واشنطن تشكك في جدوى قوات حفظ السلام في سيناء

جيفرى آرونسون
بدأت الولايات المتحدة تراجع أدوارها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت تميل إلى الانسحاب أو التقليل من وجود قواتها في بؤر الصراعات ضمن استراتيجية يتبعها الرئيس دونالد ترامب، وفي سياق التبدل الحاصل في طبيعة التحديات.
مع جائحة كورونا قد تتغير الكثير من الرؤى لبعض القضايا الخارجية، خاصة أن هناك تكهنات أميركية باحتمال تصاعد حدة الأزمة مع الصين، ما يستوجب المزيد من التركيز وتوجيه الطاقات، وربما التحلل من بعض الالتزامات التاريخية العسكرية في المنطقة، على غرار الدور الذي تلعبه واشنطن في سيناء من خلال قواتها الدولية العاملة هناك للفصل بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية، والتي تغيرت الكثير من معطياتها التقليدية، ولحقت بها تطورات قد تفرض إعادة النظر في مهامها.
كما أن الولايات المتحدة بدأت خطوات واسعة للتخلّص من الأعباء المادية التي تتحملها مع جهات ومنظمات دولية تلعب دورا مهما في منظومة الدعم المقدم لبعض الدول، حيث أعلنت وقف مخصصاتها للأونروا ومنظمة الصحة العالمية، وبغض النظر عن الدواعي السياسية فهي تعزز التوجهات الرامية إلى الانسحاب العام.
تُفسح بعض المناقشات الأميركية المجال للحديث عن المدى الذي وصلت إليه قوات دولية أخرى عاملة في مرتفعات الجولان، تزامن تشكيلها مع تشكيل الوحدة العاملة في سيناء ضمن حزمة دولية واحدة تتعلق بتثبيت ما سمي بفض الاشتباك، لاسيما مع حدوث تغيرات كثيرة في المنطقة، وتغير آليات التعامل مع الصراعات.لعل حفظ السلام ليس بالأمر السهل على الإطلاق، وخصوصا في الشرق الأوسط المتقلب باستمرار، حيث حلّت منظمتان تم إنشاؤهما في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973، بطول عمرهما وفاعليتهما.
احتفلت قوات حفظ السلام الدولية المتمركزة في سيناء مؤخرا بالذكرى الثامنة والثلاثين لتأسيسها، وسيتم تجديد تفويض قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في مرتفعات الجولان دون معارضة لمدة ستة أشهر من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يونيو المقبل.
أدت اضطرابات الحرب في سوريا، والحملة الأمنية التي تشنها مصر ضد المتطرفين في سيناء، إلى تحويل السياق الذي عملت فيه هذه المنظمات لعقود دون وقوع حوادث خطيرة، ما أثار أسئلة ليس فقط حول قدرتها العملياتية على إنجاز المهمات الموكلة إليها، بل في الواقع حول ما إذا كان تفويض كل منها ما زال يتضمّن هدفا منطقيا.
تم إنشاء قوة “أندوف” من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمراقبة الامتثال الإسرائيلي والسوري لاتفاق فك الارتباط عام 1974. وفي مواجهة الصعاب، عادت “أندوف” إلى العمل مرة أخرى على طول الحدود بين إسرائيل وسوريا.
وأشار أحدث تقرير للأمين العام للأمم المتحدة إلى حدوث انتهاكات للاتفاق من قبل الطرفين، لكنه مع ذلك لاحظ أن “الوضع الأمني العام في منطقة عمليات القوة ظل هادئا عموما”.
تقوم قوة “أندوف” باستعادة المواقع ببطء وعلى نحو حازم على طول الجانب السوري من خط وقف إطلاق النار الذي تم هجره عندما فقد نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيطرته على المنطقة الحدودية في وقت مبكر من الحرب بسبب مجموعة متنوعة من قوى المعارضة والجهادية.
وحتى خلال الفترات الأكثر عنفا، وعلى الرغم من غيابها الفعلي عن أرض الواقع، واصلت القوة تسجيل الانتهاكات الإسرائيلية والسورية لاتفاقهما. استمرت إسرائيل والحكومة في دمشق، على الرغم من فقدانها السيطرة الكاملة على طول الحدود، في تحمل المسؤولية الرسمية من قبل المجتمع الدولي عن الالتزام المستمر باتفاق الفصل بين القوات.
هزمت حكومة الأسد خصومها واستعادت قواتُها المنطقةَ الحدودية، ثم تبعتها قوات الأمم المتحدة، وعادت إلى جميع مواقعها تقريبا على الجانب السوري من خط فصل القوات، حيث لم يعد هناك اعتراض على الأمر السيادي الذي تمارسه دمشق. مع ذلك، تغير المظهر العام للمنطقة من ناحية واحدة مهمة، حيث تدعم كل من إسرائيل وسوريا الوجود الاستثنائي للقوات الروسية التي تدير اليوم ثمانية مراكز مراقبة في سوريا على طول المنطقة الحدودية، وهي تُكمّل بذلك قوة “أندوف” المفوضة دوليا.
