الغنوشي يراهن على عودة المنشقين لتحصين نفوذه داخل النهضة

تونس - تسعى حركة النهضة الإسلامية التونسية لترميم التصدعات الداخلية قبل مؤتمرها القادم، محاولة استعادة المنشقين عنها والمستقيلين منها في خطوة تشير بوضوح إلى حالة توجس لا تهدأ بعد أن تعالت أصوات من داخلها تطالب رئيسها راشد الغنوشي بالتنحي.
وألقت الانشقاقات السابقة والاستقالات من الحركة الإسلامية والخلافات الداخلية، بظلال ثقيلة على قواعدها وعلى موقعها في مشهد سياسي متشرذم.
وشكلت الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة مؤشرا على تآكل شعبية النهضة التي فازت في التشريعية بأغلبية طفيفة ومنيت بنكسة في الرئاسية دفعت مرشحها عبدالفتاح مورو لاعتزال السياسة.
وتجري الحركة حاليا اتصالات لإعادة المنشقين والمستقيلين ومن ضمنهم حمادي الجبالي الذي سبق أن ترأس حكومة الترويكا الأولى (2011/2013) بعد أن احتفت بعودة رياض الشعيبي أحد قيادييها السابقين.
وأكد عضو المكتب التنفيذي للحركة خليل البرعومي وجود مفاوضات مع عدد من القيادات بمن فيها الأمين العام الأسبق حمادي الجبالي لإقناعهم بالعودة.
وأسفرت الاتصالات حتى الآن عن عودة كل رياض الشعيبي والقيادي السابق محمد حمزة إلى صفوف الحركة.
وتأتي تحركات النهضة بعد أن قدم 100 من أعضائها عريضة تطالب بعدم التمديد للغنوشي على رأس الحركة في المؤتمر القادم.
وتبدو جهود ترميم التصدعات منصبة في سياق تشكيل حزام إسناد سياسي للغنوشي الذي دخل بالفعل في صدام مع العديد من القيادات الرافضة لتمديد ولايته والتي خرجت عن صمتها بعد خلافات مكتومة.
ودأبت النهضة خلال السنوات الماضية على التكتم على الخلافات الداخلية حتى لا تتأثر قواعدها وموقعها السياسي.

ونفى كل من القيادي في الحركة ووزير الصحة السابق عبداللطيف المكي وعضو المكتب التنفيذي للحركة خليل البرعومي وجود رابط بين دعوة المنشقين والمستقلين للعودة وعريضة الـ100 قيادي.
وقال البرعومي في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية الخاصة الجمعة إنه لا علاقة لتوجيه الغنوشي دعوة للمنشقين والمستقيلين بالعودة إلى أحضان النهضة بـ''البحث عن الدعم ضد العريضة التي تطالبه بالتخلي عن رئاسة الحركة في المؤتمر القادم".
واعتبر المكي في تعليقه على وثيقة الـ100 أن ما يحدث داخل النهضة "حركية وليس انشقاقا"، مضيفا في تصريح للإذاعة الوطنية التونسية أن "العريضة كتبت بطريقة نبيلة وهادئة وفيها احترام لرئيس الحركة وحرصا على وحدتها".
وأكد أيضا أن الرسالة المسربة والمنسوبة للغنوشي وتضمنت رده على عريضة الـ100 قيادي في الحركة "صحيحة".
ورفض الغنوشي في الرسالة المسربة الإعلان عن عدم ترشحه لرئاسة النهضة في المؤتمر القادم قائلا "ما يسري على الدول لا يسري على الأحزاب"، مضيفا أنه "زعيم استثنائي وجلدته خشنة".
ويأخذ سياسيون حتى من داخل النهضة على الغنوشي الذي يتحدث باستمرار على الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي على السلطة وانتقاده للدكتاتوريات، تمسكه هو ذاته بمنصبه على رأس الحركة لعقود منذ كان اسمها الاتجاه الإسلامي، وهو ما يتناقض صراحة مع أدنى مبادئ الديمقراطية وفيه كثير من المغالطة للرأي العام وللمنتسبين للحركة.
ويقضي الفصل 31 من النظام الأساسي لحركة النهضة بأنه لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين، لكن الغنوشي لم يفارق المنصب منذ 1991.
الغنوشي رفض في الرسالة المسربة الإعلان عن عدم ترشحه لرئاسة النهضة في المؤتمر القادم قائلا ما يسري على الدول لا يسري على الأحزاب
وفيما تستعد النهضة لعقد مؤتمرها، تسود مخاوف لدى قيادات شابة ومخضرمة في الحركة تريد التجديد، من أن يطرح الحرس القديم ومن المقربين من الغنوشي مقترحا لتعديل الفصل 31 من أجل ولاية جديدة له بعد ولايتي 2012 و2016.
وكان سمير ديلو القيادي في الحركة وأحد وزرائها السابقين وأحد الموقعين على العريضة أكد ديلو الأسبوع الماضي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن وثيقة أو عريضة الـ100 تتضمن طلبا صريحا موجها للغنوشي رئيس البرلمان، بأن يعلن بشكل صريح عدم الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة وعدم تنقيح الفصل 31 من النظام الداخلي.
وقال "الموقعون على الوثيقة إنهم التزموا بعدم التعليق عليها إلى حين أن يبادر الطرف الموجهة إليه الوثيقة وهو رئيس الحركة أو من ينوبه، التفاعل معها والتعليق عليها".
وفي تصريح آخر لإذاعة موزاييك المحلية الخاصة قال ديلو إن على الأحزاب أن تساير التطور، موضحا أن الزعماء لا يمكن أن يبقوا في مناصبهم الحزبية إلى ما لا نهاية.
وتساءل في هذا السياق "لماذا نفرّق بين ما يسري على الدول وبين ما يسري على الأحزاب، لا شخص صالح لكل زمان ومكان زعيم كان أو رئيس".
وبدا لافتا من خلال الحراك والحراك المضاد داخل النهضة أن الصراع بين عدد من القيادات الشابة والمخضرمة والحرس القديم آخذ في التصاعد بعد أن خرج من الغرف المغلقة لمبنى 'مونبليزير'.
وأيا كانت طبيعة الخلاف ومآلاته فهو يشير بكل وضوح إلى حالة من الإرباك والتفكك تحاول النهضة لململتها.
والركض المحموم وراء استعادة المنشقين والمستقيلين محاولة ليس لراب التصدعات الداخلية بقدر ما هي محاولة لتحصين الغنوشي من السقوط من على رأس الحركة، فالأصوات المكتومة لم تعد مكتومة حتى وان كانت عناوينها ضخ دماء جديدة في الحركة وأهدافها تأمين المواقع والنفوذ سياسيا وحزبيا استباقا لمآلات المؤتمر القادم للإسلاميين.
ويقول ديلو إن ''الأحزاب غير الديمقراطية والتي لا تمارس الحوكمة ستكون عالة على البلاد والمؤتمرات التي تُبنى على المغالبة ستنتهي بالفشل" مشيرا للغنوشي "أكثر من يضرّ الزعماء هم من يتشبّثون بهم وفي الحقيقة من يمنح دماء للأحزاب هي الأفكار الجديدة والأشخاص الجدد والتداول والتطور".