فيلم حلاوة روح بلا روح

الجمعة 2014/04/25

إن الجدل الذي حدث مؤخرا حول فيلم «حلاوة روح»، من إنتاج شركة السبكي والذي قامت ببطولته الاستعراضية اللبنانية هيفاء وهبي، الغزير بالإيحاءات الجنسية والذي زاد الطين بلة إشراك الأطفال والمراهقين في أحداثه، يحتم علينا أن نحلل صورة المرأة في السينما والفضائيات العربية، وهل هذه الصورة النمطية التي ظهرت فيها البطلة على أنها أنثى مغرية وضعيفة، هي الصورة التي ترتضيها المرأة العربية في عهد ما بعد الانتفاضات، وهي التي شاركت الرجل ونادت بكل شجاعة: “عيش وحرية وعدالة اجتماعية؟”.

إن هذا يأخذنا إلى الشاطئ الآخر هناك في العالم الغربي، كون أن معظم الأفلام العربية مقتبسة من الأفلام الأجنبية، ففيلم “حلاوة روح” مقتبس من الفيلم الإيطالي “مالينا”. لذلك من المهم أن نعرف آراء النقاد الغربيين عن دور المرأة في إعلامهم.

فقد انتقدت المؤلفة والمؤرخة الأميركية باربرا توكمان (Barbara Tuchman) دور المرأة في الإعلام الأميركي وذكرت أن دورها مغيب يتمثل في القوالب النمطية القائمة إما على الإغراء الجنسي أو أداء العمل المنزلي، وهذا لا يمثل حقيقة المرأة واقعيا، بل هو إعلام متحيز يشوه صـورة المرأة.

أما المؤلفة النسوية الهولنديـة، فان زونين (Van Zoonen)، فقد لخصت دور المـرأة في الإعلام الغربي قائلة: إن المرأة لا يتعدى دورها الزوجة، الأم، الابنـة، الصديقـة، وحتـى الوظائف التي تقوم بأدائها لا تتعدى كونها سكرتيرة، ممرضة، صديقة، أو مجرد كائن للجنس فقط. وأضافت أن المرأة عادة ما تكون شابة جميلة وبتعليم متوسط.

فكون البرامج والأفلام العربية مقتبسة وأحيانا منسوخة نسخا من البرامج الغربيـة، فإن هذا يجعلها ترث النظام الذكوري الغربي، إضافة إلى ما تحمله المجتمعات العربية من عادات وتقاليد وتفاسير خاطئة للدين وكل ذلك يزيد من تهميش دور المرأة.

لقد أشار الدكتور محمود يوسف، أستاذ في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، إلى أن صورة المرأة في الأفلام والدراما العربية لا تتعدى كونها أنثى جميلة مغرية مشتهاة، أو أنها زوجة وأم بالمفهوم الرعوي الخضوعي للأمومة، أو أنها سلبية وضعيفة وعاطفية وانفعالية. وحتى عندما تقوم المرأة بدور راقصة فإن ذلك لا يصنف على أنه مقطوعة فنية بل يقدم بصورة سلبية كمصدر للإثارة وأداة جذب جنسي يتسلى به الرجل ويستمتع به.

ولتقفّي أثر هذه السلبيات الرديئة نجدها جاءت في عهدي أنور السادات وحسني مبارك، ففي عهد السادات ومع عصر الانفتاح ظهرت أفلام «الهلس»، وفي عهد مبارك ظهرت الأفلام التجارية الهابطة، فدخل عالم السينما رجال أعمال ليست لهم علاقة بالفن والسينما إنما جذبهم الكسب المادي السريع فقط.

إن تكرار أدوار المرأة المحصورة في صورة الأم التقليدية الضعيفة أو الفتاة المغرية الجميلة باستمرار، نجدها تعلق في أذهان المشاهدين مما يعطي صورة سلبية عن المرأة في المجتمع، وهذا ما أكدته نظرية الغرس الثقافي (Cultivation Theory) لجربنر (Gerbner) التي توضح أن سلوك المشاهد لا يتغير على الفور من خلال مشاهدة برنامج أو فيلم على شاشة التلفزيون، ولكن عندما تتكرر المشاهد لعدة مرات قد يؤثر ذلك على السلوك خاصة مع مرور الوقت.

كذلك يرى شرام (Schramm) أن حوالي 70 بالمئة من الصور التي يعتقد بها الشخص في مخيلته مستمدة من وسائل الإعلام وخاصة تلك التي تتكرر باستمرار.

إن هذه الصورة النمطية السلبية للمرأة لا يرفضها فقط المجتمع الحضري بل أيضا أهل الريف.

