نشر منظومة صواريخ باتريوت في العراق مفيد لكن غير كاف

عزز البنتاغون أنظمة الدفاع الجوي في العراق لحماية القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها من هجمات إيران ووكلائها. كما قرر دمج القوات في قواعد أكبر وأكثر أمنا ليحافظ على القوة القتالية الأميركية اللازمة للرد على أي عدوان.
واشنطن – إثر الهجوم الصاروخي الذي شنّته إيران ضد القوات الأميركية في قاعدة عين الأسد العراقية في يناير الماضي، أثيرت تساؤلات حول نقص أنظمة الدفاع الجوي في القواعد الأميركية بالعراق. واستغرق الأمر بعض الوقت، تخلله عمليات هجومية أخرى، للتغلب على التوترات والتفاوض مع القادة العراقيين وكذلك لتحديد أنظمة الدفاع التي يمكن تحويلها إلى العراق.
وبعد استهداف قاعدة عين الأسد، استغلت إيران الافتقار إلى الأنظمة الدفاعية الصاروخية، وأمطرت حوالي 30 صاروخا على قاعدة التاجي الجوية في وسط العراق، وقد استخدمت كتاب حزب الله في هذا الهجوم 18 صاروخا من نوع كاتيوشا.
وأدى إلى مقتل جنديين أميركيين وجندي بريطاني. وبعد ثلاثة أيام، أسقطت المزيد من الصواريخ على نفس المنطقة مما أدى إلى إصابة ثلاثة آخرين من أفراد الخدمة الأميركية.
بعد ثلاثة أشهر من هذه العمليات التي استخدمت فيها إيران الصواريخ الباليستية، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) عن نشر منظومة منظومات الدفاع الجوية باتريوت في العراق. ووضعت بطاريتان في قاعدة عين الأسد وقاعدة أربيل الجويتين.
لكن، أثار هذا الإعلان تساؤلات حول مدى فاعلية هذه المنظومة في توفير حماية كاملة للقوات الأميركية، فهي موجهة للتصدي للصواريخ الباليستية، لكن ماذا عن الكاتيوشا والهاون وغيرها من الأسلحة التي تستعملها الميليشيات العراقية الموالية لإيران.
وقبل الهجمات الصاروخية، لم يكن القادة العسكريون الأميركيون يعتقدون أن الأنظمة مطلوبة هناك، أكثر من المواقع الأخرى حول العالم حيث تكون هذه الضربات أكثر تكرارا. لكن مع تصعيد التوتر الأميركي الإيراني بعد تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني حذّر كبار المسؤولين الأميركيين من تهديدات إيران وميليشياتها في العراق، لافتين إلى أن الانسحاب الأميركي الكامل لن يتحقق في وقت قريب ويجب حماية الجنود الأميركيين في العراق.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي إنه لا يزال هناك المئات من جنود اللواء الأول، الفرقة 82 المحمولة جوا، موجودين في العراق، مضيفا أنه تم السماح لكتيبة واحدة فقط بالعودة إلى فورت براغ، نورث كارولاينا، “لأن الوضع مع الميليشيات وإيران لم يستقر بنسبة 100 في المئة”. وأضاف أنهم “سيواصلون مهمتهم حتى الوقت الذي نعتقد فيه أن التهديد قد زال”.
رفض بغداد
ضغط المشرّعون الأميركيون على مسؤولي البنتاغون بشأن نقص قدرة الدفاعات الصاروخية والصواريخ في القواعد العراقية التي تأوي القوات الأميركية. وتعرض البنتاغون لمساءلة قاسية من لجان الكونغرس لعدم توفيرها مظلة حماية دفاعية جوية وموارد أخرى لحماية الجنود.
وحسب الباحثان في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات برادلي بومان وتريكسي زيفيتسكي، أجرت واشنطن محادثات مع بغداد منذ يناير بشأن الانتشار العسكري. لكن صعوبة نيل الإذن من بغداد أخرت وصول المنظومات، مما ترك القوات الأميركية عرضة لهجمات الصواريخ الباليستية لفترة أطول. ولفتا إلى أن إيران استغلت الافتقار إلى الأنظمة الدفاعية الصاروخية وخلّفت إصابات في صفوف القوات الأميركية.
في المقابل كتب توماس شفور، مدير مؤسسة هاريتاج البحثية الأميركية، منتقدا: “القول بأن الحكومة العراقية كانت ستقاوم نشر أصول باتريوت إذا شعرت الولايات المتحدة أن الأمر ضروري، إنه أمر يتحدى المنطق القائل”. قائلا “حتى لو اعترضت الحكومة العراقية، لا أعتقد أن الولايات المتحدة كانت ستقبل هذا الاعتراض”.
