بايدن يهدد بإنهاء شهر العسل مبكرا مع القاهرة

الحزب الديمقراطي الأميركي يستعد لتصفية حسابات سياسية مع مصر.
الثلاثاء 2020/07/14
مصر ضمن دعايتي الانتخابية

لم تستقر علاقات مصر مع الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، إلا في فترات قصيرة، وكانت ورقة المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى القاهرة ورقة ضغط منذ ثمانينات القرن الماضي، واليوم ترفع أقطاب سياسية أميركية ورقة جديدة بوجه القاهرة.

القاهرة – جددت تغريدة المرشح الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة جو بايدن الجراح السياسية بين الديمقراطيين والقاهرة، حيث أدان على حسابه على تويتر وضع الحريات في مصر والعلاقة الوطيدة التي تربط غريمه الرئيس دونالد ترامب بالرئيس عبدالفتاح السيسي.

وأوحت تغريدة بايدن أن وصوله إلى البيت الأبيض يعني انتهاء ما يوصف بـ”شهر العسل” بين واشنطن والقاهرة، والعودة إلى مربع الأزمات بين الجانبين، والذي تراجع كثيرا عقب وصول ترامب إلى السلطة خلفا لباراك أوباما. 

وكتب بايدن “إن اعتقال وتعذيب وإبعاد الناشطين في مصر مثل سارة حجازي، ومحمد سلطان، وتهديد عائلاتهم أمر غير مقبول، ولم تعد هناك شيكات دون رصيد للدكتاتور المفضل لدى ترامب”، في إشارة إلى أن الرئيس الأميركي الحالي لا يتعامل بصرامة مع أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

مصطفى كامل السيد: من المتوقع أن يسير بايدن على نهج أوباما تجاه مصر
مصطفى كامل السيد: من المتوقع أن يسير بايدن على نهج أوباما تجاه مصر

وتوقع متابعون أن تعود سياسات أوباما مع مصر، مع فوز بايدن، والتي اتسمت بالتوتر الشديد، حيث وقفت إدارته السابقة مع جماعة الإخوان المسلمين التي أسقطها الشارع المصري في ثورة شعبية عارمة مدعومة من الجيش، وأدرجتها القاهرة على قوائم التنظيمات الإرهابية، ورفض الرئيس السابق باراك أوباما الاعتراف بذلك، وظلت علاقته متوترة بالسيسي حتى رحيله عن البيت الأبيض منذ أربعة أعوام.

وحبست القاهرة أنفاسها في الانتخابات الأميركية السابقة، وكانت تخشى فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، والتي شغلت منصب وزيرة الخارجية في الولاية الثانية لأوباما، وعُرفت بأنها أحد أهم رعاة مشروع الإخوان للتمدد في مصر والمنطقة.

وارتاح الرئيس السيسي لفوز الجمهوري ترامب، ومضت العلاقة بينهما على قدر من الانسجام في معاداة الجماعات المتطرفة ومكافحة الإرهاب، وحتى مجال الحريات لم يكن محل خلافات كبيرة من واشنطن.

وانتقدت تقارير حقوقية أميركية كثيرة وضع الحريات والسجون في مصر الفترة الماضية، الأمر الذي تعاملت معه إدارة ترامب بقدر من عدم الاكتراث، ما أثار حنق الديمقراطيين وجعلهم ينظرون إلى موقفها على أنه “تواطؤ” سياسي متعمد مع القاهرة.

وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ”العرب” أن فوز بادين لن يؤثر على القاهرة، واستمرار ترامب لا يعني انتفاء التوترات تماما، فإذا تمكن المرشح الديمقراطي من الوصول إلى البيت الأبيض لن يستطيع تكرار سياسات أوباما – هيلاري السابقة.

وجرت مياه سياسية كثيرة في النهر داخل مصر وما حولها، أهمها أن النظام ثبت أركانه جيدا، وأعاد ترتيب أوراقه في الداخل والخارج، بما يجعل من الصعوبة النيل منه في ملف الحريات وحقوق الإنسان، وأصبح الجدل حولها صاخبا في أميركا نفسها.

وأضافت المصادر ذاتها أن الركيزة الرئيسية التي اعتمدت عليها واشنطن في عهد أوباما، وهي الإخوان، جرى تكسير عظامها السياسية والأمنية، ولن تتمكن من ممارسة أدوارها المعتادة في الضغط على أجهزة الدولة، ناهيك عن الأزمات التي تعاني منها واشنطن في المنطقة، والتي سوف يرثها بايدن وتقيد تحركاته.