فمن خلال دراستي الميدانية لإحدى القرى في جنوب السعودية اتضح لي أن النساء الريفيات اللاتي أجريت معهن المقابلة أنهن غير راضيات عن الصورة السلبية الضعيفة للمرأة في الدراما الخليجية وخاصة المرأة الريفية الفقيرة. وقد ذكرن أن تكرار هذه المشاهد يعطي انطباعا مخالفا للواقع وحتى المعالجة الدرامية للأحداث ضعيفة. فحل مشاكل الفقر للمرأة في الدراما الخليجية غالبا ما يكون عن طريق زواج غير سعيد وغير متكافئ، مما يرسخ صورة المرأة المغلوبة على أمرها. وقد ذكرت إحدى المشاركات أنه حتى في حالة عدم وجود حلول على أرض الواقع نريد حلولا من خلال الدراما تساعد على حل قضايا الفقر والعوز بطريقة إيجابية.

وهن لسن راضيات أيضا عن البرامج الحوارية المقدمة للنساء فقط مثل “كلام نواعم” على الـ MBC و”سيدتي” على روتانا خليجية، لأن ذلك يعزل المرأة عن المحيط الخارجي وبالتالي تصبح قضايا المرأة تدور في حلقة مفرغة دون حلول ولن تصل إلى الجهات المسؤولة. ونظرا لذلك فإن النساء في هذا الوقت والطبقة الفقيرة خاصة في حاجة إلى برامج حوارية مختلطة صلبة أو خشنة (Hard Talk Show) ولا إلى برامج حوارية ناعمة (Soft Talk Show) لأن البرامج الناعمة في نظرهن تعالج مشاكلهن بطريقة سطحية.

فهي تتحدث عن أهمية التعليم ولكن لا تتحدث عن البطالة وسوء التعليم في المدارس والجامعات التي تنفّر الطلبة من التعليم، وتتكلم عن الفقر ولكن لا تتكلم عن أسباب الفقر في دولة غنية، وعن أهمية التوزيع العادل للثروة، ومكافحة الفساد، وانتقاد العادات والتقاليد، والتفاسير الخاطئة للدين خصوصا في ما يتعلق بالمرأة. كل ذلك في حاحة إلى برامج حواريـة صلبة.

أما بالنسبة للقنوات الإخبارية في الفضائيات العربية فرغم أن النساء يشكلن نصف سكان العالم لكن نجد نسبة تغطية الأخبار المتعلقة بالنساء على القنوات الإخبارية لا تتعدى 18 بالمئة على أكبر تقديـر حسب ما ذكر في مشروع الرصد الإعلامي العالمي (Global MediaMonitoring Project). وذلك لأن تغطية الأخبار العربية متأثرة بالتغطية الغربية التي تعطي الأولوية للخبر الحديث والفوري.

فالقضايا المتعلقة بالمرأة لا تعد أخبارا وأغلب الصحفيين العرب الذين يغطون تلك القضايا لا يحصلون على نفس الشهرة التي يحصل عليها الذي يغطي خبرا سياسيا أو خبرا عن المشاهير.

بناء على ما ذكر ليت النقاط التالية تؤخذ في الاعتبار:

أولا: إنشاء مراكز أبحاث إعلامية لتدريب الكوادر من أجل جمع البيانات والمعلومات الدقيقة خصوصا في ما يتعلق بأوضاع النساء من جميع الطبقات.

ثانيا: تشجيع الكتاب المحترفين بتبني نمط عالمي محلي على غرار مؤلفات نجيب محفوظ، إحسان عبدالقدوس، يوسف إدريس وغيرهم لكي يقل الاعتماد على القصص المستوردة من الغرب التي تحاكي أوضاعا اجتماعية خاصة بهم.

ثالثا: تشجيع الإبداع الفكري والتقني لإنتاج البرامج الترفيهية والدرامية الهادفة.

رابعا: تفعيل دور الرقابة خصوصا على المنتجين الذين يضعون اعتبارا للمال على حساب القيمة الفنية.

إن المتغيرات الجوهرية التي تمر اليوم في منطقتنا العربية تبشر بولادة عصر جديد يشبه عصر التنوير الذي شهدته أوروبا، لذا فإن كل خطواتنا يجب أن تكون مدروسة وفعالة في كافة المجالات ومن أهمها الإعلام المرئي الذي يستوجب عليه أن يساير تطلعاتنا لأننا في حاجة إلى ثورة ثقافية مرموقة. أما دور المرأة الضعيفة السلبية المغيبة أو المغرية فيجب أن يكون حكاية من حكايات الماضي الذي لا حسرة عليه.


أكاديمية إعلامية سعودية

9