الجيش يعزّز موقعه في السودان مستفيدا من تشتت المدنيين

حقّق المكوّن العسكري في السلطة الانتقالية السودانية عدة نقاط في رصيده السياسي، بدءا بدوره في التوصل لاتفاق سلام مع الحركات المسلحة وصولا إلى شطب اسم بلاده من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، ما يعزّز حظوظه مستقبلا في حكم البلاد.
الخرطوم – نجح مجلس السيادة السوداني برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في تخطي جملة من عقبات المرحلة الانتقالية، كان آخرها رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، وإدارة ملف التطبيع مع إسرائيل، وسبقها توقيع اتفاق السلام مع الحركات المسلحة، وبدا المكون العسكري أكثر ثباتاً في التعامل مع هذه الملفات، في حين طغى التشرذم واختلاف المواقف على المكون المدني، الذي تقوده قوى الحرية والتغيير.
ويعقد المجلس المركزي لتحالف قوى الحرية والتغيير، اجتماعاً مهماً، السبت، يناقش جملة من المتغيرات الحاصلة على الساحة السياسية والاقتصادية، ومن المقرر أن يخرج الاجتماع بقرارات حاسمة بشأنها.
ونفى عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، صديق يوسف، نية تحالف الحرية والتغيير سحب الثقة من الحكومة، مؤكدا أن اجتماع، اليوم، يناقش التطورات على الساحة السياسية، وكيفية التعامل بشأن الخلافات الواقعة بين التحالف والمكون العسكري بشأن التطبيع مع إسرائيل.
وأكد لـ”العرب”، عدم وجود تعارض كبير بين رؤية التحالف للعلاقة مع إسرائيل وبين ما ذهب إليه المكون العسكري، لكن المشكلة الأكبر في انفراد مجلس السيادة بالقرار من دون العودة إلى مكونات الثورة، وأن خطوة التطبيع بهذا الشكل قد تعرقل الإجراءات التي من المفترض اتخاذها الفترة المقبلة لاستكمال المرحلة الانتقالية.
واعترف يوسف، وهو أحد الأعضاء البارزين بقوى الحرية والتغيير، بأن خلافات القوى السياسية أدت إلى خلخلة التحالف الحكومي، لكن يبقى هناك أساس للتحالف مازال الجميع يتفقون عليه، وهو أن يسير السودان في طريق السلام والديمقراطية.
عندما وقعّت القوى المدنية والعسكرية على الوثيقة الدستورية جرى تقسيم مهام المرحلة الانتقالية بينهما، وبعد مرور أكثر من عام، يبدو الواقع مختلفا، حيث أضحت المفاتيح الرئيسية في ملفات محاربة الفساد، واستعادة أموال النظام السابق، ولجنة الطوارئ الاقتصادية ونظيرتها الصحية، ولجان التعامل مع البعثة الأممية، وملف مفاوضات السلام ونهاية بالتطبيع مع إسرائيل، في يد المكون العسكري.
وتراجعت الحكومة عن إدارة الملفات التي كانت ضمن اختصاصاتها التنفيذية تحت وطأة التوترات التي تمر بها حاضنتها السياسية، من خلافات أفرزت تفككا في البنية الداخلية لتحالف قوى الحرية والتغيير، وهو ما استغله المكون العسكري الذي تقدم خطوات إلى الأمام، منحته سيطرة كبيرة على مجمل الأوضاع.
وأظهر الجيش تماسكا، وحملت خطابات قياداته إلى المواطنين قدراً كبيراً من الصراحة والوضوح، عززت مكانتهم، في حين واظبت الكثير من القوى المدنية على التلاعب بالألفاظ والمراوغة، وأدار البرهان، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الكثير من الملفات بمزيد من الشفافية، عكس أعضاء في الحكومة.
وقال المحلل السياسي السوداني خالد الفكي، لـ”العرب”، إن ملف التطبيع بمثابة نقطة فاصلة في مستقبل حكم السودان، بعد أن أضحت هناك ثقة دولية في المكون العسكري الذي قدم نفسه كطرف قوي وصاحب الكلمة العليا.
وأشار إلى أن العسكريين يمتلكون رؤية مستقبلية بشأن إدارة المرحلة الانتقالية وما بعدها، بعكس المدنيين الذين ركزوا على المكاسب الآنية، وبدا رئيس الوفد الحكومي (حميدتي) في مفاوضات السلام أكثر واقعية وصدقاً واستجابة لمطالب الحركات المسلحة خلال المفاوضات، وزادت الثقة بينه وبين قادة الجبهة الثورية، ما كان دافعاً لوصفه بـ”رجل السلام القوي” في السلطة الانتقالية.
