العنف ضد الصحافيات ينتقل من الإنترنت إلى الواقع

انتهاكات تدفع بعض الصحافيات إلى التخلّي عن مجال عملهنّ لحماية أنفسهن.
الاثنين 2020/10/05
التهديدات على الإنترنت لدافني كاروانا غاليزيا انتهت بمقتلها

واشنطن - يتواصل تهديد النساء عبر الإنترنت وتتعرّض الصحافيات لهذا النوع من العنف يوميًا في جميع أنحاء العالم خلال استخدامهنّ المنصات الرقمية، فيلاحقهن العنف من أماكن عملهن إلى المنزل، ما قد يؤثّر على عملهنّ وإنتاجهنّ.

ويمكن أن تلحق هذه الممارسات الأذى النفسي والضرر المهني والعنف الجسدي أحيانًا، كذلك تدفع هذه الممارسات بعض الصحافيات إلى التخلّي عن مجال عملهنّ لحماية أنفسهن، وفقا دراسة مسحيّة عالميّة أطلقها المركز الدولي للصحافيين بالإشتراك مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بالتعاون مع مركز حرية الصحافة في جامعة شيفيلد، لرصد حالات وتأثيرات العنف الذي يمارس ضد الصحافيات عبر الإنترنت وفهم مظاهر وأشكال العنف الجنساني عبر الإنترنت في عام 2020.

وتهدف الدراسة إلى توصيف المشكلة وتفصيلها كخطوة أولى، ثم اتخاذ تدابير فعالة لمواجهتها، بعد اختبار الإجراءات الفعّالة والبحث عن الطرق التي تؤدّي إلى النتيجة المطلوبة ودراسة أبرز الأمور التي تحتاجها الصحافيات.

وتستخدم بعض الصحافيات اللواتي تعرّضن لهذه الهجمات العنيفة عبر الإنترنت مصطلحات مرتبطة بالحرب الجسدية لوصف تجاربهنّ، ومنهنّ الصحافية الفنلندية جيسيكا أرو التي قالت “تُستهدف النساء في الحروب الإلكترونية بالطريقة نفسها التي يُستهدفنَ بها في الحروب الأخرى”.

وتتراوح أشكال المخاطر التي تواجهها الصحافيات بين المضايقات والإساءات عبر الإنترنت وصولاً إلى التهديدات بالعنف الجنسي، إضافةً إلى انتهاكات الخصوصية والأمن الرقمي واستخدام بعض التقنيات بهدف التضليل.

وقالت شبكة الصحافيين الدوليين أنه يمكن تسمية هذه التهديدات “العنف الجنساني عبر الإنترنت”، أي الانتهاكات المؤذية التي تتعرّض لها الصحافيات بسبب جنسهنّ، والتي يقوم بها أشخاص يكرهون النساء أو بعض الشبكات المترابطة التي تشنّ هكذا حملات أو أشخاص يهدفون إلى التضليل وبث المعلومات الكاذبة ويكونون على علاقة بدولة ما ويسعون إلى تقويض حرية الصحافة.

جيسيكا أرو: تُستهدف النساء في الحروب الإلكترونية بالطريقة نفسها التي يُستهدفنَ بها في الحروب الأخرى
جيسيكا أرو: تُستهدف النساء في الحروب الإلكترونية بالطريقة نفسها التي يُستهدفنَ بها في الحروب الأخرى

وفي الفترات الأولى لظهور ما سُمي بـ”العنف الجنساني عبر الإنترنت”، لم يتقبّله مسؤولون عن مؤسسات إعلامية وشركات وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرين أنّ ما يكتب هو نتيجة لإشراك الجمهور عبر الإنترنت، ورمى الجميع بثقل إدارة المشكلة ومسؤولية المواجهة على الصحافيات المستهدفات اللواتي قيل لهن “إنّ الهجمات التي يتعرضن لها عبر الإنترنت لا تشكّل مصدر قلق حقيقي”.

