إياد الحلاق.. شاب فلسطيني أراد التنفس أيضا

قضية تعمد رجال شرطة إسرائيليين قتل شاب فلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة تعيد طرح ملف عنصرية إسرائيل ضد الفلسطينيين.
الاثنين 2020/06/08
والدة إياد الحلاق: لا نثق كثيرا في نظام العدالة الإسرائيلي

القدس - ينشغل العالم مؤخرا بقضية قتل جورج فلويد في الولايات المتحدة، كقضية عنصرية خرج الناس من أجلها في شوارع عواصم عدة للاحتجاج على السياسات الأميركية وعلى ديمقراطيتها التي باتت محل شك. تلتها قضية شائكة أخرى مشابهة لها يعيش على وقعها الفلسطينيون بشكل يكاد يكون يوميا منذ عقود.

وأعادت قضية تعمد رجال شرطة إسرائيليين قتل شاب فلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة طرح ملف عنصرية إسرائيل ضد الفلسطينيين. كما كشفت حجم تباينات الديمقراطيات الغربية لدى تعاطيها مع الجرائم العنصرية بحيث يتم التعامل مع هذه القضايا التي ترتكبها إسرائيل بشكل هامشي.

وسلطت صحيفة “أسوشيتد برس” الأميركية الضوء على قضية إياد الحلاق الذي يعتبر ضحية أخرى من ضحايا القتل الوحشي الذي يتعرض له الفلسطينيون.

ويسرد كاتب المقال جوزيف فيدرمان الحادثة، قائلا “كان إياد الحلاق يحب مشاهدة الرسوم المتحركة. كان يحب ارتداء الملابس الجميلة ووضع العطر. حتى أنه حلم بأن يتزوج يوما ما. وكان نشاطه المفضل يكمن في المشي إلى المدرسة، أين تطوع لإعداد وجبات الطعام في المطبخ لزملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة”.

وفي أواخر شهر مايو الماضي طاردت القوات الإسرائيلية الفلسطيني البالغ من العمر 32 سنة والذي يعاني من التوحد الشديد في البلدة القديمة بالقدس وأطلقت عليه الرصاص قرب صندوق قمامة بعد أن ظنت أنه يهاجمها.

وتشبه الحادثة بحسب فيدرمان جريمة قتل جورج فلويد في الولايات المتحدة خاصة أنها أشعلت سلسلة من المظاهرات ضد عنف الشرطة الإسرائيلية الموجّه ضد الفلسطينيين.

بالنسبة إلى عائلة الحلاق لم توفر هذه التحركات ضد عنف إسرائيل أي أمل في معاقبة الضباط الذين أطلقوا النار على ابنها البريء، قائلين “كلما استشهد شخص هنا، نقول إننا نأمل في التغيير. أين التغيير؟”.

قتل الشاب إياد الحلاق المصاب بالتوحد على طريقة جورج فلويد يكشف مجدّدا عنصرية إسرائيل

قالت والدته رنا “كان لطيفا”. وأكدت أنه كان خجولا، ويخاف من الغرباء، وغير قادر على النظر في عيون الآخرين، ويخاف الأصوات الصاخبة.

وأضافت “كان يحب الملابس الجميلة، ولكنه لم يكن لديه أصدقاء. لا يتحدث إلى الآخرين. كان يكتفي بالحديث معي عما حدث في يوم عمله بالمدرسة”.

وبشأن تفاصيل الحادثة ما زال ما حدث صباحا غير واضح. ووفقا للعائلة، ترك الحلاق، الذي كان يرتدي شارة تبيّن أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، منزله ليذهب إلى المدرسة في رحلته اليومية التي تستغرق 10 دقائق فحسب. ويقع منزل العائلة في وادي الجوز بينما توجد المدرسة في البلدة القديمة. وكان إياد يمرّ بشكل شبه يومي أمام الشرطة الإسرائيلية بالقرب من باب الأسباط في القدس القديمة.

قالت الشرطة إن الضباط في البلدة القديمة رصدوا رجلا يحمل ما يشبه المسدس، فأمروه بالتوقف لكنه لم يستجب ما جعلهم يقررون ملاحقته.

