سنوات الشحة تفشل في مصادرة طبق المكدوس من مؤونة السوريين

لم يتخلّ السوريون عن ارتباطهم بتقاليد الأسلاف في تجهيز مؤنهم الغذائية للشتاء، حيث تحرص أغلب العائلات على تجهيز ذخيرتها من أكلة المكدوس الشامية، رغم ارتفاع أسعار مكوناتها.
دمشق- تشتري جانيت إلياس في كل موسم، الباذنجان وتخزن في منزلها ما يكفي منه لصنع طبق "المكدوس" السوري الشهير لمدة عام. لكن، مع تراكم الأعباء الاقتصادية، والعقوبات التي قفزت بفعلها الأسعار، لم تتمكن عائلة إلياس هذه المرة من شراء سوى نصف الكمية المعتادة.
وقالت إلياس، وهي ربة منزل وأم لطفلين، "الجوز، الباذنجان، والزيت كل هذه المكونات لم يعد بالمقدور شراؤها نظرا لارتفاع أسعارها". ومع ذلك فالسوريون لا يستطيعون بأي حال من الأحوال الاستغناء عن هذا الطبق الشهي مهما كلفهم من ثمن.
وجرت العادة على أن تحضّر العائلة السورية كميّة تكفي لعام كامل من هذا الطعام المكوّن من الباذنجان المحشو بالجوز والفليفلة والثوم والبهارات، والذي يوضع داخل وعاء زجاجي ممتلئ بالزيت، ويقدّم عادة إلى جانب أصناف الفطور الصباحي مثل الألبان والأجبان والزعتر مع كأس من الشاي.
وأضافت إلياس "اعتدت في السنوات السابقة على تجهيز حوالي مئة كيلو من هذه الأكلة كمؤونة لكامل السنة، لكن لم أتمكن هذا العام من تحضير نفس الكمية واكتفيت بـ60 كيلو نظرا لارتفاع الأسعار، فنحن لا يمكننا الاستغناء عن طبق المكدوس حتى وإن أثقل شراء مكوناته على جيوبنا".
ويشتهر السوريون بتحضير المؤن الغذائية وفي مقدمتها المكدوس الذي يزين مائدة السوريين، ويطلق عليه مكدوس الباذنجان أو المكدوس السوري (الشامي)، ويعود بجذوره إلى مدينة حلب، التي أتقن أهلها صناعته وتفننوا فيها وعملوا على تطويرها وتحسين مذاقها.
يعد هذا الصنف من الطعام من بين أكثر أنواع المؤونة السورية انتشارا، فهو من الأطعمة التي يتوارثها السوريون جيلا بعد جيل
والمكدوس باذنجان مسلوق محشو بمزيج يشبه العجين المصنوع من المكسرات والفلفل الأحمر والثوم. وفي بداية موسم الحصاد تختزن الأسر والمطاعم الباذنجان الذي يلزمها. ويُحشى الباذنجان ويُغمس في زيت الزيتون ويحفظ في برطمانات كذخر للشتاء الطويل.
وأكدت لينا قنبر، وهي طاهية في مطبخ "غراس"، أنه رغم ارتفاع الأسعار، لا يزال الطلب كبيرا على أكلة المكدوس. ووصفت قنبر هذا الطبق بأنه وجبه طعام عريقة، موضحة "المكدوس أكلة شامية قديمة متجذرة في ثقافة السوريين المطبخية، إذ أن سوريا تنفرد بهذا الطبق دون غيرها من الدول الأخرى، لكن أصبح تجهيز هذه الأكلة مكلف للغاية، فهو مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية صار بالنسبة لنا غال جدا". ولفتت إلى أن "المكدوس له مذاق رائع بالنظر لمكوناته القائمة بالأساس على الباذنجان والجوز وبعض البهارات الأخرى".
ويعد هذا الصنف من الطعام من بين أكثر أنواع المؤونة السورية انتشارا، فهو من الأطعمة التي يتوارثها السوريون جيلا بعد جيل، حيث رافقهم في حياتهم في الشح والرخاء. ويبدأ تحضيره عادة في شهر سبتمبر ويمتد في شهر أكتوبر، تزامنا مع توفر الباذنجان والذي يطلق عليه "الأسود البلدي" وهو الباذنجان المدور الصغير، والبعض يفضل أصنافا أخرى من الباذنجان وهي "الحمصي" أو "الحموي".
ويستقر طبق المكدوس على موائد الطعام عادة في وجبتي الإفطار والعشاء بفصل الشتاء. ولم يسلم هذا الطبق من آثار الحرب، بعد أن فقد نكهته جراء فقدان مكوّناته الرئيسية، إذ اعتاد سكان دمشق على جلب الجوز من بلدات الغوطة الشرقيّة، والزيت من ريف إدلب ومدينة عفرين.