كورونا يقلب التوقيتات الدستورية في الأردن رأسا على عقب

أزمة فايروس كورونا تؤدي إلى تأجيل انتخاب مجلس النواب إلى غاية 10 نوفمبر المقبل.
الاثنين 2020/09/14
حالة فريدة

عمان - أدى تفشي وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى رسم مشهد سياسي على غير العادة في الأردن، إذ سيكون اختيار أعضاء مجلس الأعيان قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر المقبل.

وتجرى الانتخابات البرلمانية في الأردن خلال الأشهر الأربعة التي تسبق انتهاء عمر مجلس النواب الحالي (في سبتمبر)، وذلك استنادا إلى الدستور. لكن تدابير مكافحة كورونا حالت دون ذلك.

ورغم أنها مدة دستورية غير ملزمة لعاهل البلاد الملك عبدالله الثاني في ظل استمرار الحالة الوبائية، إلا أنه أصدر قرارا بإجراء الانتخابات، وحددتها الهيئة المستقلة للانتخابات في العاشر من نوفمبر المقبل.

وتنص الفقرة الأولى من المادة 68 في الدستور على أن “مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب العام في الجريدة الرسمية، وللملك أن يمدد مدة المجلس بإرادة ملكية إلى مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على سنتين”. ورغم أن الدستور أتاح للملك خيار التمديد، إلا أنه لم يقرر ذلك.

الإعلان الملكي بإجراء الانتخابات لم يقترن بحل المجلس كما جرت العادة، وهو ما يعني أن المجلس الحالي ما زال قائما بانتظار ذلك القرار الذي يصاحبه رحيل الحكومة، وفق ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 74 في الدستور.

وتنص هذه المادة على أن “الحكومة التي يُحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها”.

ومجلس الأمة في الأردن هو البرلمان، وينقسم إلى شقين، هما: الأعيان (المُعَّين من طرف الملك) والنواب (مُنتخب).

ويتألف مجلس الأعيان، بما فيه الرئيس، من عدد لا يتجاوز نصف عدد مجلس النواب (يبلغ عدد نوابه 130)، ويعين الملك الأعضاء والرئيس مباشرة، وفق الدستور.

وكان الملك قد حل مجلس الأعيان السابق، وأعاد تشكيله في 27 سبتمبر 2016، بالتزامن مع إعلان نتائج الانتخابات النيابية للمجلس الـ18 (الحالي)، والتي جرت في العشرين من الشهر نفسه.

وتنصّ الفقرة الأولى من المادة 65 في الدستور على أن “مدة العضوية في مجلس الأعيان أربع سنوات، ويتجدد تعيين الأعضاء كل أربع سنوات ويجوز إعادة تعيين من انتهت مدته منهم”.

وبموجب النص السابق، فإن مجلس الأعيان الحالي سيتم حله وتشكيله من جديد قبل انتخاب مجلس النواب، ورغم دستورية هذا القرار المنتظر، إلا أنه يعد إجراءً غير معتاد في تاريخ المملكة، والسبب هو “كورونا”، الذي أدى إلى تأجيل انتخاب مجلس النواب.

لا تمديد للأعيان

كورونا يغيّر النظام السائد
كورونا يغيّر النظام السائد

قال  أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية (حكومية)، ليث تصراوين، إن “الدستور الأردني ينص في المادة 65 على أن عمر مجلس الأعيان أربع سنوات، ولم يعط الحق لجلالة الملك (عاهل البلاد) أن يمدد لأعضائه، بخلاف مجلس النواب”، مضيفا، “بالتالي، في 27 سبتمبرالجاري، يكون المجلس قد أنهى مدته الدستورية، وصدور إرادة ملكية بتشكيل مجلس جديد”.

وتابع أن “هذه المرة، صادف أن مجلس الأعيان سيجري تشكيله قبل انتخابات النواب، وهذا لا يعتبر مخالفة دستورية، فمجلس الأعيان أنهى مدته”، مضيفا، “المتعارف عليه، أن يتم تشكيل مجلسي النواب والأعيان معا؛ لتكون لهما نفس البداية والنهاية”.

وأوضح تصراوين “إذا كان القرار الملكي قبل موعد نهاية عمر مجلس الأعيان، وهو 27 من الشهر الجاري، فإن الملك سيصدر إرادتين ملكيتين، الأولى بحله والثانية بتشكيل مجلس جديد، أما لو كان في اليوم نفسه فسيكون هناك إرادة واحدة بالتشكيل”.

من جانبه، قال رئيس مجلس الأعيان الأسبق، طاهر المصري، إن تشكيل الأعيان قبل الانتخابات النيابية “ليست المرة الأولى التي تحدث، وجرت سابقا”، دون أن يحدد تاريخا لذلك.

واعتبر في حديث للأناضول أن وجود مجلس الأعيان في ظل إجراء انتخابات مرتقبة هو أمر مهم؛ كي لا يكون هناك فراغ دستوري، كما أن وجود “الأعيان له رمزية لوجود السلطة التشريعية”.

