إسلاميو تركيا يحرفون تاريخ السلاطين العثمانيين

تجري عملية دؤوبة لإعادة صياغة التاريخ التركي المعاصر بما يتناسب مع الدعايات التركية التي تستحضر “المجد العثماني”. نسخة تاريخية موازية حاول الإسلاميون خلالها تقديم صورة انتقائية متحيلة للتاريخ تقوم على تمجيد السلاطين العثمانيين والاستنقاص من أهمية المرحلة الكمالية العلمانية.
أنقرة – غضب الكماليون في تركيا – أتباع الفكر العلماني الذي رسمه مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك – من طبعة 19 مايو من صحيفة الصباح، والتي اعتبرها الكثيرون محاولة لإعادة كتابة تاريخ البلاد.
نُشرت هذه الطبعة في يوم أتاتورك، يوم الشباب والرياضة، وهي عطلة بمناسبة بدء حرب الاستقلال التركية ضد القوى الأجنبية التي احتلتها بعد الحرب العالمية الأولى.
ولكن إلى جانب مصطفى كمال، الذي أكسبه نجاحه في تلك الحرب لاحقا لقب أتاتورك، والد الأتراك، نشرت الصحيفة صورا للسلطان العثماني الأخير، وحيدالدين محمد السادس، ووزيره الأكبر دامات محمد فريد باشا.
يُنظر إلى هذه الشخصيات في تاريخ الدولة في تركيا على أنهم متعاونون مع العدو في حرب الاستقلال. قال الباحث غوكهان باجيك لـ”أحوال تركية” في بث صوتي إن عرض الصباح للقادة العثمانيين كأبطال إلى جانب أتاتورك في 19 مايو كان محاولة لإعادة تأهيلهم وإعادة كتابة ذلك التاريخ على أسس إسلامية.
وأضاف “كانت هناك اختلافات خطيرة في تاريخ تركيا الحديث وتفسيرها منذ التنظيمات”، في إشارة إلى سلسلة الإصلاحات التي تهدف إلى تحديث وإحياء الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر، وهي فترة تراجع طويلة عندما عانت من الشلل والهزائم على أيدي المنافسين الغربيين. وأوضح باجيك “من ناحية، هناك التاريخ الرسمي، ومن ناحية أخرى، هناك نهج الإسلاميين الشعبويين”.
ويذكر التاريخ الرسمي أنه بينما كانت إسطنبول وأجزاء أخرى من تركيا تحت الاحتلال بعد الحرب العالمية الأولى وكانت محكمة السلطان تتعاون مع البريطانيين، “ذهب أتاتورك إلى سامسون بمفرده وأطلقالكفاح الوطني، وأنقذ تركيا”، حسب باجيك.
ويتابع “في المقابل، هناك وجهة نظر إسلامية معاكسة. ووفقا لذلك، كان السلطان وحيدالدين هو من فعل كل شيء. في الواقع، الخطاب الإسلامي يعالج القضية بأسلوب تآمري كما لو كان أتاتورك مؤيدا لبريطانيا تقريبا”.
وأردف “الآن بعد أن أصبح الإسلاميون في السلطة في تركيا، يريدون تغيير هذا التاريخ”. وهكذا يعيد المعلقون الإسلاميون تعريف شخصيات مثل وحيدالدين وعبدالحميد الثاني، السلطان العثماني الرابع والثلاثون الذي أكسبه حكمه السلطوي لقب “السلطان الأحمر” قبل خلعه في انقلاب عام 1909، عبرالتأكيد على الجوانب الإيجابية لحكمهما. وقال باجيك إن هذا جزء من استراتيجية الإسلاميين لتقديم نسختهم الخاصة من التاريخ وكل مجال آخر، مضيفا أن هذه النسخة تحدد التقاليد الجمهورية العلمانية على أنها انحراف في مسار تاريخ تركيا. وفي الوقت نفسه، اقترنت النسخ المتنافسة من التاريخ التي تحتفظ بها الفصائل المختلفة في مجتمع شديد الاستقطاب بشعبية واسعة النطاق من نظريات المؤامرة، مما ساهم في مجتمع يتجاوز حدود المنطق في تعامله مع الحاضر والماضي.
وأظهر استطلاع نُشر هذا الشهر من قبل أبحاث الاقتصاد في إسطنبول أن أكثر من نصف الأتراك يعتقدون أن هناك بنودا سرية في معاهدة لوزان لعام 1923، والتي حددت حدود الجمهورية التركية الحديثة.“تخيل لو أن نصف المؤمنين اعتقدوا أن بعض أحكام القرآن قد تم إخفاؤها، فما هو نوع الموقف الذي سنكون فيه؟”، قال باجيك “إنها علامة مرعبة أننا نتخلى عن العقلانية”.