مخاوف في تونس من أجندات خفية خلف دعوات تتدثر بشعار "العدالة الاجتماعية"

تونس - أثارت تصريحات راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي وحركة النهضة، بخصوص طريقة توزيع الثروات على الجهات، وأولوية كل جهة في التمتع بالحصة الأسد من ثرواتها الباطنية انتقادات واسعة.
واعتبر سياسيون ونشطاء تونسيون أن هذه الدعوات التي تتدثر بشعار "العدالة الاجتماعية" لها انعكاسات خطيرة ليس فقط على مستوى مالية الدولة التي تشهد منذ نحو عشر سنوات حالة من الاستنزاف، بل وأيضا على وحدة البلاد.
وقال الغنوشي في حوار على التلفزيون التونسي (القناة الوطنية)، الأحد، إنه "من غير المعقول أن تكون الجهة التي تنتج أكبر ثروة في البلاد هي نفسها التي تشهد أكبر نسبة بطالة"، مضيفا أنه "من المفترض أن تكون منطقة الفسفات (محافظة قفصة جنوب) الأكثر ازدهارا". داعيا "إلى ضرورة تخصيص صندوق تنموي لهذه المناطق من أجل تشجيع الاستثمار فيها".
وشدد الغنوشي على أن كل منطقة أولى بالاستفادة من مواردها وثرواتها وما يزيد عنها يذهب لغيرها، داعيا في ذات الوقت إلى إصدار قانون لتوزيع الأراضي الاشتراكية والدولية المهملة على التونسيين وخاصة على أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل.
وتعليقا على حل أزمة الكامور وإعادة فتح محطة ضخ البترول والغاز بالصحراء، أكد الغنوشي أن ضعف الدولة يكمن في غلق أهم مواردها، مشيرا إلى أن الدولة ربحت من هذا الاتفاق وكذلك معتصمو الكامور.
واعتبر النائب البرلماني مبروك كرشيد تصريحات الغنوشي خطيرة وتهدد المالية العمومية مؤكدا أن من بين مبادئ المالية العمومية وشروطها أن تكون موحدة ولا تتجزأ بمعنى أن اقتطاع جزء من المالية العمومية لمنحه لمنطقة الأخرى يعد مخالفا للقانون.
وأضاف كرشيد بأن "التهديد والخطر الحقيقي في التصريح، لا يمس المالية العمومية فحسب بل يطال أيضا وحدة الدولة على اعتبار أن الثروات ملك للشعب التونسي، ويقتضي التفكير في ما هو أشمل من خلال مراجعة منوال التنمية بعيدا عن مخاطبة بسطاء العقول".
وأكد البرلماني التونسي أن "حديث الغنوشي عن توزيع الأراضي المهملة على المواطنين، تدعو إلى التفطن إلى المخاطر القبلية التي من الممكن أن تدخل البلاد في دوامة خطيرة".
واستنكرت كتلة الدستوري الحر في البرلمان التونسي، تصريحات الغنوشي، التي قال فيها في تعليقه على اتفاق الكامور "ما تخرج الصدقة إلمّا يتززاو (يكتفي) أماليها (أهلها)"، إثر حواره.
وأكدت الكتلة في بلاغ لها، الثلاثاء، أنها تتبرأ من تصريحات الغنوشي، التي وصفتها "بالخطيرة وتثير النعرات الجهوية وتهدف إلى تفكيك الوحدة الوطنية"، محمّلة إياه المسؤولية القانونية والسياسية عن تبعات تصريحاته من نشر للفوضى وتوسع لدائرة الاحتقان الاجتماعي في عدة جهات من البلاد.
كما دعته إلى سحب هذا التصريح فورا والاعتذار عنه، إضافة إلى الالتزام بثوابت الدولة الموحدة، وفق نص البلاغ.
ولم تتوقف ردود الفعل المستنكرة لتصريحات الغنوشي عند السياسيين لتتعداها إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث اعتبر بعض النشطاء أن نيران "العروشية" (القبلية) التي أخمدها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أيقظها الغنوشي بدعواته الصريحة للتمرّد على الدولة الوطنية.
وأكد هؤلاء أن أزمة الكامور (جنوب تونس) التي أذعنت فيها الحكومة التونسية إلى مطالب المحتجين بتوقيع اتفاق معهم رغم تضخم العجز الاقتصادي بالغ الخطورة قد يدفع الكثير من المناطق التي تحتوي في باطنها أو على سطحها على ثروة إلى الدخول في صراع عنيف مع الدولة لانتزاع ما تعتبره حقوقها.
واتهم الاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية) في وقت سابق، حركة النهضة بالوقوف وراء التصعيد في الجنوب التونسي وإغلاق عدد من المحتجين محطة ضخ البترول في محافظة تطاوين.
وطالب سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد في تدوينة عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك" العمال والنقابيين بضرورة العودة إلى العمل في محاولة لتفويت الفرصة على النهضة التي تمارس ضغوطا على السلطة.
وألمح جوهر بن مبارك المستشار السابق لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بتورط حركة النهضة وحلفائها في توتير الأجواء في محافظة تطاوين حيث أفاد في تصريح لإذاعة "شمس اف ام" الخاصة أنه توجد قوى سياسية وقوى فساد مالي تتدخل الآن في الكامور وتطاوين.
وأضاف "هذه القوى تصعد الأوضاع ولا تريد التوصل إلى حلول للأزمة مشددا انها تتمعش من الاحتجاجات عبر تصعيد الأزمات".
وتأتي مساندة النهضة للمعتصمين في الكامور، حسب مراقبين، في إطار المناورات التي دأبت الحركة على إتباعها كلما ضاق هامش المناورة حولها، فهي تنسب إلى نفسها كل "الانجازات" أو "الإشكاليات المطلبية التي تتم حلحلتها"، في حين تصدر الأزمات إلى السلطة التنفيذية برمتها.