تركيا تمد سياسة إقصاء الليرة السورية تجاريا إلى إدلب

الخطوة تهدف إلى تعزيز عزلة مناطق المعارضة اقتصاديا بعيدا عن فلك دمشق.
الجمعة 2020/06/12
خارج الاقتصاد الرسمي

كرست أنقرة هيمنتها المالية القمعية تجاه دمشق عبر فرض التعامل بالعملة التركية في مناطق سيطرة المعارضة لتمتد هذه المرة إلى محافظة إدلب، الأمر الذي ينذر بزيادة اختناق الاقتصاد السوري المنهار بفعل تهاوي الليرة وانسداد كل آفاق الخروج من ورطة الحرب المستمرة منذ تسعة أعوام.

إدلب (سوريا) - تلقى الاقتصاد السوري ضربة جديدة مع إعلان ما يُسمى بالحكومة المؤقتة المدعومة من تركيا بأنها ستلغي العملة المحلية من التعاملات التجارية في المناطق التي تسيطر عليها شمال البلاد.

وتعتبر هذه الخطوة تكريسا لسياسة اعتمدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في محافظة حلب من أجل الهيمنة بشكل أكبر على مفاصل الاقتصاد السوري المشلول أصلا.

وبررت الحكومة المؤقتة، التي تدير شؤونها من محافظة إدلب، إحلال الليرة التركية في التعاملات التجارية والخدمات بأن الليرة السورية لم يعد لها أي قيمة.

واعتبر محللون أن الخطوة تؤكد تعمد تركيا ضرب العملة السورية أكثر بهدف تعزيز عزلة إدلب بعيدا عن سيطرة نظام بشار الأسد، وما له من تبعات تشمل تغيير خارطة الاقتصاد في البلاد بشكل تدريجي.

وكشفت الحكومة المؤقتة الخميس أنها بدأت بتسعير بعض المواد الأساسية بالليرة التركية والدولار الأميركي، بعد التدهور الكبير في قيمة الليرة السورية والذي ازدادت وتيرة تراجعه خلال الأسابيع الماضية.

وتسارع انهيار الليرة عقب آخر ظهور لرامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، منذ بداية الشهر الماضي، والذي دخل في خلاف مع دمشق بعد أن شنت حملة ضد أصول وأموال يمتلكها، وذلك بالتزامن مع انغلاق نوافذ تمويل الحكومة السورية.

عبدالرحمن مصطفى: ضروري تسعير المواد بغير الليرة السورية بعد انهيارها
عبدالرحمن مصطفى: ضروري تسعير المواد بغير الليرة السورية بعد انهيارها

وأوضح رئيس الحكومة المؤقتة عبدالرحمن مصطفى أن “الحفاظ على القوة الشرائية للعمال والموظفين في المناطق المحررة يستدعي ضخ القطع النقدية الصغيرة من الليرة التركية”.

ونسبت وكالة الأناضول لمصطفى قوله “ضروري تسعير المواد بغير الليرة السورية”، مشيرا إلى أنه “تم البدء بالفعل بتسعير المواد الأساسية مثل الخبز والمشتقات النفطية وغيرها، بالليرة التركية كما يتم تسعير مواد أخرى بالدولار”.

وأكد أن بعض المنشآت الخاصة، بدأت بدفع أجور العمال لديها بالعملة التركية، كما أن معظم الموظفين في المناطق المحررة يتقاضون رواتبهم بالليرة التركية أو الدولار.. هذا أدى إلى استقرار المنطقة اقتصاديا والحدّ من تبعات النظام”.

وتدرس وزارة المالية والاقتصاد في الحكومة المؤقتة، مؤشر الأسعار بشكل دوري كل شهرين وتضمن اللائحة 74 سلعة وخدمة من كافة الأصناف.

وقال مصطفى إن “الأسعار بالليرة السورية ارتفعت خلال أبريل الماضي بنسبة 43 في المئة، بينما كان المؤشر ثابتا بالليرة التركية والدولار”.

