ملتقى الشارقة الدولي للراوي يكرم حَمَلة التراث غير المادي

على غرار الكثير من التظاهرات الثقافية الأخرى، خيّر القائمون على ملتقى الشارقة الدولي للرواي في دورته العشرين، أن تنتظم فعالياته افتراضيا، حيث يجمع كوكبة من أهم الباحثين والرواة في العالم العربي وخارجه، كما يمتاز الحدث هذا العام بالمزج ما بين الندوات والمقاهي الثقافية والفعاليات، التي سيتم بثها عبر منصة المعهد الافتراضية في وسائل التواصل الاجتماعي.
الشارقة – تتواصل الفعاليات الافتراضية للنسخة العشرين من ملتقى الشارقة الدولي للرواي الذي انطلق السبت تحت شعار “الاحتفال بالعشرين”.
ويمتاز الحدث، الذي يستمر ثلاثة أيام بتنظيم معهد الشارقة للتراث، هذا العام بالمزج ما بين الندوات والمقاهي الثقافية والفعاليات التي سيتم بثها عبر منصة المعهد الافتراضية في وسائل التواصل الاجتماعي إنستغرام وتويتر وفيسبوك ويوتيوب.
الاحتفاء بالرواة
تضمن الاحتفال الافتتاحي الافتراضي كلمة للدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، وعرض فيلم وثائقي قصير يوثّق مسيرة ملتقى الشارقة الدولي للراوي على مدى عشرين عاما، وكلمة للشخصية المكرمة الدكتورة آني طعمة ثابت من لبنان، وتكريم الرواة بالإضافة إلى جلسة افتتاحية افتراضية حول الكنوز البشرية الحية قدمها الدكتور أحمد اسكونتي خبير التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونسكو.
وقال الدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس اللجنة العليا المنظمة للملتقى “مع حلول شهر سبتمبر كل عام تتهادى الذكريات وتتوارد الأفكار ويتقد الشوق ويزداد الحنين إلى الشموس الأعلام والرواة الذين أثروا تجاربنا بمعارفهم الشعبية الزاخرة في موعد مع ملتقى الشارقة الدولي للراوي، الذي غدا تقليدا تراثيا راسخا ومناسبة تتجدّد سنوياً محمّلة بكل جديد ومفيد”.
وشدد المسلم أن الملتقى يهدف إلى “الاحتفاء برواتنا الأفذاذ وحملة الموروث الشعبي من الكنوز البشرية والاحتفال بمعارفهم وفنونهم وخبراتهم واستذكار سيرهم ومخزونهم الثقافي الثّري الذي يعتبر صمّام الأمان للمحافظة على تراثنا العريق من الضياع والاندثار من خلال الجرد والحصر والصون والتوثيق”.
فعاليات هذا العام من الملتقى تشمل جلسات افتراضية حول الكنوز البشرية الحية وندوات افتراضية عربية
وأضاف أن الملتقى يعتبر حدثا ثقافيا دوليا يتطلع إلى التعرّف إلى التجارب الغنية والملهمة على المستويين العربي والعالمي حيث تختزل مسيرة ملتقى الشارقة الدولي للراوي سنوات عديدة من العمل الثقافي الجادّ الذي بوّأ التراث وحملته المكانة الكبيرة التي يستحقونها وغدا حدثا محوريا على خارطة العمل الثقافي في الإمارات والوطن العربي والعالم أجمع.
من جانبها قالت عائشة الحصان الشامسي المنسق العام للملتقى “سيتم في هذه الدورة من الملتقى تحت شعار ‘الاحتفال بالعشرين‘ انتخاب موضوعات جديدة تتسم بالشمول والتنوع وهي: فنون الراوي وجحا العربي والسير والملاحم والحكايات الخرافية وألف ليلة وليلة”.
وأوضحت أن هذه العناوين ارتكزت في أساسها وبنيتها وموضوعها على الرواة والمعارف الشعبية والتناقل الشفاهي قبل أن تستحيل نصوصا مكتوبة وموثّقة، وهي تمثّل في الواقع تراثا إنسانيا عريقا وأصيلا عبّر فيه الإنسان منذ البدء عن رموز وأبطال وحكايات امتزجت فيها الخرافة والأساطير بالخيال والتاريخ فجاءت عاكسة صورة من صور الحياة القديمة وتمثّل الإنسان لثقافته وتراثه.
فعاليات افتراضية
يحل لبنان ضيف شرف الدورة العشرين من ملتقى الشارقة الدولي للراوي حيث درج الملتقى كل عام على اختيار شخصية فخرية تمثل البلد ضيف الشرف، ويتم تكريمها احتفاء بمجمل أعمالها وإسهاماتها في مجال التراث الثقافي، وفي هذا العام وقع الاختيار على الدكتورة آني طعمة ثابت من لبنان لما لها من دور بارز ومحوري في صون التراث والمحافظة عليه، وهي أستاذة علم اجتماع وإنثروبولوجيا بجامعة القديس يوسف في بيروت وخبيرة في “اليونسكو” بمجال التراث الثقافي غير المادي.
وتوجهت طعمة في كلمتها بالشكر والتقدير إلى الشارقة والقائمين على الملتقى على الدعوة والتكريم وعلى اختيار لبنان كضيف شرف في هذه النسخة من الحدث.
