مصر تسارع لحل قضايا حقوقية شائكة استباقا لإدارة أميركية جديدة

القاهرة – تحاول الحكومة المصرية احتواء تجدد الضغوط الدولية عليها في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وسارعت إلى سد واحدة من الثغرات المثيرة للجدل، والتي تتعلق بمئات من المعتقلين في قضايا رأي وحريات.
وهناك خشية لدى الأوساط الرسمية في مصر من صعود الديمقراطيين في الولايات المتحدة إلى السلطة، والذي يكاد يكون شبه محسوم. وسبق أن واجهت القاهرة تعقيدات عدة مع إدارة باراك أوباما التي تأرجحت في عهدها العلاقات المصرية الأميركية بين الفتور والتوتر، على خلفية السجل الحقوقي لمصر.
ويرجح بفوز الديمقراطي جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة أن تواجه القاهرة ذات التعقيدات، التي كانت تخلصت منها خلال ولاية الجمهوري دونالد ترامب، الذي كان ملف حقوق الإنسان يتذيل قائمة اهتماماته.
وقضت محكمة الجنايات، الثلاثاء، بالإفراج عن 461 متهما من المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا عديدة، منها اختراق قانون التظاهر، وبث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام فيسبوك، والترويج لأغراض جماعة إرهابية، بينهم سياسيون وحقوقيون وصحافيون.
وجاءت الخطوة في وقت توالت فيه قرارات العفو الرئاسي، وأخرى صادرة من النائب العام، بشأن عدد من المتهمين في قضايا سياسية مختلفة، ما يشي بأن هناك محاولات جادة لتحجيم الانتقادات الخارجية في أوضاع السجون.
وقال رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية (حقوقي) سعيد عبدالحافظ، لـ”العرب”، إن قرارات الإفراج تمثل “تصفية نهائية لملف المحبوسين احتياطيا في مصر، وأن هناك أعدادا قليلة تقدر بالعشرات، ستنظر محاكم الجنايات في أمرهم بأربع محافظات مختلفة الأيام المقبلة، تمهيدا للإفراج عنهم، وبعدها ستغلق القاهرة هذا الملف بصورة نهائية”.
ولم تتقدم نيابة أمن الدولة العليا، وهي الجهة المختصة بالطعن على قرارات محكمة الجنايات، بأي طعون خلال الفترة المحددة، بالتالي فإن الأحكام الصادرة أضحت باتة وملزمة التنفيذ.
وتزايدت وتيرة المطالبات الدولية بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا، وأرسل 222 نائبا برلمانيا أوروبيا، قبل أيام، رسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي طالبوا فيها بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا والمحتجزين على ذمة قضايا سياسية، ولها علاقة بحرية الرأي والتعبير، وتكرر الأمر مع أعضاء في الكونغرس الأميركي المنتهية ولايته.
وتسعى الحكومة المصرية عبر تعاملها مع ملف المحبوسين احتياطيا إلى وضع حد بشأن نشر الأرقام المغلوطة بحق المحتجزين على ذمة قضايا مختلفة من دون محاكمات، وهو أمر تستغله منظمات حقوقية عدة لتوجيه انتقادات للحكومة.
ولا توجد أرقام رسمية حتى الآن، فيما تتراوح الأرقام التي نشرتها بعض المنظمات بين 50 و60 ألف معتقل. ودرج الرئيس السيسي، على اتخاذ قرارات بالعفو الرئاسي عن مئات المحتجزين بالتزامن مع نزول المواطنين إلى صناديق الاقتراع، كما هو حاصل الآن مع إجراء انتخابات مجلس النواب، التي تنطلق جولتها الثانية يومي 7 و8 نوفمبر.
وفي أعقاب الاستفتاء على التعديلات الدستورية العام الماضي أصدر السيسي عفوا عن 650 سجينا، بينهم من اتهموا في قضايا تظاهر، وشملت القائمة عددا من الشباب المتهمين في قضايا الانتماء إلى جماعة محظورة (الإخوان).
وأكد عبدالحافظ، أن غالبية المفرج عنهم أخيرا جرى اعتقالهم في المظاهرات التي دعا إليها المقاول الهارب في إسبانيا محمد علي، وعددهم 700 متظاهر، وتم الإفراج عن غالبيتهم في قرارات سابقة قبل الأحكام الأخيرة، فضلا عن 200 آخرين في دعوات تظاهر خلال سبتمبر الماضي، وجرى أيضا الإفراج عن بعضهم.
وأوضح، لـ”العرب”، أن خطوات الحكومة في التعامل مع ملف المحتجزين تشير إلى أن هناك قرارات أخرى تسير في إطار التعامل بمنظور مغاير مع قضايا المحبوسين، وسيفرج على كل من لم يكن حاصلا على أحكام جنائية سابقة أو حمل السلاح في وجه الدولة أو كان لديه تنسيق مع تنظيمات إرهابية.
وأظهرت تقارير حكومية أن أكثر من 15 ألف سجين جرى الإفراج عنهم في الفترة بين مارس وأكتوبر الماضيين، على 9 دفعات متتالية، آخرها في احتفالات أكتوبر، حيث أصدر السيسي في حينه قرارا بالإفراج عن 2081 متظاهرا.
وحذرت بعض الأجهزة الأمنية من خطورة استمرار الاحتجاز السياسي فترات طويلة، وطالبت بالفصل بين العناصر الجنائية والإرهابية، ما يضمن عدم استغلال السجون في استقطاب العناصر المتطرفة.
وأوضح المحلل جمال أسعد، لـ”العرب”، أن السلطات المصرية تذهب باتجاه التعامل الإيجابي مع الجوانب السياسية في مسألة المحبوسين على ذمة قضايا لها علاقة بحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان.
ولفت إلى أن ذلك سوف ينعكس على أن يكون قانون الطوارئ هو حائط الصد الأول في التعامل مع العمليات الإرهابية، على أن يطلق سراح الشباب ممن لم تثبت إدانتهم، لمنع حدوث ضغوط سياسية من زاوية حقوق الإنسان.
ويمثل الحبس الاحتياطي مشكلة حقيقية للحكومة والقضاء في مصر، لأنه محدد بمدد زمنية واضحة، وتعد قرارات الإفراج من حالات التعديل والإصلاح التي تسير فيها الحكومة ببطء، بما يؤدي إلى سد فجوات تستغل ضدها من تنظيم الإخوان، ومنظمات حقوقية دولية.
وأحاط القضاء الكثير من الإفراجات الأخيرة بتدابير احترازية شديدة الصرامة، وهي إجراءات تُخضِع المفرج عنهم لمتابعة من الشرطة تحدد المحكمة مدتها.