وأدت أزمة السيولة النقدية والاضطرابات في لبنان إلى انقطاع تدفق الدولارات إلى دمشق، في الوقت الذي تلاشت فيه قدرة إيران المختنقة بالعقوبات الأميركية على مد يد المساعدة.

وانخفضت العملة السورية إلى مستويات قياسية مقابل الدولار، ليستقر سعرها خلال اليومين الماضيين عند 2500 ليرة للدولار الواحد، مقارنة مع 990 وألف ليرة مقابل الدولار نهاية العام الماضي.

وانتقد المحلل الاقتصادي السوري المُعارض سمير سعيفان قرار الحكومة المؤقتة باستبدال الليرة السورية بالليرة التركية في منطقة إدلب ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام.

واعتبر في تدوينة على صفحته في فيسبوك أن هذه الخطوة ستكرس التقسيم في سوريا وستزيد من معاناة الشعب بشكل أكبر لأن العملة السورية يفترض أنها رمز للتماسك الاقتصادي للبلاد.

ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان في وقت سابق عن مصادر من داخل سوريا تأكيدها أن عددا كبيرا من الصرافين المتواجدين ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام توقفوا بشكل كامل عن بيع الدولار أو صرف العملات الأخرى في ظل التخبط والانهيار، الذي يشهده الاقتصاد.

وكانت مصادر إعلامية تتبع المُعارضة السورية الموالية لأنقرة قد أكدت، بدء مؤسسة البريد والبرق التركية الحكومية، والتي أسست لها أنقرة فروعا عدّة في ريف حلب الشمالي وإدلب، بضخ نقود تركية مقابل الدولار في مدينة أعزاز شمالي حلب.

تركيا بدأت بضخ كميات كبيرة من عملتها في إدلب ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام

كما نقلت شبكة اقتصاد، التي تُعنى بالشأن السوري عن عدة مصادر قولها إن بعض الصرّافين السوريين في أعزاز قاموا بضخ مئات الآلاف من القطع النقدية من فئة ليرة تركية واحدة.

وقال مصطفى فهد، المدير المالي للمجلس المحلي لمدينة اعزاز، المُعيّن من قبل أنقرة، أنّه “تمّ التواصل مع مركز بنك بي.تي.تي ومحلات الصرافة في أعزاز لضخ أكبر كمية من الفكة التركية”.

وكشف مصدر مطلع عن قيام مكتب السقيط للصرافة بشراء الدولار الأميركي مقابل الليرة التركية التي باتت فعليا في أيدي السكان كخطوة أولى من خطوات موسعة يبدو أنّ المجلس المحلي لإعزاز يعمل عليها لإلغاء التعامل بالعملة المحلية واستبدالها بالليرة التركية.

وتشير معلومات رسمية مؤكدة إلى دور الحكومة التركية في تبديل العملة، وذلك بحجة تدهور قيمة العملة السورية قبل أيام من دخول قانون قيصر الأميركي للعقوبات حيز التنفيذ على النظام السوري، والذي في حال بدء سريانه سيتسبب بانهيارات أكبر في الليرة السورية.

وصادق الكونغرس بشقيه، النواب والشيوخ، على قانون قيصر في 11 ديسمبر الماضي، بعد ثلاث سنوات من الشد والجذب بين الجمهوريين والديمقراطيين.

كما صادق الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه بعد مروره من الكونغرس ومجلس النواب في الشهر ذاته، حيث ينتظر دخول القانون حيز التنفيذ في 17 يونيو الجاري.

ويشمل القانون في مرحلته الأولى، سلسلة عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري وحلفائه، والشركات والأفراد المرتبطين به، فيما ستتبعها على مراحل إجراءات عقابية أخرى.

وينسب قانون حماية المدنيين السوريين إلى مصور عسكري في الطب الشرعي لقب بـ”القيصر” انشق عن النظام عام 2013، وانضم إلى المعارضة وبحوزته الآلاف من الصور توثق عمليات قتل واسعة ارتكبتها قوات النظام بحق خصومه خلال الحرب الدائرة في سوريا منذ 2011.

11