أرامكو أنموذج يحتذى أم عطار يعالج ما أفسده الدهر
يشهد للملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، أن عهده عهد متميز فإن كان الملك المؤسس قد وحد 80بالمئة من جزيرة العرب تحت علم واحد، فإن التاريخ سيسجل له أنه مهد الطريق لبلاده لتلج القرن الواحد والعشرين برؤية واضحة المعالم والأهداف، ومن أهم ما أراده هو أن يدرك الشعب أن الوطنية الحقيقية ليست متمثلة بالمطبلين للحكام بل تقاس بما يعطيه المواطن من إنجاز فعال ونقد بناء.
يمقت الملك التلكؤ والتباطؤ في إنجاز الأعمال، لذلك كلف شركة أرامكو أن تخطط وتنفذ وتشرف على بناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية عام 2009 وكلفها مؤخرا ببناء مدينة الملك عبدالله الرياضية في جدة والتي افتتحها في الأول من مايو الجاري، ومن ضمن جواهر هذه المدينة ملعب الجوهرة الذي يعتبر تحفة إبداعية معمارية وكان افتتاحه بمثابة بهجة أدخلت الفرحة على قلوب أهل جدة وباقي الشعب في المملكة.
أبهرت هذه المنجزات الكثير من الكتاب السعوديين الذين تمنوا أن تكلف أرامكو بتنفيذ كل المشاريع المعمارية في المملكة. حيث طالب الكاتب الصحفي خلف الحربي، في جريدة عكاظ بتاريخ 3 مايو 2014 في مقالة بعنوان «ورطة أرامكو في زفة العروس» أرامكو بإنجاز المنتزهات ومراكز الأبحاث والموانئ السياحية والمستشفيات. فهل الحل أن نسلم كل مشاريع المملكة إلى أرامكو أم أن نتخذ من أرامكو نموذجا يحتذى به؟
الاستنجاد بأرامكو في المهمات الصعبة سببه هو أن أغلب المشاريع إما متعثرة أو متعطلة لعدة سنوات، وضياع أموال مهدورة مخصصة لمشاريع لم تستغل، حيث ورد في بيانات وزارة المالية أن الفجوة التنموية بسبب هذه المشاريع العرجاء من 2005-2014 تقدر بـ 1.201 تريليون ريال سعودي. هذا عدا المشاريع المبالغ في قيمتها وعقود الباطن التي تشكل حوالي 90 بالمئة من مشاريع المملكة، مثل مشروع مجاري جدة سيئ السمعة، ومشروع تمديد شارع العروبة شرقا في الرياض وجامعة نورة وغيرها.
إن عائق التنمية لا يتوقف فقط على المشاريع المتعثرة بل أيضا على التنمية البشرية وخصوصا في ما يتعلق بالمرأة. فموضوع المرأة دائما يطرح على أنه مجرد تمكين وليس معوقا اقتصاديا تتكبد تكاليفه الدولة. فوفق تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لعام 2008 تصل نسبة البطالة بين النساء السعوديات إلى 79.9 بالمئة. رغم أن حجم إنفاق الدولة على التعليم للبنات والبنين في الفترة 1995-2012 وصل إلى 1.7 تريليون ريال سعودي إلا أن هذا الإنفاق لا يتناسب مع ارتفاع معدل البطالة بين النساء السعوديات. فعلى الصعيد العالمي، المملكة العربية السعودية لديها أعلى نسبة من النساء اللاتي يعتمدن اقتصاديا على الرجال.
أما تكلفة منع المرأة من قيادة السيارة خلال السنوات الماضية يُقدِّرها اقتصاديون بـ350 مليار دولار أميركي حسب جريدة الاقتصادية بتاريخ 27 أكتوبر 2013. وفي دراسة ميدانية أقيمت في إحدى القرى جنوب المملكة تبين أن 70 بالمئة من نساء القرية لم يكملن دراستهن بسبب المواصلات. أما اللاتي فاتهن قطار التعليم ويتطلعن إلى إقامة مشاريع تجارية صغيرة فإنهن لا يستطعن تحقيق ذلك بسبب مشكلة المواصلات.