وكانت معلمته قريبة منهم، استنجد بها إياد. قالت لعناصر الشرطة إنه من ذوي الاحتياجات الخاصة وطلبت منهم فحص هويته لكنهم أبعدوها وأطلقوا النار على إياد الحلاق.

وقالت لقناة 13 التلفزيونية الإسرائيلية إنها حاولت وقف إطلاق النار. وتابعت “لم يستمعوا إلي. بل لم يريدوا الاستماع إلي”.

وقالت إنهم أطلقوا عليه ثلاث رصاصات. سقط إثرها على الأرض، وطلب مساعدتها، ثم ركض للاختباء في زاوية صغيرة بها صندوق قمامة. ركض الضباط بعده وقتلوه.

وقال والدا الحلاق إنهما هرعا إلى مكان الحادث لكنهما لم يستطيعا رؤيته. ثم جاء أفراد الشرطة بعد ذلك إلى منزلهما، وشتموا العائلة وهم يبحثون عن أسلحة. وأكدا أن الشرطة لم تعثر على أي شيء.

وأعلنت وزارة العدل الإسرائيلية عن وضع ضابط من شرطة الحدود تحت الإقامة الجبرية، وعن الإفراج عن قائده مع إخضاعه لظروف مقيدة بينما يتواصل التحقيق في الظروف التي حفّت بإطلاق النار.غير أن الوزارة لم تقدّم المزيد من التفاصيل.

ومع تركيز الاهتمام العالمي على الاضطرابات التي تهز الولايات المتحدة، تردد صدى وفاة الحلاق في جميع أنحاء إسرائيل. وسار عشرات الأشخاص معظمهم من اليهود في وسط القدس للتنديد بإطلاق النار. كما نُظمت مظاهرات في مدن عربية، مستوحاة من الاحتجاجات في الولايات المتحدة، حيث حمل المتظاهرون لافتات كتب عليها “حياة السود مهمة” و”حياة الفلسطينين مهمة” حملوا صورا لفلويد والحلاق.

 وكتب الإسرائيلي روجل ألفر المعروف بمقالاته في صحيفة هآرتس العبرية، وهو أب لطفل مصاب بالتوحد “يا إلهي، لقد أعدموه. إذا حدث ذلك لابني، لوجدت صعوبة في الاستمرار”. وتساءل “هل يوجد شخص أكثر شعورا بالوحشة من مصاب بالتوحد يرتجف قرب كومة قمامة، ولا يفهم ما يجري ولماذا، في حين يفرغ رجال الشرطة الرصاص في جسمه؟”.

وجاءت هذه المأساة بعد أسبوعين من إطلاق النار على رجل عربي خارج مستشفى إسرائيلي. وأفادت الشرطة بأن الرجل طعن حارس أمن. وأظهرت لقطات الكاميرا الأمنية الرجل، الذي ورد أنه يعاني من مرض عقلي، ملقى على الأرض عندما أطلق عليه الحراس النار عدة مرات.

أمّا بالنسبة إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والأقلية العربية في إسرائيل، فإنّ هذه الحالات تعكس ما يرونه أصابع مستعدة للضغط على الزناد عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع العرب المشتبه بهم.

وبقي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صامتا. لكن العديد من كبار المسؤولين، بمن فيهم زعيم المعارضة يائير لابيد (ابنته مصابة بالتوحد)، ووزير الدفاع بيني غانتس عبروا عن حزنهم.

وتعهد وزير الأمن العام، أمير أوحانا، المقرب من نتنياهو، بتقديم تدريبات لأفراد الشرطة لتساعدهم على التعرف على الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة. وتوجّه عدد كبير من اليهود والعرب، بمن فيهم حاخام كبير، لزيارة العائلة.

وقالت والدة الحلاق إن كل ذلك لن يعيد ابنها، وإنها كما بقية الأسرة، لا تثق كثيرا في نظام العدالة الإسرائيلي الذي تعتبره متحيزا، فيما قال والده “إذا قتل عربي يهوديّا، فماذا يحدث؟ يهدمون منزله ويعتقلون جميع أفراد أسرته. هذا هو الفرق”.

6