويقول إعلاميون عراقيون إن وسائل الإعلام عليها التحرر من إظهارهم كضحية، والتركيز على فكرة أن التنوع عامل قوة وغنى للبلاد، على نحو يتجاوز ترسيخ صورة سلبية عن حضور الأقليات بمختلف أنواعها في المجال العام.

لم تستطع حتى وسائل الإعلام التابعة للمكونات والأقليات أن تخرج من هذه الدائرة الضيقة، إذ يميل المحتوى الإعلامي إلى التركيز على المظلومية التي تتعرض لها الأقليات

وبات العديد من الصحافيين يعلمون كيف يتم تناول مواضيع الأقليات بعيداً عن التوجهات الدينية والطائفية، ويستطيعون تأدية عملهم بنحو أكثر مهنية وموضوعية، لو أتيحت لهم الفرصة المناسبة، أو توافرت لدى وسائل الإعلام التي يعملون فيها سياسة واضحة بشأن الأقليات.

وأوصى بيت الإعلام العراقي في تقرير صدر حديثا بعنوان “إعلام الأقليات.. معركة خاسرة أمام الحيتان الكبيرة” بضرورة زيادة وعي الإعلاميين العراقيين بقضايا الأقليات وشؤونهم، وأن تتولى الجهات المهنية ومنظمات المجتمع المدني مسؤوليتها بهذا الشأن، وتضمين المناهج الدراسية في كليات أو أقسام الإعلام بالجامعات العراقية، مفردات تعرف بقضايا الأقليات في إطار تنوع المجتمع وتاريخه وتراثه.

وحثّ وسائل الإعلام على تخصيص مساحة أكبر من اهتمامها لشؤون الأقليات، كمكون أصيل بالمجتمع العراقي، مع التركيز على دورهم في بناء البلد، وحقهم في الوجود أسوة بباقي أبناء الطيف العراقي، كشركاء في الوطن، من دون إغفال ما تعرضوا له من تهميش وإقصاء واضطهاد لاسيما على يد الإرهاب.

18