دعم ترامب لماكرون في لبنان لا يعني "صكا على بياض"

حزب الله يحاول مجاراة لغة الجانبين الأميركي والفرنسي، واستغلال الوضع لكسب المزيد الوقت.
الخميس 2020/09/03
بيّ الكل

بيروت – تحول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدينامو المحرك لخيوط المشهد في لبنان، في وقت تبدو القوى السياسية اللبنانية لاسيما الموجودة في السلطة في موقف ضعف، وليس عليها إلا الانصياع وتنفيذ المطالب الفرنسية.

تقول دوائر سياسية لبنانية إن تصدر الرئيس الفرنسي للمشهد في لبنان، لا يعني أن الرجل يتصرف بشكل منفرد، وبمعزل عن الولايات المتحدة، بل العكس تماما حيث أن تحركاته جميعها تأتي في إطار تنسيق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته، في ظل إدراكه بأنه لا يمكن أن ينجح في تحقيق أي من الانجازات في هذا البلد دون الدعم الأميركي.

وتشير الدوائر إلى أن ما يحدث اليوم على خط ماكرون- ترامب شبيه بما حصل في العام 2005 حينما وضع الرئيس الفرنسي أنذاك جاك شيراك يده في يد نظيره الأميركي جورج بوش الإبن، للضغط على سوريا لإخراج قواتها من لبنان، فيما بدا حينها "تكفير" من باريس عن "ذنب" معارضة التدخل العسكري الأميركي في العراق في العام 2003، والذي تسبب حينها في فتور في العلاقات بين واشنطن وباريس.

وكان التناغم في المواقف الفرنسية الأميركية بخصوص لبنان في العام 2005 والذي جاء على خلفية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي يعد صديقا مقربا جدا من شيراك، انتهى بخضوع دمشق لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 وسحب قواتها من هذا البلد، وهذا يدفع للتساؤل حول ما إذا كان الزمن يعيد نفسه وهل ستنجح الضغوط الفرنسية في إجبار حزب الله على تقديم تنازلات جدية وطرح سلاحه على طاولة النقاش؟.

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأربعاء "إننا نعمل مع الفرنسيين ولدينا نفس الأهداف والسفير ديفيد هيل كان في بيروت قبل أسابيع والتقى العديد من الزعماء"، مشيرا إلى أن "الأمور ليست على طبيعتها في لبنان ولن تكون كما في السابق".

وشدد بومبيو على "ضرورة أن تكون هناك حكومة تقوم بإصلاحات معتبرة وتحدث تغييرات كما يطالب الشعب"، معتبرا أن "نزع سلاح حزب الله يمثل أكبر التحديات".

ما يحدث اليوم على خط ماكرون- ترامب شبيه بما حصل في العام 2005 حينما وضع الرئيس الفرنسي أنذاك جاك شيراك يده في يد نظيره الأميركي جورج بوش الإبن، للضغط على سوريا لإخراج قواتها من لبنان

وحرصت فرنسا -التي على خلاف عدة دول أوروبية لم تصنف حزب الله بجناحيه تنظيما إرهابيا- على إظهار قدر كبير من المرونة مع الحزب ترجمت في تصريحات رئيسها "المنفتحة" واللقاءات التي قام بها مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة للحزب محمد رعد، خلال زيارته الأخيرة لبيروت بمناسبة إحياء ذكرى مئوية إعلان لبنان الكبير.

قابلها حزب الله بترحاب لافت حيث قال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، إن حزبه مستعد لمناقشة الاقتراح الفرنسي بشأن التوصل إلى "عقد سياسي جديد"، التي سبق وطرحها ماكرون على اللبنانيين في زيارته الأولى التي جاءت عقب انفجار بيرت المدمر في الخامس من أغسطس.

وكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن نقاشات خلف الكواليس حول صيغ جديدة للحكم في لبنان،  وتتصدر باريس طاولة البحث في هذه الصيغ، فيما لا تبدو الولايات بعيدة عن أجوائها، وتنظر إلى تحققها في إطار أشمل يشترط بالضرورة "لبننة" حزب الله، وتحوله إلى حزب مدني، وقبل ذلك ضرورة أن تكون الحكومة المقبلة خالية من أي بصمات للحزب المدعوم من إيران.

ويرى مراقبون أن ترك الولايات المتحدة المجال مفتوحا أمام فرنسا لترتيب المشهد اللبناني، لا يعني بالمرة أنها منحتها "صكا على بياض" وإلا لكانت أوكلت لها الوساطة في ملفات شائكة مثل ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان.

وفي رد على تصريحات سابقة للرئيس الفرنسي بشأن حزب الله قال المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أن الحزب لايزال يشكل "تهديدا كبيرا". وقالت مورغان أورتاغوس لشبكة "الحرة"، الأربعاء، إن "حزب الله المدعوم من إيران هو منظمة إرهابية لا تزال تشكل تهديدا كبيرا للولايات المتحدة وشركائها الدوليين".

وكان موقع "بوليتيكو" نقل عن ماكرون، في إطار دفاعه عن موقفه الساعي للتحدث إلى كافة الأطراف في لبنان ومن بينها حزب الله، قوله "إذا واجهنا القوة بالقوة، يعد ذلك تصعيدا" ويؤدي إلى حرب.

وأضاف "لا تطلبوا من فرنسا أن تشن حربا على قوة سياسية لبنانية.. سيكون ذلك عبثيا ومجنونا"، في إشارة إلى حزب الله الذي تصنفه الولايات المتحدة ودول أخرى منظمة إرهابية.

ولا يستبعد البعض في أن يكون هناك اشبه بعملية توزيع أدوار بين باريس وواشنطن، ففيما تبدي الأخيرة انفتاحا على حزب الله وتساهلا معه، لترك المجال أمام فرص التوصل إلى توافقات، تتشدد الأخيرة في موقفها حياله وتضاعف من ضغوطها عليه.

وفي خضم كل ذلك يحاول الحزب مجاراة لغة الطرفين، واستغلال الوضع لكسب المزيد الوقت ولكن السؤال يبقى إلى متى؟ ففترة السماح الفرنسية قصيرة أقصاها 3 أشهر، وفي حال لم يقم حزب الله وحلفائه بما هو مطلوب على صعيد تشكيل حكومة "اختصاصيين" لايحشرون أنفسهم فيها والانطلاق في ورشة الاصلاحات فإنه سيجد أمامه وجها فرنسيا مختلفا؟.