ماذا لو بقي إيليا كازان وجورج ميللر في تركيا؟

هجرة مبكرة إلى الولايات المتحدة وأستراليا صنعت مخرجيْن استثنائيين.
الجمعة 2020/08/07
لو لم يستقر جورج ميللر بأستراليا لما كانت سلسة "ماد ماكس"

بين المخرجين إيليا كازان وجورج ميللر شبه عجيب، فكل منهما ينحدر من عائلة ذات أصول يونانية أناضولية، هاجرت الأولى إلى الولايات المتحدة، بينما هاجرت الثانية إلى أستراليا، لينحت كل منهما مساره الاستثنائي في عالم صناعة السينما العالمية، فماذا لو بقي المخرجان إيليا كازان وجورج ميللر في تركيا؟ فهل كانا سيحوزان كل هذا الصيت؟

كلنا نحبس أنفاسنا، بانتظار مشاهدة أحدث فيلم لكريستوفر نولان “عقيدة” (تينيت) في دور السينما. ونظرا لأن جائحة كورونا أخّرت إعادة افتتاح دور السينما، فقد قامت أستوديوهات هوليوود ببيع أفلامها الصيفية إلى نتفليكس دون تلقي أي ربح تقريبا.

لكن نولان يقاوم، فهو واحد من المخرجين القلائل الذين يصنعون أفلاما للشاشة الفضية. لكننا سننتظر لأنه ليس لدينا شيء آخر نفعله.

وبينما ننتظر، تورّط نولان بالفعل في فضيحة صغيرة، حيث كشفت آن هاثاواي التي عملت معه في عام 2014 في فيلم “إنترستيلار” أن نولان كان يعمل دون الجلوس على كرسي، وعند هذه اللحظة تكشّف الأمر كله.

وهذا يثير التساؤل وهو كيف يخرج نولان الأفلام دون كرسي المخرج؟ سيقول لك أي شخص إن مهنتهم تتطلّب الكرسي، وإن مخرجي الأفلام ليسوا استثناء. يقولون إن الإخراج هو أصعب شيء في العالم، وبالتالي يجب أن يكون المخرج شابا. ولكن مثل من؟ مثل إيليا كازان، المألوف للجماهير التركية.

ولد كازان نفسه في حي اليهود في إسطنبول، لكنّ والديه ينحدران من أصول يونانية أناضولية، جورج وأثينا كازانجي أوغلو، ولدا وعاشا في قرية فقيرة في مقاطعة قيصري التركية.

كازان كان له الفضل في اكتشاف جيمس دين ومارلون براندو، ليصبحا من الأسماء اللامعة في عالم السينما العالمية
كازان كان له الفضل في اكتشاف جيمس دين ومارلون براندو، ليصبحا من الأسماء اللامعة في عالم السينما العالمية

كازان الملهم

في عام 1917، عندما كان كازان في التاسعة من عمره، هاجرت العائلة إلى الولايات المتحدة. قام كازان بغسل الأطباق وتنظيف الطاولات في مطعم والده في مدينة نيويورك بينما كان يدرّس المسرح في مدرسة ييل للدراما.

وفي وقت لاحق أسّس أستوديو مع لي ستراسبيرغ وشيريل كراوفورد في عام 1947، وقدّم منهج ستانيسلافسكي للتمثيل بالولايات المتحدة، واكتشف جيمس دين ومارلون براندو، وأخرج مسرحيات تينيسي ويليامز في برودواي للمرة الأولى.

انتقل إلى إخراج حوالي 20 فيلما، بما في ذلك روائع مثل “شرق عدن” (إيست أوف إيدن) و”على الواجهة البحرية” (أون ذا ووتر فرونت) و”أميركا أميركا” و”فيفا زاباتا”.

ويتضمن كتاب كازان “أون دايركتينغ” مقطعا يقول فيه إنه لا يملك طاقة لتصوير فيلم “بيوند ذا إيجيان”، وهو فيلم تصوّره على أنه تكملة لـ”أميركا أميركا” يروي قصة هروب عائلته من تركيا إلى الولايات المتحدة.

كان ابنه كريس قد كتب السيناريو للفيلم، وقرّرا عدم تصويره في الواقع لأنهما لم يتمكنا من تأمين التمويل اللازم له. ومع ذلك، عمل كازان بجد لإخراجه إلى النور، على الرغم من كونه تجاوز سن الـ80 في ذلك الوقت.

وفيما يلي نسرد كلماته من فصل “المخرج وطاقته” من الكتاب، حيث قال “لا أتطلّع الآن للذهاب إلى تركيا والاستمرار في تصوير فيلم ‘أميركا أميركا’. فأنا متخوّف قليلا. ولكن عندما سأفعل ذلك، أتمنى أن أتمكّن من العيش في رفاهية وفخامة فندق هيلتون إسطنبول مع زوجتي أثناء التصوير”.