ويشير مراقبون، إلى أن القيادات العسكرية البارزة استطاعت تجاوز النظرة السلبية إليهم على وقع اتهامات ذهبت حد اشتراكهم مع نظام البشير في جرائم ضد أقاليم الهامش والأطراف، وطغى الترحيب الواسع باتفاق جوبا على هذه الإشارات.
وأوضح الفكي أن أصعب ما يواجه العسكريين في مستقبل حكم السودان يرتبط بالنظرة إليهم باعتبارهم امتدادا طبيعيا لنظام البشير، وأنهم جزء لا ينفصل عن المؤسسة التي كان البشير على رأسها، بجانب أن الشارع مازال يحمّلهم مسؤولية انتهاكات وقعت منذ خروج التظاهرات ضد نظام البشير وحتى سقوطه.
ولذلك من الصعوبة أن تضمن الأوضاع الهشة التي يعيشها السودان حاليا ترجيحاً مطمئناً دائما لكفة العسكريين، وخلافات قوى الحرية والتغيير السياسية مع الجيش، وعدم ثقة الشارع في التوجهات النهائية، قد تجعل الأمور متأرجحة.
وقال مصدر مقرب من مجلس السيادة السوداني- رفض ذكر اسمه- إن المكون العسكري يسعى إلى إثبات جدارته في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة ويستفيد من وجهات النظر المختلفة بين الحكومة وقوى الحرية والتغيير، ويدرك أن إحراز تقدم في هذا الملف بمساعدة عدد من المنح الخارجية يحصل عليها السودان من الأطراف الراعية للتطبيع مع إسرائيل سوف ترجح كفته العسكريين مستقبلاً.
وأضاف المصدر ذاته في تصريحات لـ”العرب” “تتوالى عمليات البحث عن حاضنة سياسية تدعم توجهات العسكريين، ما يجعلهم طرفاً فاعلاً في مؤسسات الحكم الانتقالي، والمضي قدماً في هذا الاتجاه يأتي استغلالاً لتردي شعبية قوى الحرية والتغيير بالشارع، وتتشكل تلك الحاضنة من الأحزاب غير المنضوية ضمن التحالف الحكومي، وبعض الحركات المسلحة التي سوف تصبح أكثر قرباً من العسكريين لضمان تمرير دمج وتسريح عناصرها المسلحين بهدوء”.
والتقى البرهان مع رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) محمد عثمان الميرغني على هامش زيارته للقاهرة الأسبوع الماضي، ويقوم حميدتي بتحركات موازية مع العديد من المكونات السياسية في الأطراف.
ويستهدف العسكريون الحصول على أغلبية مريحة في مؤسسات الحكم، ولم يعد ذلك بعيدا عن التحقق، لأن هناك ثلاثة أسماء جديدة ستدخل مجلس السيادة من الحركات المسلحة، مع إمكانية إيجاد تكتل أوسع داخل المجلس التشريعي تنصهر داخله مقاعد الجبهة الثورية، فضلا عن مقاعد القوى السياسية غير المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير، بما يدعم تشكيل أغلبية قريبة من العسكريين، أو على الأقل تضمن عدم وجود أغلبية مناهضة لهم.
وما يدعم دور الجيش، أن هناك رغبة جارفة في الشارع السوداني ليكون تشكيل الحكومة المقبلة من الكفاءات وليس من السياسيين للتعامل مع الأزمات المتصاعدة، وإيجاد حلول عاجلة بشأنها، في محاولة لتلافي الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة الحالية.
وتوقع المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم، إدخال تعديلات جديدة على الوثيقة الدستورية تتيح لمن شاركوا في إدارة المرحلة الانتقالية بالترشح في انتخابات الرئاسة، وأن تصريحات عدد من العسكريين تذهب باتجاه ترك الأمر للظروف السياسية التي تحدد كيفية إجراء الانتخابات، ما يعني عدم وجود رفض مباشر لتلك الخطوة.
ولفت في تصريح لـ”العرب”، إلى أن المكونين المدني والعسكري يشعران بخطورة الأوضاع الداخلية مع تزايد الغضب جراء الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، وبالتالي فإن التقارب بين الطرفين لتخطي تلك الأزمة سيكون أمراً وارداً.
ورأى شوقي، أن فارق الخبرات السياسية بين الجيش والمدنيين يصب في صالح الأول، لأنه حكم السودان لمدة 50 عاماً من إجمالي 60 عاماً مضت على الاستقلال، إضافة إلى أن الحاضنة السياسية تمر في الوقت الحالي بتجربة صعبة على التيار المدني، بفعل الارتباك الحاصل بين الأحزاب والتنفيذيين داخل الحكومة.