طموحات أردوغان تعقّد العلاقات الأميركية الروسية

واشنطن – تمثّل تركيا أحد عوامل تعقيد العلاقات الأميركية الروسية، اذ تؤجج علاقات موسكو مع أنقرة محاولات لإيجاد بدائل للسياسة الأميركية في قضايا كثيرة.
وفي تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، يرى أردوغان أن التعاون مع موسكو بشأن مشروعات سرية يوفر فرصا للنهوض الذاتي، ويزيد من مكانة تركيا بالنسبة لشركائها الغربيين، كما يمثل تنويعا لاعتماد أنقرة على الدول الكبرى.
ومن وجهة نظر الرئيس التركي، فإن سعي بلاده لتعزيز إمكانياتها الدفاعية المحلية وشراءها منظومة صواريخ اس-400 من روسيا، على سبيل المثال، يتيح لها اتباع مسار أكثر استقلالية بالنسبة للسياسة الخارجية والأمنية، حتى مع استمرار استفادة أنقرة من عضويتها في الناتو.
وذكر التقرير، الذي يعد نتاج لقاءات لخبراء متخصصين من المجلس الروسي للشؤون الدولية ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، أنه على الرغم من أن لموسكو وأنقرة وجهات نظر متعارضة بالنسبة للكثير من نزاعات المنطقة، فإن أي شراكة مصالح، حتى لو كانت محدودة، تساهم في ازدهار الطموحات الإقليمية لتركيا وروسيا على السواء، لملء الفراغ الذي تخلفه الولايات المتحدة في المنطقة.
وترى الولايات المتحدة بصورة متزايدة أن تصرفات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بلاده معادية للديمقراطية وأدت إلى خلافات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي (وخاصة اليونان وفرنسا، والولايات المتحدة).
ومن بين الاتجاهات الأخيرة في السياسة الأميركية تجاه منطقة شرق البحر المتوسط التي تشهد توترا بين تركيا واليونان وقبرص، تسعى واشنطن إلى إقامة تحالفات جديدة تتعلق بالأمن والطاقة مع اليونان، وقبرص، ومصر، وإسرائيل، ولبنان، والأردن من أجل تجنب الاعتماد على تركيا.
أما روسيا، فتعد زيادة توثيق علاقاتها بحليف رئيسي داخل الناتو، مما يؤدي إلى حدوث خلاف داخل الحلف، تأكيدا لوضعها في المنطقة، وعاملا مضادا للجهود الغربية لعزلها سياسيا.
ولا شك أن عدم الثقة التاريخي وعضوية تركيا في الناتو يضعان حدودا طبيعية حول شراكة أنقرة مع موسكو، ومن المهم ملاحظة أن التصعيد الأخير في التوترات بين تركيا واليونان يمكن أن يلحق الضرر بمصالح روسيا فيما يتعلق بقبرص ومنطقة البلقان.
ويعكس سعي روسيا لإقامة علاقات أكثر قربا مع تركيا تحولا أوسع نطاقا في الاستراتيجية الإقليمية بعيدا عن اتجاه أكثر اعتمادا على مجرد مواجهة التهديدات وانتهاز الفرص. فروسيا تعطي الأولوية لنجاحاتها الدبلوماسية الإقليمية مع التعاون مع كل اللاعبين الرئيسيين في طرفي أي نزاع. فقد سعت روسيا إلى تنظيم مسارات دبلوماسية منفصلة عن المبادرات التي يقودها الغرب، لأن موسكو تشعر أن الهياكل الحالية غربية وتهيمن عليها السمة المعيارية، ومن ثم لا توفر الوسيلة أو الشرعية التي تحتاجها موسكو للتفاوض بمرونة مع كل الأطراف. وهذه الديناميكية في السياسة، رغم أنها محبطة للولايات المتحدة، تشير إلى أن هناك فرصة للتواصل الثنائي.
ويوضح التقرير أنه من المحتمل أن يبدأ التعاون الثنائي في المنطقة بتوحيد وموائمة المبادرات الدبلوماسية، واستمرار أي وجود محدود للولايات المتحدة في جنوب غرب سورية يعني أن روسيا لا تستطيع تحقيق كل أهدافها. وفي هذا السياق، يتعين على الولايات المتحدة وروسيا والأطراف المعنية الأخرى، مثل الاتحاد الأوروبي وتركيا، العودة لإجراء مباحثات استكشافية.
وبدأ قيام تركيا بنقل مرتزقة سوريين إلى ليبيا، ومؤخرا إلى ناغورنو قره باغ، يهدد مصالح روسيا الرئيسية في منطقة تمثل نقطة ضعف بالنسبة لها.
وفي نهاية عام 2022، سينتهي أجل الجزء الأكبر من العقود التي تغطّي خط أنابيب ترك ستريم المزدوج، الذي ينقل الغاز الروسي إلى تركيا وأوروبا، وستخضع للتفاوض من جديد. وستكون الشروط التي ستحصل عليها شركة بوتاش الحكومية التركية، والشركات الخاصة التي لها صلة بخط الأنابيب، من شركة غازبروم مؤشّرا على ميزان القوة والعلاقات بين البلدين.
وتستورد تركيا كميات أقل من الغاز الروسي، والسبب الأول في هذا هو أن المصاعب الاقتصادية أدت إلى تقلص الطلب. أما السبب الثاني فهو استيراد الغاز الطبيعي المسال الأرخص ثمنا من موردين مثل الجزائر وقطر، بل وحتى الولايات المتحدة.
ويبدو أن التعاون الدبلوماسي بين الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا تحت إشراف مجموعة منسك أمرا مشجعا على الرغم من تصعيد النزاع الذي تجد موسكو بصورة متزايدة أنه من الصعب التحكم فيه.
ويؤكد التقرير ضرورة مشاركة الولايات المتحدة وروسيا في حوار لتوضيح مواقفهما وسياساتهما باعتبارهما طرفين رئيسيين في منطقة شرق المتوسط.
وينصح الخبراء بأن يتم مثل هذا الحوار بعيدا عن الأنظار وعلى مستوى حكومي كاف لضمان إجراء نقاش قوي ومفصل، ولكن ليس على مستوى كبار المسؤولين حتى لا يثير توقعات بأن هناك” اتفاقا” يجرى ابرامه. وفي الوقت نفسه، يعد التنسيق والاتصال العسكري القائم أمرا أساسيا للحد من احتمال وقوع حوادث أو أحداث عسكرية طارئة.
وأوضح التقرير أن العودة إلى إجراء حوار منتظم وغير سياسي بين الدولتين أمر سوف يستغرق وقتا، خاصة إذا ما شهدت الولايات المتحدة تغييرا في الإدارة، ومن أجل حماية وتوفير الفضاء السياسي لحوار أميركي روسي مثمر، يتعين على الدولتين إعطاء الأولوية لتجنب النزاعات ومنع الحوادث وممارسة ضبط النفس بالنسبة للتصريحات، مع بدء نقاش صريح بشأن حجم التواجد والنفوذ الكافي لكل منهما في المنطقة.