وفي أحلك أيامها، استمر تفويض قوة “أندوف” في كسب الدعم من المجتمع الدولي، وتقدر كل من إسرائيل وسوريا أهمية وجود القوة وفاعليتها، وعلى نطاق أوسع تواصل كلتاهما دعمها، بعد مرور نحو نصف قرن من إنشائها، باعتبارها عاملا هاما في الحفاظ على السلام النسبي على طول خط وقف إطلاق النار.
ولا تزال سيناء ساحة معركة مع وقوف قوات حفظ السلام في وسط خط إطلاق النار بين الإرهابيين والقوات العسكرية المصرية. في أكتوبر 2014، فرضت الحكومة المصرية حظر تجوال وحالة طوارئ في شمال سيناء. وأشار بحث أُعد للقيادة العامة وكلية الأركان بالجيش الأميركي إلى أنه للتعامل مع التمرد “مدّ الجيش المصري الحكومة في شمال سيناء بما يصل إلى 22 ألف جندي إضافي بدبابات في عربات قتال المشاة القديمة وكذلك مروحيات أباتشي وطائرات أف 16. وخلال هذه الفترة، نقلت قوات حفظ السلام مقر قوتها من المخيم الشمالي (بالقرب من الحدود بين غزة ومصر) إلى المخيم الجنوبي (شرم الشيخ) وقامت بنقل جميع الأفراد غير الأساسيين من المخيم الشمالي”.
منذ ذلك الحين، اضطرت قوات حفظ السلام إلى تكريس موارد كبيرة لفرض الحماية واعتماد الوسائل التقنية بشكل متزايد للتحقق والمراقبة.
لكن على عكس مرتفعات الجولان، حيث تمت استعادة قدر كبير من الوضع السابق، فإن التحركات الجارية في سيناء لا تظهر علامة على التراجع. كما أن الإجراءات الأمنية التي تستخدمها مصر قد تمثل انتهاكات مادية لقيود القوة المتفق عليها في معاهدة السلام.
من أجل هَزْم المتطرفين، أقامت مصر وإسرائيل تعاونا أمنيا غير مسبوق، من سماته المركزية الانتشار الروتيني في سيناء لقوات عسكرية مصرية كبيرة تتجاوز بكثير تلك التي حددتها معاهدة السلام، وتمثل هذه الخطوة تجاوزا لنصوص المعاهدة، بموافقة إسرائيلية.
ماذا عن المهمة التنفيذية المركزية التي تقوم بها قوات حفظ السلام لمراقبة الامتثال للمعاهدة والتحقق منه عندما وافق الموقِّعون أنفسهم على خرقها؟
وإضافة إلى مشاكلها على أرض الواقع، تتعرض قوات حفظ السلام لضغوط متزايدة من البنتاغون الذي أعرب عن خيبة ظنّه في المهمة ويحاول إعادة تخصيص مواردها الشحيحة لمهمة مواجهة الصين.
لم يكن وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، منذ أيامه كوزير للجيش من بين مؤيدي قوات حفظ السلام الذين يقيمون في حي “بوتوماك فوغي بوتوم” (وزارة الخارجية).
في ظل مراجعة واشنطن لعمليات الانتشار الأميركية اليوم، تقع قوات حفظ السلام في دائرة الضوء. وفي شهادته الأخيرة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، سأل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي “هل ما زالت قوات حفظ السلام مهمة عسكرية صالحة للقوات الأميركية، نعم أم لا؟ يتم تقديم الحجج من الجانبين، وإذا لم تعد قوات حفظ السلام مهمة عسكرية صالحة، سنلغيها”.
على النقيض من قوة “أندوف”، تم إنشاء قوات حفظ السلام من قبل إسرائيل ومصر كجزء من معاهدة السلام، وترأسها المسؤول الأميركي كدليل على قيادة واشنطن ومكانتها.
تواصل مصر وإسرائيل دعم المنظمة، إن لم يكن ذلك لمساهماتها الفعلية على أرض الواقع، يكن بداعي أنها تشهد أيضا على استمرار قوة واشنطن في المنطقة.
مع ذلك، وفي حين تقدّم دول أخرى مساهمات كبيرة للمنظمة من خلال تقديم موظفين ودعم للميزانية، فإن قوات حفظ السلام ستستمر أو ستتراجع بناء على دعم الإدارة الأميركية لها، والتي تبدو أنظارها اليوم بعيدة عن المعارك القائمة في الشرق الأوسط.