هل ينعطف ماكرون باتجاه "أنصار البيئة" لإنقاذ شعبيته المتعثرة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يكلّف جان كاسيتكس بتشكيل حكومة جديدة.
السبت 2020/07/04
خزان انتخابي لم يعد بالإمكان تجاهله

فرض اكتساح أحزاب الخضر للانتخابات البلدية معادلة سياسية جديدة على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الساعي لإنقاذ شعبيته المتعثرة في ما تبقى من فترة ولايته. ولبلوغ هذا الهدف وجد ماكرون نفسه مجبرا على تشكيل حكومة جديدة يسعى من خلالها إلى استيعاب هذه المتغيرات لكسب أصوات الناخبين، لكن ذلك لا يبدو سهلا.

 باريس - عين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة، اليميني جان كاسيتكس رئيساً للحكومة بديلاً عن إدوار فيليب وكلفه بتشكيل فريق جديد، في وقت تتصاعد فيه التكهنات بدخول أنصار البيئة (الخضر) للكابينة الحكومية المرتقبة بعد اكتساحهم للانتخابات البلدية الأخيرة مقابل تراجع حاد لحزب الجمهورية إلى الأمام الحاكم.

ووضعت الانتكاسة الانتخابية، الرئيس الفرنسي أمام خيارين: إما التقرب من أحزاب الخضر المدافعين عن البيئة وبالتالي منحهم مناصب في الحكومة المقبلة، وهذا سيدفعه إلى اتباع البعض من أنصار السياسة الاشتراكية الاجتماعية، أو بقائه صامدا على خطه الليبرالي ومواصلة مغازلة أصوات اليمين المحافظ وهذا سيضعه بالتالي في مواجهة الحركات الاجتماعية التي ستخلفها أزمة كورونا.

وكان كاسيتكس البالغ من العمر 55 عاماً مساعدا للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، وهو ينتمي إلى حزب الجمهوريين ويرأس بلدية براد في جنوب غرب فرنسا، كما عُين منذ أبريل مفوضاً مشتركاً بين الوزارات لشؤون رفع إجراءات العزل الذي فرضته كورونا.

وسيكون هذا الرجل صاحب الملف الشخصي المجهول حتى الآن، مسؤولاً عن تنفيذ التوجهات التي قررها ماكرون حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2022، فيما يعتزم الرئيس تحقيق تغييرات جديدة.

وقال الرئيس الفرنسي الجمعة “سينبغي علي أن أتخذ خيارات لقيادة المسار الجديد. إنها أهداف جديدة للاستقلالية وإعادة البناء والمصالحة وطرق جديدة للتنفيذ. في الخلف، سيكون هناك فريق جديد”.

ومنذ وصوله إلى الحكم في 2017، قام ماكرون بعدة إصلاحات مثيرة للجدل على غرار التأمين ضد البطالة وواجه أزمات عدة بينها أزمة السترات الصفراء والأزمة الصحية المرتبطة بتفشي وباء كورونا، ما ساهم في تراجع شعبيته.

إيمانويل ماكرون: سينبغي علي أن أتخذ خيارات جديدة لقيادة المسار الجديد
إيمانويل ماكرون: سينبغي علي أن أتخذ خيارات جديدة لقيادة المسار الجديد

ويعزو مراقبون هذا التراجع لماكرون إلى عدم الرضا عن سياساته الاقتصادية وطريقة إدارته لأزمة جائحة كورونا وغير ذلك من الملفات، فضلا عن الاحتجاجات التي ضربت فرنسا.

وسيكون على الحكومة الجديدة تنفيذ البرنامج السياسي الجديد مع التركيز في الخلفية على الانتخابات الرئاسية في العام 2022، بعد انتكاسة حزب الجمهورية إلى الأمام الحاكم خلال الانتخابات البلدية التي جرت الأحد والتي تعتبر اختبارا لشعبية الحكومة وتقييما لسياستها.

وقبل عام، كان ماكرون يأمل أن تساعد الانتخابات المحلية على تدعيم أركان حزبه الجديد في بلدات ومدن فرنسا، بما في ذلك العاصمة باريس، قبل سعيه للفوز بفترة ولاية ثانية في الانتخابات المقررة في 2022، لكن معاونيه قللوا في الآونة الأخيرة من حجم التوقعات.

ولم تكن استقالة الحكومة الفرنسية برئاسة فيليب مفاجئة، إذ أنها تأتي عقب إعلان الرئيس الفرنسي اعتزامه إجراء تعديل وزاري، فيما يتوقع مراقبون أن يعزز خلاله ماكرون تواجد قيادات الخضر، أبرز الفائزين بالانتخابات المحلية، ضمن كابينته الحكومية لكسب أصوات الناخبين، لكن المهمة لا تبدو سهلة.

ويجب أن يؤمّن الرئيس، الذي تنتهي ولايته في 2022، توازناً هشّاً بين رغبة الجناح اليساري داخل حزبه في تبني توجه بيئي، والخيارات الليبرالية التي طبعت بداية ولايته، فيما شهدت الأسابيع الأخيرة عدة انشقاقات لنواب من حزبه أدت إلى خسارته الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان).

وتؤثر الانتخابات البلدية، رغم طابعها المحلي، على السياسة العامة في فرنسا؛ فمجلس الشيوخ الذي يعتبر الغرفة الثانية للبرلمان يعتمد في انتخاب نصف أعضائه على تصويت الفائزين في الانتخابات البلدية وهذا يؤثر على قوة وثقل البرلمان في المستقبل.

وحقق الخضر والتحالفات بين اليسار والخضر انتصارات كبيرة في انتخابات الجولة الثانية في جميع أنحاء فرنسا في 28 يونيو الماضي، بينما خسر حزب تيار الوسط بزعامة ماكرون في أول انتخابات محلية له.

وثبّت الخضر أنفسهم عبر هذه الانتخابات كأكبر قوّة يسارية في فرنسا، تواصلا لعملية إعادة ترتيب المشهد السياسي في عدة دول أوروبية حيث يحقق أنصار البيئة تقدما مع ازدياد أهمية قضية المناخ، فيما يوجد وزراء خضر في السويد وفنلندا والنمسا، ويحققون صعودا في ألمانيا.

ويأتي البروز الجديد لليسار في صورة الأحزاب البيئية في وقت صار فيه قسم من الرأي العام ينظر إلى حزب ماكرون على أنه ينفّذ سياسة قريبة من اليمين، وذلك بعد أن حقّق نجاحه بتبنّي سياسة وسطية.

ويعيد ماكرون تشكيل الحكومة في وقت تواجه فيه فرنسا أشد ركود اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية وتراجعا حادا سيؤدي إلى انكماش الاقتصاد بنحو 11 في المئة في 2020 ويمحو مكاسب تحققت بصعوبة لخفض نسبة البطالة.

5