وعبر مراقبون عن توقعهم بأن تكون تغريدات جو بايدن على تويتر موجهة للداخل الأميركي وليس المقصود بها النيل من مصر الآن، ففي ظل احتدام المنافسة مع ترامب يحاول المرشح الديمقراطي استخدام كل الأدوات الممكنة لتسجيل النقاط في مرمى الحزب الجمهوري، وإثارة الرأي العام الأميركي ضده، كحزب يميني متطرف لا يعبأ بالحريات ويشجع من يقومون بتصرفات منافية لها.

ويشير هؤلاء إلى أن هذه النقطة تتلاقى مع الحماس الديمقراطي اللافت لتوظيف انتهاكات الجمهوريين ضد السود، وهي زاوية تمس جوهر حقوق الإنسان. ولا يعني ذلك أن المعركة السياسية بين الديمقراطيين والقاهرة مستبعدة، ففي ظل تنامي قوة النظام المصري على أصعدة عسكرية وأمنية واقتصادية، ربما تحدث مناوشات تتحول إلى مواجهة مباشرة، ما لم تتنصر شبكة المصالح المعقدة.

كما أن مصر اليوم ليست هي التي كانت منذ عشر سنوات، حيث تمكنت من نسج شبكة قوية من العلاقات مع دول كبيرة، تستطيع المناورة بها في مواجهة واشنطن، التي أيضا لم تعد هي نفسها منذ خمس سنوات، تتحكم في مفاتيح قضايا عديدة.

هل ينتهي الربيع المصري الأميركي
هل ينتهي الربيع المصري الأميركي

ورجح أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة مصطفى كامل السيد أن يسير بايدن على نهج أوباما تجاه مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، حيث يضم فريق مستشاريه المتخصصين في ملف الشرق الأوسط عددا ممن يسمون بـ”التقدميين”، المعروفين بتحيزهم لقضايا حقوق الإنسان، ووصوله إلى الحكم يعني اتخاذه لمواقف حاسمة من الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان بوجه عام.

وأوضح السيد في تصريح لـ”العرب” أن وصوله إلى البيت الأبيض لا يعني تغييرا أميركيا جذريا في العلاقات مع مصر، وأن الظهور المتوقع لقضايا حقوق الإنسان على السطح ستقابله مواقف مجاملة من البنتاغون تجاه القاهرة، باعتبار أن مصر أول من وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، ولديها رؤية نشطة في مكافحة الإرهاب.

لكن قد يتعرض النظام المصري لهجوم آخر من قبل أعضاء في الكونغرس، ما يجعل التوازن الذي حققه ترامب بوصوله إلى السلطة يتأثر حال فاز بايدن في الانتخابات.

مع ذلك لا تشغل السياسة الخارجية حيزا كبيرا في حملات الدعاية الانتخابية الأميركية، وقد تنصب على محاولات إسرائيل ضم أجزاء جديدة من الضفة الغربية. وأكدت الخبيرة في الشؤون الأميركية نورهان الشيخ أن العلاقات المصرية مع الديمقراطيين تتسم دائما بالتوتر، والقاهرة أقرب إلى الجمهوريين، خاصة أن عودة الحزب الديمقراطي سوف تكون مقترنة هذه المرة بتقارب مع الإسلاميين.

وقالت الشيخ لـ”العرب” إن شخصية الرئيس الحالي ترامب أحدثت تغييرات مهمة في السياسة الخارجية الأميركية، بالرغم من أن مساهمة أي رئيس لا تتجاوز 30 في المئة، لكنها جاءت في صالح القاهرة، فاستمرار المطالبة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان لم يتضمن هجوما مباشرا على مصر.

ولا يستبعد حدوث تغيير في تصورات الولايات المتحدة التي اتخذت موقفا يرفض التدخل في سياسات الدول مع وصول بايدن إلى السلطة، وأن القاهرة قد تواجه ضغوطا تتركز على توجهاتها المرتبطة بتنظيم الإخوان، بعد أن ارتكنت ممارسات إدارة ترامب على القرارات الاقتصادية المتعلقة بصفقات الأسلحة من دون أن تنخرط بشكل أكبر في التصرفات العامة لدول الشرق الأوسط.

7