مواصلة استنزاف الأموال القطرية في خدمة نظام أردوغان

أنقرة - رفع البنك المركزي التركي، الأربعاء، حجم اتفاق مبادلة عملة مع قطر لثلاثة أمثاله إلى ما يعادل 15 مليار دولار في اتفاق يوفر سيولة أجنبية تشتد الحاجة إليها، وتكشف عن عمق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أنقرة والدوحة في آن واحد وسط مخاوف متنامية من تكرار سيناريو 2018.
ويقول مراقبون إن الاتفاق القديم الجديد يستهدف مواصلة استنزاف الخزينة القطرية في ضوء الأزمة المتفاقمة التي يعاني منها الاقتصاد التركي جراء سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ورفعت تركيا أكثر من مرة حجم مبادلة العملة مع قطر، فبعد أن كان ثلاثة مليارات دولار في العام 2018 رفعته إلى 5 مليارات في العام 2019، إلى أن وصل إلى 15 مليار دولار.
وعلى الرغم من التوافق والتنسيق المشترك بين البلدين في الكثير من الملفات بمنطقة الشرق الأوسط إلا أن هذا الاتفاق بزيادة حجم تبادل العملة يثير موجة استهجان داخلية في تركيا لعدم جدواه على صعيد إنقاذ دائم للاقتصاد المتدهور.
وتعيش تركيا وقطر وضعا معقدا ما يتعلق بالانتشار المتسارع لفايروس كورونا. وتواجه تركيا خطر التعرض لموجة جديدة من عدم الاستقرار في سعر صرف عملتها الليرة.
وتعاني تركيا من أزمة اقتصادية كبيرة تحتاج إلى سنوات لتطويقها، وتعود في غالبها إلى الصدام السياسي الذي تلجأ إليه حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، ما دفع إلى انحسار نوايا الاستثمار، وخاصة من رجال الأعمال في الخليج وتوقف السياح الخليجيين عن زيارة تركيا كوجهة أولى مثلما كان يحصل في سنوات ما قبل 2010.
ولامست العملة التركية مستوى منخفضا غير مسبوق في وقت سابق من الشهر الحالي مع تخوف المستثمرين حيال تراجع صافي احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي والتزامات دين تركيا الخارجي المرتفعة نسبيا، مما حدا المسؤولين للسعي إلى تدبير التمويل من الخارج.
وكانت وكالة رويترز أوردت الأسبوع الماضي أن مسؤولين من الخزانة التركية والبنك المركزي فاتحوا نظرائهم في قطر والصين بشأن زيادة حجم خطوط مبادلة قائمة، وتحدثوا أيضا مع بريطانيا واليابان بخصوص إمكانية إنشاء تسهيلات مماثلة.
وقال البنك المركزي التركي إن تعديل اتفاق المبادلة المبرم في 2018 مع مصرف قطر المركزي يستهدف "تسهيل التجارة الثنائية" بالعملة المحلية إلى جانب "دعم الاستقرار المالي في البلدين". وبموجب التسهيل تجري المبادلات بالليرة التركية والريال القطري.
وتظهر بيانات اقتصادية حجم الغزو التركي للاقتصاد القطري، الذي أصبح يستأثر بحصة الأسد من جميع النشاطات الاقتصادية والتجارية، في ظل حاجة قطر الماسة إلى نافذة تخفف عزلتها السياسية والاقتصادية.
ويقول المحللون إنه إذا عجزت تركيا عن تدبير تمويل بعشرات المليارات من الدولارات، فستواجه خطر انهيار عملتها على غرار ما حدث في 2018 عندما فقدت الليرة لفترة وجيزة نصف قيمتها في أزمة أحدثت صدمة بالأسواق الناشئة.
وصعدت الليرة على مدى جلسات التداول الثماني الأخيرة لأسباب منها التوقعات بأن تبرم أنقرة اتفاقات خارجية لإتاحة مزيد من السيولة.
ونزلت الليرة 0.2 في المئة إلى 6.795 للدولار في الساعة 08:22 بتوقيت غرينتش الأربعاء.
وتحولت تركيا عن مصدرها المفضل للتمويل بالدولار، مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، إذ يبدو مستبعدا أن يمد خط مبادلة حسبما توحي به تصريحات مسؤولين سابقين وحاليين بالمجلس.
وقال تاثا جوس المحلل في كومرتس بنك إن الليرة صعدت بفضل توقعات إبرام اتفاقات مع طوكيو ولندن، لكنه أضاف أن اتفاقات التبادل “قصة ثانوية” لتوقعات تعافي صادرات تركيا مع إعادة فتح اقتصادات أوروبية بعد إجراءات العزل بسبب فايروس كورونا.
وكتب في مذكرة أن أرقام صادرات أعلى “ستبدد مصاعب الليرة الحالية رغم أن العديد من المشاكل سيظل على المدى الأطول”.
وهبط صافي احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي إلى 26 مليار دولار من 40 مليارا هذا العام ويرجع ذلك لتدخل البنك من أجل استقرار الليرة، بحسب محللين. وتبلغ التزامات الدين الأجنبي لتركيا 168 مليار دولار في 12 شهرا.
وفي مارس الماضي، كشف الرئيس التركي النقاب عن خطة لإنعاش الاقتصاد وأعلن رفعاً تدريجياً للقيود في مايو ويونيو لتحفيز اقتصاد بلاده التي يبلغ الناتج المحلي الإجمالي فيها ما قيمته 710 مليارات يورو.
ويتوقع خبراء اقتصاديون ركودا مؤلماً للاقتصاد ويتحدث بعضهم حتى عن لجوء تركيا إلى صندوق النقد الدولي، الأمر الذي لطالما رفضه أردوغان. وفيما كانت أنقرة تعوّل على معدّل نمو يبلغ 5 في المئة لعام 2020، يتوقّع صندوق النقد الدولي حالياً انكماشاً للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة وبطالة بنسبة 17.2 في المئة.
ويعكس تدهور قيمة الليرة التركية بنسبة تقارب الـ15 في المئة مقابل الدولار منذ مطلع العام، القلق في الأسواق. وفي مطلع مايو بلغت الليرة التركية أدنى مستوى لها في التاريخ فقد سجلت 7.24 مقابل الدولار الواحد. وهذا الأمر يزيد الدين الساحق بالعملات الأجنبية الذي يُثقل كاهل القطاع الخاص.
وتضرر القطاع السياحي الذي سجّل أرباحاً بأكثر من 31 مليار يورو في البلاد العام الماضي، جراء تعليق الرحلات منذ شهرين.