الاحتجاجات الشعبية تنفجر مبكرا في وجه رئيس الوزراء العراقي الجديد

مصطفى الكاظمي يواجه معضلة تهدئة الشارع وكسب تأييده قبل فتح ملفات السياسة والاقتصاد والأمن بالغة التعقيد.
الاثنين 2020/05/11
مقدمة لصيف عراقي ملتهب بالاحتجاجات

بغداد - وضعت عودة الاحتجاجات إلى الشارع العراقي مع تسلّم حكومة مصطفى الكاظمي لمهامها، رئيس الوزراء الجديد أمام تحدّ كبير يتمثّل في تهدئة الشارع الغاضب من النظام القائم برمّته، وذلك قبل أن يشرع الرجل في فتح الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية بالغة التعقيد.

ولا يمتلك الكاظمي الكثير من الخيارات والوسائل لتلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي رفعها المحتجّون في حراكهم غير المسبوق الذي انطلق في أكتوبر الماضي واستمر لعدّة أشهر، بينما سيكون من المستحيل عليه مصالحة الشارع مع النظام الذي تورّطت أركانه في مجازر بحقّ المحتجّين.

ولم تمنع أولى القرارات التي اتّخذها الكاظمي والتي تضمنت رسائل حسن نوايا تجاه الحركة الاحتجاجية، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات، عودة المتظاهرين إلى شوارع بغداد وعدد من مدن جنوب العراق.

ففي العاصمة بغداد تظاهر، الأحد، المئات في ساحة التحرير وجسر الجمهورية مطالبين بالإصلاح ومحاسبة قتلة المتظاهرين. وفي ذي قار بجنوب العراق تجددت الاضطرابات بين المتظاهرين والقوات الأمنية على خلفية محاولة اغتيال أحد النشطاء وسط مدينة الناصرية مركز المحافظة. وانتشر العشرات من المحتجّين في ساحة البهو وسط المدينة وأحرقوا الإطارات، فيما أطلقت القوات الأمنية الغازات المسيلة للدموع لتفريق المجاميع المنتشرة في الشوارع التي تطالب بالقصاص من الجماعات المسلحة التي تستهدف المتظاهرين.

وفي محافظة واسط بجنوب شرق بغداد قام المتظاهرون بتطويق مبنى المحافظة وأصدروا بيانا أعلنوا فيه إسقاط الحكومة المحلية التي وصفوها بـ”حكومة القتل والفساد واللّصوص”، مؤكدين “انطلاق ساعة الصفر للاستمرار بالمطالب الثورية التي أقرّتها ساحات التظاهر برفض حكومة الكاظمي وإسقاط نظام المحاصصة الفاسد”.

كما هاجم المحتجون مقرات الأحزاب السياسية في مدينة الكوت مركز المحافظة وأحرقوا مقر منظمة بدر ومنزل نائب من عصائب أهل الحق.

وشهدت محافظة المثنى بجنوب البلاد مظاهرات ممثالة. وفي محافظة البصرة المجاورة أغلق مئات الموظفين، الأحد، حقل مجنون النفطي احتجاجا على تلكؤ شركة الخدمات اللوجستية في دفع رواتبهم.

ورغم أن رئيس الحكومة العراقية الجديدة مصطفى الكاظمي لم يكن من الشخصيات التي رشحها الحراك الشعبي، ليخلف نظيره المستقيل عادل عبدالمهدي، إلا أن الرجل اتخذ عدة قرارات عدها مراقبون مغازلة للحراك.

وعقب أول اجتماع للحكومة الجديدة عقد، السبت، تعهّد الكاظمي بالإفراج عن المتظاهرين الذين اعتُقلوا على خلفيّة مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبيّة، واعدا بمحاسبة المتورّطين في قمع المحتجّين وتعويض عوائل القتلى ورعاية المصابين.