السؤال الذي يستوجب علينا أن نضعه تحت المجهر لنجيب عليه بكل حكمة وشفافية، لماذا نجحت أرامكو في إتمام المشاريع وأخفق الباقون؟، ولماذا كل هذه المعوقات التي تعثر مساهمة المرأة مع الرجل في التنمية وتمنع قيادتها للسيارة إلى الآن لا نجدها داخل أرامكو ولا يستطيع كائن أن يتحرش بالمرأة أثناء القيادة أو يقف عثرة في سلمها الوظيفي حتى أصبح الموظف في الشركة لا يتحسس لو كان رئيسه امرأة مع العلم أن أغلب موظفي أرامكو من أبناء الوطن؟
تأسست أرامكو عام 1933 وكان اسمها كاليفورنيا العربية للزيت القياسي وتم تأميمها عام 1988 وصار اسمها أرامكو السعودية، رسميا شركة الزيت العربية السعودية ومقرها في الظهران. سبب نجاح أرامكو يرجع إلى نظام إداري وقانوني واضح وأن مهام الشركة وأهدافها واضحة ومنسوبيها ملتزمون به، فالمخالفة الإدارية والمالية جريمة لا تغتفر والرقابة محكمة لذا تنفذ مشاريعها وفقا للمواصفات التي التزمت بها الأطراف عند توقيع العقد.
لن أشير إلى مشاريع أرامكو النفطية بل سأركز على الخدمات التي قدمتها بجودة عالية مثل الصرف الصحي والصيانة وإدارة المرور وبناء المدارس وغيرها. وجدير بالذكر أن منجزات أرامكو لم تقتصر على خدماتها داخل الشركة أو على مشروعي جامعة الملك عبدالله والمدينة الرياضية بل ساهمت في التنمية في المملكة وقد بنت الكثير في المنطقة الشرقية وعلى طول خط التابلاين في القيصومة ورفحاء وعرعر وطريف وغيرها. أعطت أرامكو أكثر من ذلك فقد شجعت الكثير من عمالها وموظفيها بالعمل في القطاع الخاص ليشكلوا نواة في مجالات المقاولات لتنفيذ مشاريع الشركة وهذه المبادرة تعتبر بداية تأسيس الطبقة الوسطى في المملكة التي تعتبر المعول الأساس في تقدم حياة المجتمعات البشرية.
وللأسف أنه بالرغم من كل هذا نجد أن أرامكو كثيرا ما تتبع سياسة التكتم ولا تريد أن يطلع الإعلام على معلومات متعلقة بمنجزاتها خصوصا في ما يتعلق بوضع المرأة. إن السبب ليس رغبة في الابتعاد عن الأضواء بقدر ماهو تجنب أذية المحتسبين الذين يتصيدون أية فرصة لانتقادها وتعطيل مسيرتها وذلك باتهامها أنها كيان غربي.
أتعجب من هؤلاء المحتسبين الذين لم يسألوا أنفسهم يوما، عن أسباب نجاح أرامكو في تنفيذ المشاريع وإخفاق الباقين إما بسبب الفساد أو عدم الكفاءة. ليتهم يحاسبون أنفسهم عن الإخفاقات التي عاقت إنتاجية المرأة وعن الملايين الذي تكبدها الاقتصاد لاستقدام السائقين الأجانب ووضعهم شروطا تعجيزية أمام المرأة مثل اشتراط موافقة ولي الأمر في كل شيء، وأن يؤخذ في عين الاعتبار أن العالم يعمل ليل نهار ليتخلص من اعتماده على الطاقة البترولية التي نمتلكها، فالمال الذي يهدر اليوم ليس بالسهل تعويضه في المستقبل.
فبدلا من مواجهة هذه المعوقات صاروا يتغنون بالمنهج التركي لمجرد أن الرئيس يلبس قناع الإسلام، وفي نفس الوقت ينتقدون نموذجا ناجحا داخل المملكة مثل أرامكو. إن مديح أردوغان ليس حبا في الديمقراطية أو إعجابا بالإسلام الحقيقي بقدر ما هو متاجرة ببضاعتهم في السوق ليجدوا رواجا لها والعض عليها بالنواجذ. ولكن إلى متى ستتحمل المملكة تكاليف تجارتهم البائرة التي لم يعد لها رواج في هذا الزمن الصعب؟
متطلبات التنمية العمرانية والبشرية تحتم اتباع نموذج أرامكو وتطبيقه على كل مؤسسات الدولة، لأن التحديات التي تواجهها المملكة لن تكفي بالاستعانة بأرامكو بمشروع أو مشروعين بل هو نموذج ضروري للدفع بعجلة التنمية والتطور. هذا من خلال بناء خط تواصل بين أرامكو ووزارات الدولة للتعرف على نموذجها بالعمل لتستفيد مؤسسات الدولة من خبرتها.
أما الذي يمانع ذلك فنقول له قم لنا بدراسة علمية توفر للدولة هذا المال المهدور الذي لن يعوض بالغناء على أطلال خلافة عثمانية عفى عنها الزمن.
أكاديمية وإعلامية سعودية