وتابع “في الماضي، بحثت عن مواقع بدائية. كان من ضمن معتقداتي الفنية أن عدم الارتياح كان ضروريا؛ لأننا إذا شعرنا بالراحة أثناء التصوير، فإن الفيلم لن يكون ناجحا بالقدر الكافي. اعتدت أن أحب التصوير في المطر. لكن الآن أنا أحمي نفسي، وأقدّر الراحة. الحقيقة هي أنني أخطّط للذهاب إلى تركيا وليسفوس، وهي جزيرة لا يوجد بها فندق لائق في منتصف الطريق، وأصوّر المقطع الأكثر ضراوة من قصة حياتي. فيلم مستحيل في مكان مستحيل، مع جيوش يتلقفها النصر والهزيمة، ومدينة دمرتها النيران”.

ميللر والحلم المستحيل

كان المؤلف الشهير جورج ميللر، طفلا لعائلة يونانية أناضولية هاجرت من الأناضول، ولكن إلى أستراليا بدلا من الولايات المتحدة. ولكن هذا هو التشابه الوحيد مع قصة كازان. لأنه بينما وصل ميللر لسن الـ80، تصبح أفلامه أصغر سنا وأكثر نشاطا.

سيتذكّر المشاهدون ميللر باعتباره مبتكرا ومخرجا لسلسلة “ماد ماكس”. ويعتبر أحدث إصدار في السلسلة، “ماد ماكس: فيوري رود” لعام 2015، أحد أفضل أفلام الحركة على الإطلاق.

المشاهدون سيذكرون جورج ميللر باعتباره مبتكرا ومخرجا لسلسلة "ماد ماكس" أحد أفضل أفلام الحركة على الإطلاق
المشاهدون سيذكرون جورج ميللر باعتباره مبتكرا ومخرجا لسلسلة "ماد ماكس" أحد أفضل أفلام الحركة على الإطلاق

كيف يمكن أن يكون فيلم “ماد ماكس: فيوري رود” المليء بالإثارة، والذي يصوّر مطاردة مستمرة من أحد طرفي الصحراء إلى الطرف الآخر، من بنات أفكار المخرج المسن لا يزال لغزا بالنسبة للكثيرين، بما في ذلك المخرج ستيف سودربرغ الذي تساءل “كيف لم يمت المئات من الأشخاص أثناء التصوير؟”.

ووفقا لكايل بوكانان، الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز، كان صنع “ماد ماكس: فيوري رود” جنونا مطلقا. وفي الفيلم، يكره النجمان توم هاردي وتشارليز ثيرون بعضهما البعض.

نفد الإنتاج من المال وتم إلغاء الفيلم ثلاث مرات. قام وارنر بروس، الذي موّل الفيلم، بتغيير مديريه التنفيذيين. وبعد الحصول على المزيد من التمويل، قام طاقم العمل بنقل المئات من السيارات إلى أستراليا من أفريقيا ثم عادوا مرة أخرى في هذه الحرارة الصحراوية والبرودة والعواصف الرملية التي لا نهاية لها. أي شخص عادي سيعاني من نوبة قلبية أو يصاب بالسرطان عدة مرات خلال هذه المحنة بأكملها.

ربما كان يستشير طبيبا جيدا أيضا له علاقة به، لكن ميللر لم ينته من هذا الفيلم الذي يبدو مستحيلا فحسب، بل استحوذ أيضا على قلوب المنتقدين والجمهور. كما حصل على عدد من جوائز الأوسكار في الفئات التقنية.

سيتوقف أي شخص آخر عن العمل ويتمتع بالتقاعد في تلك المرحلة. أو إذا لم يتمكنوا من العيش دون العمل في مجال الإخراج، فإنهم سيصنعون أفلاما سهلة. ولكن وعلى الرغم من ذلك، أعلن ميللر أنه سيصنع فيلم “ماد ماكس” آخر، هذه المرة يركز على السنوات الأصغر لبطلة الرواية اﻹمبراطورة فيوريوسا.

ما زلت أفكر في ما كان سيحدث إذا لم يهاجر أفراد عائلتي كازان وميللر إلى الولايات المتحدة أو أستراليا وبدلا من ذلك بقوا في الأناضول؟

عندما أتخيل أن إيليا كازان يغيّر اسمه إلى إلياس لتجنب أن يُلقّب بالكافر، ثم يبحث عن صديق يمكنه مساعدته حتى يتمكن من الحصول على منحة قيمتها 10 آلاف دولار من وزارة الثقافة، أو أن يتعامل جورج ميللر مع المنتجين الذين يصرّون على تصوير كل شيء أمام شاشة خضراء، لا يسعني إلاّ أن ابتسم.

أتمنى أن يصنع شخص ما فيلما بعنوان “جورح وإيليا” في الأناضول حتى نتمكن من الضحك على سوء حظنا المأساوي.

16