سحب رئيس الحكومة التونسي لمشروع قانون لتنظيم الإعلام "صك ولاء" للترويكا الجديدة

تونس - أثار سحب رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي مشروع قانون حرية الاتصال السمعي البصري ليفسح المجال أمام تمرير مبادرة ائتلاف الكرامة الموالي لحركة النهضة الإسلامية، غضبا في صفوف الصحافيين والقوى المدنية والسياسية الذين اعتبروا هذه الخطوة "صك ولاء" للترويكا الجديدة.
وهددت نقابة الصحافيين في تونس بإعلان الإضراب العام احتجاجا على مشروع قانون معروض على البرلمان يلغي التراخيص المسبقة لوسائل الإعلام المرئية ويهدد بانفلات المشهد الإعلامي.
وانطلق البرلمان، الثلاثاء، في مناقشة المشروع وهو تعديل للمرسوم 116 المنظم لقطاع الإعلام.
واعتبر أصحاب التعديل أن مبادرتهم ستسمح بإلغاء جميع القيود بما في ذلك التراخيص المسبقة لإطلاق قنوات وإذاعات مقابل الاكتفاء بالتصريح. ويقول داعموها إنها سيعزز حرية الصحافة.
ويبدو أن المقترح يصب لفائدة حزب قلب تونس الذي يرأسه رجل الأعمال نبيل القروي وهو صاحب قناة "نسمة" الخاصة التي تعرضت في 30 أبريل الماضي لإيقاف البث ومصادرة معداتها تطبيقا لقرار الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري (الهايكا) التي قالت إن "القناة أصبحت غير قانونية بعد سحب ترخيصها العام الماضي".
هذا إلى جانب رغبة الترويكا الجديدة التي تضم حركة النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة، في إغراق المشهد الإعلامي بقنوات وإذاعات من شأنها أن تشرع للفوضى في قطاع الإعلام وقد تحول تونس إلى مرتع لصراعات إقليمية.
وتطرح المبادرة التشريعية مخاوف لدى نقابة الصحافيين كما جاء في بيان لها من أنها "تفتح الباب أمام المال الفاسد والمشبوه لمزيد التغلغل في المشهد السمعي البصري وإفساد الحياة العامة وضرب قواعد التنافس النزيه ومبادئ الشفافية والديمقراطية".
وقال العضو في النقابة عبدالرؤوف بالي في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "نحن أمام مسارين إما أن يتراجع باقي النواب عن دعم مشروع التعديل وبالتالي إسقاطه في البرلمان أو أن تتم المصادقة عليه ويرفضه رئيس الجمهورية فيما بعد".
وأضاف بالي "في كل الحالات سنبدأ بتحركات احتجاجية في البرلمان بما في ذلك الاستعداد للإضراب العام حتى نسقط مشروع التعديل".
وكتب الخبير الجامعي في الإعلام محمد شلبي بشأن المخاطر المحتملة للتعديل المقترح قائلا "ستعم الفوضى وسيسطو بعضهم على ترددات بعض وتتداخل موجات البث ولن يسمع أحد أحدا".
وأضاف شلبي "المجال الكهرومغناطيسي ملك للعموم وتمكين البعض من استغلاله يعني أن يغتصب بعض حق بعض باستغلال ملك الجميع. ما هو عمومي يبقى للعموم ولا يحق لأي كان أن ينفرد به".
وتابع الخبير الجامعي "حذف التراخيص يعني أن كل إذاعة ستقتني جهاز إرسال بالقوة التي تريد مما يترتب عليه تنافس في اقتناء الأجهزة الأقوى، ويعني ذلك زيادة رهيبة في الإشعاعات التي ستلحق بصحة المواطنين ضررا كبيرا".
وعارضت عدّة منظّمات وطنية بشدّة تمرير هذا القانون، على غرار مراسلون بلا حدود ومركز تونس لحرية الصحافة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة أنا يقظ، ونبّهت لخطورة تمريره على قطاع الإعلام.
واعتبرت في بيانات لها، أنّ اعتماد مجّرد التصريح سيخل بصلاحيات هيئة الاتصال السمعي والبصري في إسناد الإجازات، وبالتالي بالتزام الدولة التونسية في تكريس الحق في الإعلام المنصوص عليه في الفصل 32 من الدستور الذي يقتضي أن تعمل الدولة على ضمان الحق في الإعلام لكل الأفراد وضمان تمثيل أصواتهم في إعلام بلدهم.
وعبّرت ثلاث كتل برلمانية وهي حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة (صاحب المبادرة)، عن نيّتها التصويت لتمرير هذا التّعديل، فيما عبّرت كتل أخرى عن رفضها القطعي لتعديل المرسوم 116، على غرار كتلة تحيا تونس التي اعتبرت أنّ التعديل المُقدّم ينطوي على الكثير من الإخلالات الإجرائية التي تتعارض مع الدستور، أمّا كتلة الحزب الدستوري الحر فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، عبر تقديم قضيّة استعجاليّة ضدّ مشروع القانون.
وكان أمين عام حزب التيّار الديمقراطي، غازي الشواشي، أكد في تصريح لـ"وات"، أنّ حزبه سيتصدّى للتعديل المتعلّق بالمرسوم 116 في البرلمان وسيطعن فيه لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، في صورة تمريره، كما اعتبرت عضو كتلة الإصلاح، نسرين العماري، أنّ تنقيح المرسوم 116 "هو مشروع حزب قلب تونس (على اعتبار أنّ رئيس الحزب يملك قناة تلفزيونية)، وتبّناه ائتلاف الكرامة، وقد ننسحب من جلسة مناقشته".
وحرية التعبير والصحافة هي من المكاسب الرئيسية للتونسيين بعد ثورة 2011 التي أنهت الحكم الاستبدادي للرئيس الراحل زين العابدين بن علي ولكن القطاع يفتقر للتنظيم ومؤسسات مستقرة.
وتريد النقابة بدلا من تعديل المرسوم المضي قدما في مناقشة مشروع قانون جديد طرحته الحكومة في وقت سابق على البرلمان بعد مناقشته مع المجتمع المدني، يمهد لوضع مؤسسة دستورية للاتصال السمعي البصري.