لبنان الغارق في الديون ينزلق إلى انفجار اجتماعي

بيروت ـ يتخوف مراقبون في لبنان من ارتفاع معدلات الجرائم في لبنان وهو ما ينبئ بانفجار اجتماعي اضافة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بالبلاد، إذ اهتزت الآمال في بدء الإصلاحات بفعل ما يقول منتقدون للحكومة إنه توزيع طائفي للمناصب في الدولة يظهر رفض النخبة السياسية للتغيير.
ومع ارتفاع وتيرة جرائم القتل وسرقة الشقق السكنيّة والسيّارات، واستخدام السلاح في خلافات فردية بمناطق مختلفة، تتصاعد مخاوف من انتشار أوسع ومكثف لهذه الجرائم، في ظل أوضاع متأزمة يعانيها اللبنانيون.
عودة هذه الظواهر، التي كانت قد تراجعت في السنوات الماضية، ربطها مراقبون بتردي الأوضاع المعيشيّة، حيث يعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 - 1990).
وتعيش غالبيّة المناطق اللبنانيّة في خوف كبير، في ظل ارتفاع عدد المتسوّلين، واقتحام منازل بقوّة السلاح والنشَلَ وسرقة سيارات نهارا، ما يدلّ على عدم اكتراث الجناة بالعواقب القانونية لجرائمهم.
يقول محمد شمس الدين، باحث بالشركة الدوليّة للمعلومات (غير حكوميّة)، إن "حوادث السرقة، من نشَلَ ومنازل، ارتفعت 20 بالمئة عن العام الماضي، إذ بلغت 704 حالات سرقة خلال أشهر يناير وفبراير ومارس وأبريل 2020".
وحول عدد السيارات المسروقة خلال الأشهر الأربعة، أفاد بأن "سرقة السيارت ارتفعت بنسبة 46 بالمئة، ليصل عدد السيارات المسروقة إلى 230، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث سُرقت 157 سيارة".
واستنادًا إلى دراسة أجراها، يوضح شمس الدين أن "جرائم القتل ارتفعت بنسبة 103 بالمئة، ليصل عددها إلى 118 حالة، وبالتالي هناك 30 حالة قتل إضافيّة عن العام الفائت".
ويضيف شمس الدين أن "هناك نحو 1.1 مليون لبناني، أيّ 25 بالمئة من اللبنانيين، يعيشون تحت خط الفقر، أي أن دخلهم لا يكفي لتوفير كميّات الغذاء الصحّي والضروري".
ويردف: "قبل انتفاضة 17 أكتوبر الماضي، كان عدد العاطلين عن العمل 350 ألفًا، أيّ 25 بالمئة من حجم القوى العاملة، ومنذ ذلك الوقت وحتى أبريل 2020 خسر 80 ألف موظف أعمالهم، وبات عدد العاطلين 430 ألفًا، أي 32 بالمئة، وهناك 220 ألف موظّف لا يزالون في وظائفهم، لكن يتقاضون بين 25 أو 50 أو 75 بالمئة من رواتبهم".
ويزيد بقوله: "بلغ عدد المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة والكبيرة التي أُغلقت 8 آلاف".
ويشهد لبنان احتجاجات شعبية غير مسبوقة، تطالب برحيل الطبقة السياسية، التي يحملها المحتجون المسؤولة عن "الفساد المستشري" في مؤسّسات الدولة، والذي يرون فيه السبب الأساسي للانهيار المالي والاقتصادي.
وتعليقًا على تلك النسب المقلقة، يقول مصدر أمني طالبًا عدم نشر اسمه، إن "السرقات التي سجّلتها القوى الأمنيّة في أخر خمسة أشهر من العام الماضي وأوّل خمسة أشهر من هذا العام، ارتفعت 32.7 بالمئة".
ويتابع: "مبدئيًّا المنازل هي الأكثر عرضة للسرقة، خصوصًا مع توجّه معظم سكان المدينة إلى الأرياف في الصيف.. ولم نلحظ أرقام مرتفعة جديدة، وغالبيّة أعمال السرقة يرتكبها أصحاب سوابق ومدمنون على المخدرات".
ويشدّد على أن "الجهّات الأمنيّة تلاحق المجرمين والعصابات وتعاقبهم على أفعالهم.. عصابات سرقة الصيدليّات، التي حصلت في الآونة الأخيرة، تمّ سوقهم إلى العادلة".
ولم يخفِ المصدر أنّ "هناك مشكلات اجتماعيّة تخيّم على البلاد"، لكنّه شدد على أن "الأمن تحت السيطرة".