وشدد على أن تشكيل مجلس الأعيان قبل انتخابات مجلس النواب هو “أمر طبيعي، حتى وإن كانت هذه تصادفات لم تحدث سابقا”. واستطرد: “لا أرى أية محاذير في ذلك، خاصة وأن الأعيان يتم تعيينهم، وليس انتخاب”.

عرف دستوري

ويوضّح أستاذ القانون الدستوري في جامعة اليرموك (حكومية)، كريم كشاكش، أن “النظام الدستوري الأردني من خصائصه هو سيادة الدستور حكم القانون، أي خضوع جميع السلطات الدستورية من تشريعية وتنفيذية وقضائية لأحكام القانون الساري المفعول”، مما “يعني طائفة الحاكمين والمحكومين تخضع لسيادة الدستور والقانون، وهي من أهم مقومات الدولة القانونية”، على حدّ قوله.

وزاد بأن “رأس الدولة يخضع لسيادة الدستور وحكم القانون، وأي إرادة ملكية تصدر دون ذلك يمكن إحالتها إلى المحكمة الدستورية بناء على طلب من مجلس الوزراء أو بقرار يتخذه أحد مجلسي الأمة بالأغلبية ويكون قرارها نافذ المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية”.

وأردف كشاكش: “انطلاقا من ذلك، لا بد من وجهة نظري من احترام مواعيد المدد الدستورية وإعادة تشكيل مجلس الأعيان في موعده الذي لا يشمل التمديد والتأجيل كما هو في مجلس النواب”.

ونوه إلى أن “المصلحة العامة قد تكون مطلقة، والقرار بإعادة تشكيل مجلس الأعيان ملزم بموجب الدستور”.

وأوضح أن “أعمال مجلس الأعيان (التشريعية) تتوقف بحل مجلس النوب وفق الفقرة الثانية من المادة 66، وهنا أعتقد أن التشكيل لن يؤثر على الأدوار التشريعية لكل من مجلس الأعيان والنواب”.

وتابع “ما دام تكررت الحالة فإن ذلك ينضوي تحت ما يسمى تشكيل عرف دستوري مكمل، وهو إنشاء قاعدة دستورية جديدة لم يرد فيها نص أو أغفلها الدستور”.

إرث دستوري تشريعي

احتكام للمصلحة العام
احتكام للمصلحة العام

فايز الفايز، وهو كاتب ومحلل سياسي، قال إنه  “لا شك أن الدستور أعطى صلاحيات أساسية في المادة 36 للملك بتعيين أعضاء مجلس الأعيان، وهو ما اصطلح على تسميته بمجلس الملك، ولكنه الغرفة الثانية من مجلس الأمة، ورئيسه هو رئيس مجلس الأمة رسميا، ولذلك فإن حل مجلس الأعيان هو استحقاق دستوري، ويأتي في ظل تعاظم خطر انتشار فايروس كورونا على الأردن”.

ورأرى الفايز أن “هذا بحد ذاته يعتبر تحديا غير مسبوق يواجه السلطة التشريعية التي تنتظر إجراء انتخابات مجلس النواب، ولكن رؤية الملك منذ البداية هي التمسك بالثوابت الدستورية وعدم تأخير أو تأجيل الانتخابات أو التمديد للمجلسين، إلا إن حدث أمر مستجد”.

ولفت إلى أن “مجلس الأعيان عمره ثلاثة وسبعين عاما، فأول مجلس عام 1947 ترأسه توفيق أبو الهدى بعدد أعضاء بلغ عشرة، وحدث أن كان عمر المجلس ثماني سنوات في حقبة الخمسينيات، فيما لم يكمل مدته الدستورية عام 2010-2011 برئاسة طاهر المصري، الذي ترأسه مرة ثالثة بعد ذلك لثلاث سنوات”.

وأوضح الفايز أن “الأعيان كمجلس يمتلك حق نقض قوانين مجلس النواب، وهو العتبة التي يتكئ عليها البعض في تعطيل ما لم يستطعه النواب، ولكنه يمثل جزءا من الإرث الدستوري التشريعي، فلديه كافة اللجان كما عند النواب”.

وتابع، “هذا ما شكل تأثيرا موازيا على عديد من القوانين والقرارات الدستورية أكان سلبا أو إيجابا، ولكن في النهاية تخضع جميع القرارات القانونية لسلطة الملك بما يراه مناسبا للإبقاء على ديمومة السلطة التشريعية دون تعطيل”.

واعتبر أنه “رغم اختلاف الآراء حول التجديد أو إعادة التشكيل والصلاحيات الدستورية، أرى أن للملك دستوريا أن يحل المجلس ويعيد تشكيله بتعيين من يراه مناسبا حسب الجدارة والمنفعة التشريعية، ولهذا أصر الملك على مواجهة الوباء بتذليل الآثار الجانبية له كي لا تتوقف الحياة العامة، تماما مثلما حدث سابقا إبان الحروب والصراعات العسكرية على حدود الأردن شرقا وشمالا لسنوات طويلة”.