التراث الثقافي لمراكش يبدأ من أسواقها

مراكش – صدر حديثا عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال بمراكش، كتاب جديد يحمل عنوان “الأسواق العتيقة بمراكش.. الذاكرة والمستقبل”، لمؤلفه إبراهيم صفاء الفيلالي.
ويستحضر هذا الكتاب، الذي يقع في 275 صفحة من الحجم المتوسط، ذاكرة أسواق مدينة مراكش العتيقة، وهي تشمل شريحة اجتماعية من فئة التجار على اختلاف أصنافهم، وفئة من الحرفيين على اختلاف وتنوع صنائعهم.
ويضم الكتاب أربعة أبواب كبرى تشمل “مراكش معلمة حضارية تنتمي إلى التاريخ المغاربي”، و”أسواق مدينة مراكش”، و”مراكش مدينة سياحية ذات إشعاع عالمي”، و”أي مستقبل ينتظر مدينة مراكش؟”، إلى جانب فهرس خاص بالأعلام والأسواق.
وفي معرض تقديمه لهذا الكتاب، أوضح الباحث مصطفى فنيتير، أن هذا المؤلف “محاولة جادة لاستحضار ذاكرة أسواق مدينة مراكش العتيقة (…). وكانت الحاجة ملحة لاستحضارها وإخراجها من زاوية النسيان، إنها في العمق محاولة لإعادة تركيب الماضي وإعادة صياغته من جديد”.
وأضاف أن “الهم الأساسي الذي انطلق منه هذا العمل هو إبراز خصوصية مدينة مراكش كمعلم تاريخي بعمقها الحضاري والثقافي، وذلك بفضل موقعها المتميز، وطبيعة تركيبة سكانها المرتبطة عضويا بمحيطها القبلي المتنوع مما ساعد على انصهارهم وذوبانهم داخل مجال المدينة، فتحقق بذلك نوع من التعايش والتساكن. فأصبحت المدينة بمثابة سوق كبير يستوعب ويستقطب كل الأنشطة الاقتصادية والثقافية التي تتمتع بنفوذ وإشعاع قوي يطالان الجنوب بأكمله”.
وسجل أن أسواق المدينة تروج المنتجات المحلية المتنوعة والتي تبرز إبداع وذوق الصانع المحلي والوطني وباتت تمثل إرثا ثقافيا، كما “تلبي كافة الحاجات الضرورية للسكان. فهي تمثل فضاء عموميا للتبادل والتواصل والتعارف وانتظمت مختلف مجالاتها التجارية عبر حقب تاريخية متفاوتة”.
وجاء في التقديم “لقد ظهرت بوادر التحول والانتقال منذ مطلع القرن 20، حيث أصبحت ساحة جامع الفنا هي القلب النابض للمدينة، ومنها ينقلنا الباحث في رحلة ممتعة وشيقة عبر الأزقة والشرايين والمداخل لولوج أسواق المدينة العتيقة بكل مجالاتها”.
وتوقف الباحث في رصد لحظة التحول، حيث فقدت المنتوجات المحلية هويتها المحلية والوطنية بفعل ضغط المنتوج الأجنبي وتأثيره على بنية وهيكلة الأسواق العتيقة، حيث عاصر لحظات التحول وعاش أصعب فتراته.
والأهم، أن هذه الذاكرة احتفظت بدور هذه الشريحة الاجتماعية من تجار وحرفيين موهوبين على اختلاف فئاتهم وأصنافهم، وإصرارهم للحفاظ على الهوية الثقافية المحلية ومناهضتهم لكل أشكال التغلغل الاستعماري بأساليبه وأدواته ومنتوجاته، وبقيت محتفظة بأسمائهم ومواقعهم النضالية وتجاوبهم مع الحركة الوطنية.
وخلص التقديم إلى أن “هناك معطيات حضارية وتراثية هامة أهلت مدينة مراكش لتصبح وجهة سياحية بامتياز ذات إشعاع عالمي، لكن هذا الامتياز يستند على أسس هشة غير قادرة على مواجهة التحولات العميقة على المستوى الوطني والعالمي في ظل ما يسمى بالعولمة”، متسائلا عن “أي مستقبل ينتظر مدينة مراكش؟”.