ولموجهة تداعيات الأزمة الاقتصاديّة وجائحة فايروس كورونا المستجد، أقرّت السلطات اللبنانيّة أواخر مايو الماضي، قانون لفتح اعتماد بقيمة 1200 مليار ليرة (نحو 796 مليون دولار) لدعم شبكة الأمان الاجتماعي، كما وزعت مساعدات ماليّة على 180 ألف عائلة لبنانيّة.
وجاءت هاتان الخطوتان، بحسب مراقبين، في وقت متأخر، لا سيّما وأنّ العملة المحليّة سجّلت تراجعات حادّة إلى 4 آلاف ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد بالسوق الموازية (غير الرسمية)، مقابل 1507 ليرات لدى البنك المركزي.
ومنعًا لتفاقم معاناة الأسر اللبنانية، تعمل جمعيّات خيرية محلية ومنظمات دوليّة على تأمين مواد غذائيّة.
وتقول رئيسة قسم التسويق والعلاقات العامّة في جمعيّة "بنين" الخيريّة (غير حكومية)، فيرنا جبور، إن المساعدات وصلت إلى 11 ألف عائلة.
وتضيف جبور: "الطبقة الوسطى هي الأكثر تضرّرًا، لذلك الطلب على المساعدة في الجمعيّة ارتفع بنسبة 200 بالمئة".
وتتابع: "نضع في صناديق الإعاشات المواد الغذائيّة الأساسيّة، التي لا يمكن الاستغناء عنها، كالأرز والمعلّبات والحبوب، بالإضافة إلى مواد تعقيميّة، خصوصًا مع انتشار كورونا".
من جهتها، توضح المتحدّثة باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في لبنان، هدى السمرا، أن "نسبة طلب المساعدة الإغاثيّة (صحيّة، ماليّة، تربويّة) من جانب اللاجئين الفلسطنيين زادت بشكل ملحوظ مع خسارة عدد غير مستهان به من المياومين (العاملين بأجر يومي) مدخولهم بسبب الأوضاع في لبنان".
وتردف في حديثها: "جائحة كورونا لديها تداعيات سلبيّة، ولا سيّما مع إعلان التعبئة العامّة (لمواجهة الفايروس)، ممّا أدّى إلى تراجع مدخول أهالي المخيّمات الذين يعانون من التهميش والفقر والبطالة".
ويعيش نحو 174 ألف لاجئ فلسطيني في 12 مخيما و156 تجمعا بمحافظات لبنان الخمس، بحسب أحدث معطيات لإدارة الإحصاء المركزي اللبنانية لعام 2017.
وتستطرد السمرا: "جرّاء هذا الوضع رُفع نداءٌ عاجلٌ إلى الأونروا للتمويل خلال مارس الماضي، وكانت قيمته التقريبيّة 17 مليون دولار لكافّة أماكن تغطية الأونروا".
وتأسست "أونروا" بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، وهي: الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وتقدم خدماتها حاليا لنحو 5.4 ملايين لاجئ.
وتتابع: "لم نحصل على التمويل المطلوب، لذلك في الشهر الماضي (مايو)، ومع تأزّم الأوضاع، جدّدنا النداء العاجل للتمويل، ورفعنا قيمته إلى 93 مليون دولار، وهذا النداء يغطي حاجات الأونروا من مارس إلى يوليو".
ووفق لانا قصقص، أخصائية نفسيّة واجتماعيّة، فإن "الفقر والعوز المالي من أبرز الأسباب التي تدفع الشخص إلى السرقة، لاسيّما وأنّ من يقدم على هذه الخطوة لا يملك وظيفة يعتاش منها".
وتضيف في تصريحات صحفية: "العامل الاقتصادي مهم، لكنّه لا يُحدّد السلوك الاجتماعي، فالفقر يأتي مصحوبًا بالجهل والحرمان معًا، وما ينجم عن ذلك من ممارسات خاطئة، في ظلّ غياب الاستقرار الاجتماعي".
وختمت بالتحذير من "ارتفاع نسبة هذه الظاهرة (السرقة)، مع تنامي البطالة والغلاء الفاحش".
ويرفع المحتجون في لبنان مطالب اقتصادية وسياسية، وأجبروا حكومة سعد الحريري على الاستقالة، في 29 أكتوبر الماضي، وحلت محلها حكومة حسان دياب، في 11 فبراير الماضي.
وأقرت حكومة دياب، في 30 أبريل الماضي، خطة إنقاذ اقتصادية، تستمر خمس سنوات، وبدأت في 11 مايو الماضي، مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على تمويل لمعالجة أزمة اقتصادية دفعت لبنان إلى تعليق سداد ديونه الخارجية.