وكرّم معهد الشارقة للتراث خلال السنوات الماضية أكثر من مئة راو وراوية في دورات الملتقى المتتالية من أصحاب المهارات الموروثة ومن الرواة المتخصصين في شتى مجالات التراث الشفهي.
كما كرم معهد الشارقة للتراث هذا العام أهم الرواة الشفويين من حملة التراث غير المادي وهم سيف محمد سيف القراعة النعيمي وعائشة عبدالله محمد النقبي وعلي محمد علي تشون الظهوري وعبيد راشد عبيد غدير الكتبي ومحمد سعيد محمد القايدي ومحمد حمدان الحنطوبي النقبي وسيف خليفة راشد بن سمحة الشامسي والدكتور عبدالستار العزاوي، وذلك تقديرا لإسهاماتهم في حفظ المرويات الشفوية ونشرها.
وتشمل فعاليات هذا العام من الملتقى جلسات افتراضية حول الكنوز البشرية الحية وندوة افتراضية من المغرب حول توثيق التراث الشفهي بالإضافة إلى ندوة حول توثيق التراث الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة وجلسات للمقهى الثقافي حول مسيرة الراوي، كما تشهد تقديم فقرات بعنوان “حكايات من تراث الشعوب”، وفقرات بعنوان “قالوا عن الراوي – شهادات وتجارب” إلى جانب عرض أفلام بما يخص مسيرة الراوي وتقديم فقرات بعنوان “سيرة راو” و”بين دفتي كتاب” وسيتم اختتام الفعاليات بكلمة من سعادة الدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس المعهد وقراءة توصيات الملتقى من عائشة الحصان الشامسي المنسقة العامة للملتقى.
من جانبه ثمن الدكتور أحمد اسكونتي خبير التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونسكو جهود معهد الشارقة للتراث في مجال التراث الثقافي والتوعية حيال أهمية صون التراث غير المادي، الذي أوصل هذه التظاهرة إلى مستوى عالمي والتوعية بأهمية التراث غير المادي.
وقال الدكتور مني بونعامة مدير إدارة المحتوى والنشر في معهد الشارقة للتراث “إن المقهى يطرح هذا العام قضايا جديدة تحتفي بالرواة ومعارفهم الشعبية التي أودعوها في صدورهم قبل أن تستحيل إلى كتب مسطورة، وذلك اتساقا مع توجه الملتقى الذي يعمل على استحداث كل جديد لإثراء المشهد الثقافي والاضطلاع بالهدف المنشود والجميل”.
واستضاف مقهى الراوي الثقافي الافتراضي السبت نخبة من الباحثين والدارسين الذين قدّموا مقاربات متنوعة احتفت بالرواة حيث استهلت عائشة الحصان باستعراض مسيرة الملتقى ومحطاته على مدى عشرين عاما وتحدث الدكتور سالم الطنيجي عن سيرة الراوي راشد بن عبدالله المحيان.
فيما تناول الدكتور حمد بن صراي تجربة الباحث الراحل عبدالجليل السعد حارس الذاكرة في مجال توثيق التراث، واستعرضت الدكتورة سميرة أمبوعزة مجموعة من الحكايات الشعبية الجزائرية التي تناقلها الرواة وحملة الموروث الشعبي في الجزائر.
وشهدت الفعاليات المسائية تقديم فقرة “حكايات من تراث الشعوب” وفقرة “قالوا عن الراوي – شهادات وتجارب” وعرض فيلم عن مسيرة الراوي وتقديم فقرة سيرة راو “راشد الشوق – دفتر الشارقة” وبين دفتي كتاب “تسليط الضوء على إصدارات الملتقى”.
وشهد اليوم الثاني، الأحد، من الملتقى أنشطة متنوعة عبر تقديم حزمة واسعة من الفعاليات الثقافية التراثية الافتراضية تشمل تقديم ندوة افتراضية من المغرب حول توثيق التراث الشفهي وفقرة “حكايات من تراث الشعوب”، و”قالوا عن الراوي” وعرض فيلم قصير من ذاكرة ملتقى الشارقة الدولي للراوي و”حكايات من تراث الشعوب” وفقرة “سيرة راو- جمعة بن حميد” و”بين دفتي الكتاب – تسليط الضوء على إصدارات الملتقى” .
جدير بالذكر أن الاهتمام بالراوي بدأ بشكل مبسط في الدائرة الثقافية بإمارة الشارقة عام 1987، ثم انطلق “يوم الراوي” عام 2001، كحدث سنوي بعد عام على وفاة الراوي راشد الشوق (توفي في 26 سبتمبر عام 2000)، الذي كان راويا موسوعيا.
وجاء تنظيم هذه الفعالية تكريما له ولحملة الموروث الشعبي، بمشاركات محلية وخليجية فقط، وفي عام 2015 بعد إنشاء معهد الشارقة للتراث، تم تطوير برنامج الراوي ليصبح ملتقى الشارقة الدولي للراوي، بمشاركة دولية واسعة تعدّت الـ25 دولة، وذلك سعيا إلى نشر الاهتمام بالكنوز البشرية من الدائرة المحلية إلى الدائرة الدولية، وبذلك تكون إمارة الشارقة المحطة السنوية الدولية لحملة الموروث الشعبي لثقافات متنوعة، وإحدى الوجهات الرئيسة في العالم للاحتفاء بالكنوز البشرية على المستوى الدولي.