 مصطفى الكاظمي لا يمتلك الكثير من الخيارات لتلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي رفعها المحتجّون، بينما سيكون من المستحيل عليه مصالحة الشارع مع النظام الذي تورّطت أركانه في مجازر بحقّ المحتجّين
 مصطفى الكاظمي لا يمتلك الكثير من الخيارات لتلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي رفعها المحتجّون، بينما سيكون من المستحيل عليه مصالحة الشارع مع النظام الذي تورّطت أركانه في مجازر بحقّ المحتجّين

كما قرر أيضا إعادة الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي إلى جهاز مكافحة الإرهاب وعيّنه رئيسا له، بعدما استبعده رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي على الرغم من مشاركته الفاعلة في الحرب ضدّ تنظيم داعش التي دارت بين سنتي 2014 و2017 واكتسب الساعدي خلالها قدرا من الشعبية كأحد صنّاع النصر على التنظيم.

ودعا الكاظمي أيضا البرلمان إلى اعتماد القانون الانتخابي الجديد الضروريّ لإجراء انتخابات نيابية مبكرة.

واستجابة لدعوة الكاظمي، قرر القضاء العراقي، الأحد، إطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين. وقال مجلس القضاء الأعلى، في بيان، إنه انسجاما مع دعوة رئيس الوزراء تم توجيه كافة المحاكم التي تعرض عليها قضايا خاصة بالمتظاهرين لإطلاق سراحهم. وأوضح البيان أنّ “التظاهرات حق مكفول بموجب المادة 38 من الدستور، بشرط ألا تقترن بفعل مخالف للقانون ضد مؤسسات الدولة أو ضد الأشخاص”.

وتعقيبا على قرارات الكاظمي قال ماجد الشويلي أحد منسقي احتجاجات بغداد لوكالة الأناضول إنّ “قرارات رئيس الوزراء محل تقدير وترحيب من قبل المتظاهرين، لكنها تحتاج إلى تطبيق وخاصة ما يتعلق بالكشف عن قتلة المتظاهرين وإحالتهم إلى المحاكم”.

وطيلة الأشهر الماضية عمدت الحكومة السابقة برئاسة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي إلى التكتم على نتائج التحقيقات بشأن قتلى الاحتجاجات، واتهمت المحتجين بمهاجمة قوات الأمن والمؤسسات الحكومية. لكن أشرطة فيديو مصورة أظهرت مسلحين تابعين لفصائل في الحشد الشعبي وهم يطلقون الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين.

وأوضح الشويلي أنه “في حال نجح الكاظمي في الكشف عن قتلة المتظاهرين السلميين في بغداد والمحافظات، فسيكون الحراك الشعبي بأجمعه داعما ومساندا له”.

لكنّ نجاح الكاظمي في هذا الجانب مرهون بخيارات بالغة الصعوبة تتضمّن محاسبة شخصيات نافذة من مسؤولين كبار في الدولة وقادة ميليشيات

شيعية، وهو أمر غير واقعي بالنظر إلى ما تمتلكه تلك الشخصيات من نفوذ وسلطات قد تتجاوز سلطة رئيس الوزراء نفسه.

كما أن حظوظ نجاح الكاظمي في تحقيق اختراقات مهمّة في الملفين الاقتصادي والاجتماعي تظلّ محدودة جدّا بالنظر إلى الوضع المالي بالغ الصعوبة نتيجة أزمة كورونا وتهاوي أسعار النفط. أما أبرز المصاعب التي ستواجه الكاظمي فتتمثّل في ضبط فوضى السلاح في البلاد وإخضاع الميليشيات المسلّحة لسلطة الدولة.

ولهذه الأسباب سيكون من الصعب على رئيس الوزراء الجديد تغيير نظرة الشارع إليه كأحد أركان النظام القائم الذي يرفع المحتجّون شعار إسقاطه، وسيواصلون ذلك في عهد حكومة الكاظمي، ما يجعل العراق مقبلا على صيف ملتهب ليس فقط بحرارة الشمس، لكن أيضا باحتجاجات الشارع الذي كسر في انتفاضة أكتوبر 2019 جدار الخوف وتحدّى آلة القمع رغم شدّتها.

3