ولكن في ما بعد، جرى إعداد تقارير وأبحاث حول هذا النوع من العنف وبمشاركة المجتمع المدني، ما أدّى إلى تحديده بأنّه مشكلة فعلية وتمّ الاعتراف بآثارها دوليا، ثمّ برزت مبادرات تعاونية لدعم الصحافيات المستهدفات، قبل أن يصبح العنف عبر الإنترنت معقدًا ومنتشرًا بشكل كبير، الأمر الذي دفع إلى توحيد الجهود الرامية إلى مواجهة هذه المشكلة.

وبرزت قضية الصحافية والناشطة النسويّة كارولين كريادو بيريز في مقدّمة الأمثلة على العنف الجنساني، حيث تعرّضت لهجوم عبر الإنترنت عام 2013 في المملكة المتحدة بعد نجاح حملتها لطبع صورة الكاتبة البريطانية الشهيرة جين أوستن على ورقة نقدية.

ولفتت بيريز إلى أنّها “تعرّضت لتهديدات بتشويه أعضائها وقطع رقبتها وتفجير منزلها وحرقها وأنها ستتمنى الموت”، كما تمّ نشر رابط لعنوان إقامتها عبر الإنترنت، وغير ذلك من التهديدات المرعبة التي أشعرتها أنّها مطاردة وأخافتها كثيرًا.

وظهر نمط جديد يربط بين حملات العنف عبر الإنترنت والهجمات غير المتصلة بالإنترنت، مما يشير إلى أنّ الصحافيات حول العالم يواجهن نهجا جديدا من التصعيد. فقد تعرّضت الصحافية الاستقصائية دافني كاروانا غاليزيا التي كانت تحقق في قضية فساد مرتبطة بالدولة في مالطا، لتهديدات ومضايقات متكررة عبر الإنترنت، وبعدها قُتلت في أكتوبر 2017 إثر انفجار قنبلة كانت موضوعة تحت سيارتها قرب منزلها.

وفيما زادت المضايقات والإساءات المرتبطة بحملات تقوم بها دول، يظهر وجه الشبه بين ما تعرّضت له غاليزيا وبين التهديدات العنيفة التي تواجهها رئيسة تحرير موقع “رابلر” الصحافية الفلبينية ماريا ريسا، حيث أصدر أبناء غاليزيا بيانًا أعربوا فيه عن قلقهم من أنّ ريسا معرضة لخطر القتل بسبب تحقيقاتها المرتبطة بالدولة، وورد في البيان أنّ الظروف التي تعايشها ريسا، مشابهة إلى حدّ كبير لتلك التي هيأت لمقتل والدتهم.

كذلك فقد حظيت قضية الصحافية الاستقصائية الهندية جوري لانكش باهتمام دولي، بعد تعرّضها للاغتيال خارج منزلها. وكانت لانكش معروفة بأنها من منتقدي التطرف وتعرضت لانتهاكات ومضايقات كبيرة عبر الإنترنت قبل وفاتها، ولم تسلم من الحملات حتى بعد وفاتها، حيث استغلّ البعض وسائل التواصل الاجتماعي للاحتفال.

كذلك الأمر بالنسبة للصحافية رنا أيوب التي تدخّل مسؤولون في الأمم المتحدة للدفاع عنها، بعد انتشار معلومات كاذبة على الإنترنت لتضليل تقارير أعدّتها، كما انتشرت مقاطع فيديو مزيفة أسفرت عن اغتصاب وتهديدات بالقتل. وفيما تحدّث خبراء في الأمم المتحدة في بيان عن مقتل لانكش، دعوا الدولة في الهند إلى التحرك لحماية أيوب، معربين عن قلقهم من تعرّضها لخطر حقيقي بعد تلقيها تهديدات مروعة.

وتابعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إمكانية انتقال العنف عبر الإنترنت إلى العالم الواقعي والآثار الخطيرة لهذا النوع من العنف على الصحة النفسية للصحافيات، ثمّ أصدرت قرارًا يدين جميع “الاعتداءات التي تتعرّض لها الصحافيات أثناء ممارسة عملهن، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية، التمييز، العنف القائم على النوع الاجتماعي، الترهيب والمضايقة عبر الإنترنت وعلى أرض الواقع”.

18