نور عماد الكوا فنانة سورية تُؤنسن الحيوان في لوحات تعبيرية رمزية

فنانة تشكيلية تجسّد فترة الحجر الصحي بطريقة فنية وإيجابية وبألوان زاهية بعيدة عن السوداوية.
الاثنين 2020/10/05
مزج طريف بين الإنساني والحيواني

لا يستطيع أي فنان تشكيلي معاصر أن ينسب لنفسه إدخال التمثيل الحيواني إلى العمل الفني، إذ طالما اعتبر من المواضيع السائدة والقديمة في تاريخ الفن، وكان ظهوره مع الإنسان البدائي الأول في ما تركه من رسوم وجداريات على الصخور والكهوف والمغارات. هنا تجربة فريدة للرسامة السورية نور عماد الكوا التي أنسنت الحيوان في لوحات تعبيرية موغلة في الرمزية.

دمشق - في معرضها الفردي الرابع الذي خصّصته لمجمل أعمالها لعام 2020 تطلق الفنانة التشكيلية السورية الشابة نور عماد الكوا العنان لخيالها في رسم الحيوان وأنسنته بأوضاع مختلفة، فيما تجلى حضور الإنسان بالمعرض عبر استحضار شخصيات فنية كبيرة أثّرت على حياتنا، إضافة إلى لوحات أخرى تبرز تأثرنا كأفراد بالظروف الناجمة عن الحجر الصحي لمواجهة فايروس كورونا.

المعرض الذي أقامته الفنانة نور في مرسمها بمنطقة الجسر الأبيض في دمشق تعمّدت ألا تختار له عنوانا حتى لا يضيع معه فحوى معرض ضم ثلاث مجموعات أساسية، وغلب على ألوانه الإكريليك على القماش بأسلوب واقعي تعبيري وانطباعي ضمن أحجام لوحات كبيرة.

وتقول الفنانة عن ذلك “اخترت رسم لوحاتي بأحجام وصل بعضها إلى ثلاثة أمتار كنوع من التحدي، في مقاربة الحجم الحقيقي لموضوعات اللوحة”.

ونور الكوا التي اختارت ألوانا باردة لأغلب أعمالها تعيد ذلك لتفضيلها اللون الواحد الطاغي على العمل، لكنها تجد أن إضافة نقطة أو مساحة صغيرة من لون حار كفيلتان بأن تنشرا فيها الدفء.

ورسمت نور فنانين عظماء أضاءوا حياتنا، كأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وصباح فخري، في وضعيات متشابهة يظهرون فيها وهم يؤدّون أغانيهم، فضلا عن راقص المولوية، حيث تُعيد ذلك لإيمانها بأن الفنون جزء واحد وبينها رابط مشترك وأنه لا يوجد فنان تشكيلي لا تكون الموسيقى حاضرة معه وهو يعمل، ومن الضروري تجسيد أسماء أثّرت في وجداننا وتخليدها في ذاكرة الأجيال.

نور عماد الكوا: الفنان التشكيلي، وهو يعمل، الموسيقى حاضرة معه لا تفارقه
نور عماد الكوا: الفنان التشكيلي، وهو يعمل، الموسيقى حاضرة معه لا تفارقه

وحول الدوافع التي حدت بها إلى اختيار الثور موضوعا أساسيا لعدد كبير من أعمال المعرض، بيّنت أن هذا الحيوان ذو طابع أسطوري وظهر في الفنون التي خلفتها حضارات العالم، وأن رسمه يُتيح للفنان إظهار قدراته عبر تشريح جسده الصعب وما يحتويه من عضلات كبيرة وعيون واسعة ذات أبعاد رمزية، إضافة إلى طريقة تعامل الإنسان معه وما فيها من قسوة وسادية كما في حلبات المصارعة، مشيرة إلى أن خيالها جعلها تتصوّر الثور وهو يحلم بإيقاف ما يطاله من قتل وتعذيب تحت مسمى التسلية والرياضة.

وتضيف “يضم المعرض نحو ثلاثين عملا، (وهي أعمال) مقسمة إلى لوحات ‘لاند سكيب’ تصوّر الأشجار والطبيعة، ولوحات إنسانية كنت اشتغلت عليها في معارضي الأولى، وكذلك لوحات أخرى بطريقة جديدة تصوّر الثور بأسلوب خاص لم أركّز فيه على قتله كما في حلبات الماتادور الإسبانية، بل على الحلم بأن يعيش الإنسان حياة مسالمة طبيعية باسترخاء يلعب الشطرنج ويستمع إلى الموسيقى، وأعتقد أنه مؤلم جدا أن يكون الإنسان بهذه الوحشية كي يعذّب كائنا حيا وبإقبال جماهيري كبير على هذه اللعبة”.

وتعمّدت نور إخفاء عيون البشر فيما أظهرت الثيران بعيون كبيرة وغنية بالمعاني، لافتة إلى أن ذلك نتيجة قناعتها بأننا نبني علاقتنا ببعضنا البعض على ما ترينا إياه بصيرتنا ولا تشكل عيون المرء أهمية في فهم الآخر، بينما رسمت عيون الثور بشكل جميل وتعبيري ورمزي في آن واحد.

وأحبت نور أن تجسّد فترة الحجر الصحي بطريقة فنية وإيجابية وبألوان زاهية بعيدة عن السوداوية، لأن هذه الفترة لم تؤثر عليها بل بالعكس كانت فرصة للجلوس في البيت والتفرّغ للرسم.

وعن ذلك تقول “أمضينا وقتا طويلا في المنزل، ومن الطبيعي أن يصوّر الفنان أحاسيسه بأسلوب يتعايش فيه مع كل الظروف، فالحياة مستمرة وسنستمر لتحقيق كل شيء جميل ما دمنا على قيد الحياة، وطيلة السنوات العشر الماضية لم أجسّد الحرب في لوحاتي بطريقة مؤلمة”.

وهي التي رسمت في معرض سابق الشجرة بتقنية جديدة نشعر فيها بأننا بحاجة ماسة لأن نكون داخل الطبيعة، فجميعنا يتمنى أن يرى الأشجار في كل الطرقات، وتضيف موضحة “لأننا لم نر في حياتنا أن شجرة تقتل أخرى أو تعتدي عليها أو تقوم بإيذائها، فوجود الطبيعة في حياتنا مهم جدا، ومنذ عام 2011 حتى يومنا هذا أنجزت 500 لوحة منها مجموعة من اللوحات خلال أزمة كورونا”.

وعن المعرض واللوحات قال الفنان التشكيلي السوري أحمد أبوزينة “هذا المعرض يعبّر عن حالة فريدة، فأن يقيم الفنان معرضا في المكان الذي يعمل فيه يعدّ أمرا جميلا وفريدا في الآن ذاته”.

وأضاف “في هذا المكان شاهدت أعمالا خرجت فيها الفنانة عن أسلوبها التقليدي، فأضافت مجموعة من الألوان الحارة والدافئة التي أعطت اللوحة قيمة فيها الكثير من الحب والابتكار، واستطاعت أن تظهر بقوة في الفن التشكيلي السوري وأن توجد لنفسها مكانا جديّا، وهناك عدد كبير من الفنانين التشكيليين الكبار الذين يتابعون نشاطها وقفزاتها في الفن التشكيلي”.

والفنانة التشكيلية نور عماد الكوا من مواليد دمشق في عام 1990، خريجة كلية الفنون الجميلة قسم العمارة الداخلية، لها العديد من المشاركات في معارض جماعية، كما أقامت أربعة معارض فردية، وتم اقتناء أعمال لها في سوريا ولبنان ودبي وألمانيا.

Thumbnail
17