كان القادة العراقيون غاضبين من مقتل أبومهدي المهندس، وكانت الاحتجاجات في جميع أنحاء المحافظة تدعو إلى انسحاب القوات الأميركية من أراضي البلاد.
فقد جعلت هذه الشروط المفاوضات حول أنظمة باتريوت حساسة جدا، لكن في الأخير أمسكت واشنطن زمام القرار وأعلنت عن إرسال منظومة دفاعية كاملة للعراق، تشمل الباتريوت لمواجهة الصواريخ الباليستية التي ترسلها إيران وصواريخ أسرع وأصغر لمواجهة الأسلحة الأخرى التي تستخدمها الميليشيات.
واستغرق نقل الأنظمة الكبيرة إلى العراق، قطعة بقطعة، قبل تجميعها في الموقع الذي تقرر تركيزها فيه بعض الوقت. وقال قائد القيادة المركزية في الجيش الأميركي الجنرال فرانك ماكنزي إن نقل صواريخ باتريوت وغيرها من الأنظمة إلى العراق يعدّ أمرا صعبا لأنه يعني نقل المنظومات من مكان آخر في حاجة إليها أيضا. ولم يذكر المسؤولون المكان الذي قدمت منه هذه المنظومات التي أصبحت اليوم في العراق.
ورغم أن وزارة الدفاع قررت سحب بعض القوات خلال الأشهر الأخيرة، إلا أنها نشرت قوات أخرى لتسيير أنظمة الدفاع الجوي الجديدة.
توفر أنظمة باتريوت قدرة دفاع جوية أرضية ضد مجموعة متنوعة من التهديدات، بما في ذلك صواريخ كروز والصواريخ الباليستية مثل تلك التي أطلقتها طهران في يناير. وتتضمن قاذفة ورادار لتتبع الأهداف ومحطة تحكم ومولد طاقة.
وإلى جانب بطاريات باتريوت المصممة الموجودة في قاعدتي عين الأسد وأربيل، تستخدم القوات الأميركية نظام “سي رام” الموجه ضد الصواريخ وقذائف الهاون، ونظام أفينجر الأكثر تطورا لمواجهة الصواريخ منخفضة التحليق والطائرات، بما في ذلك المروحيات والطائرات المسيرة.
نقاط ضعف الباتريوت
يمتلك الجيش الأميركي 15 كتيبة باتريوت فقط: 13 كتيبة باتريوت نقية، واثنتان مزيج من أنظمة باتريوت وأفينجر.
وتتبع مقر الكتائب 60 وحدة، يشار إليها باسم “البطاريات”. وتعد البطاريات العمود الفقري لنظام باتريوت. وعادة، ما تحتوي البطاريات من 6 إلى 8 قاذفات صواريخ، ورادار ومركز تحكم. تنتشر هذه البطاريات على مستوى العالم، مما يحمي مركز العمليات الجوية الأميركية في قطر، والمواقع الهامة في كوريا الجنوبية والعشرات من الأماكن الحيوية الأخرى.
وتعد هذه المنظومة الدفاعية من بين الأصول الأكثر انتشارا والتي تخضع لسيطرة مشددة في الجيش الأميركي. ونظرا لارتفاع الطلب عليها، عادة ما يتم نشر وحدات باتريوت لمدة عام واحد، ثم تعود إلى الوطن لمدة عام ونصف فقط للاستراحة والتدريب وإعادة التأهيل. وعادة ما يؤدي قرار نشر أنظمة باتريوت من أجل تلبية متطلبات جديدة إلى تقليل وقت الوحدة في المحطة المحلية.
وتدرك طهران أن نشر منظومة صواريخ باتريوت يحد من خياراتها التي تشمل العمليات العدوانية. لكنها تعرف نقاط ضعف هذه المنظومة ضد الصواريخ التي استعملها وكلاؤها في العراق أكثر من مرة لاستهداف القوات الأميركية وقوات التحالف. ويجبر هذا الموقف الولايات المتحدة على تطوير نظام دفاعي أكثر صرامة من الصواريخ الباليستية.
وبينما قال برادلي بومان وتريكسي زيفيتسكي إن الهجمات الأخيرة تؤكد على أهمية تطوير الجيل القادم من أنظمة الحماية التي يمكنها الدفاع عن العسكريين الأميركيين من الهجمات الصاروخية، قال توماس شفور إن “حماية القوات في قواعد مثل التاجي من إطلاق الصواريخ تعد مشكلة مختلفة حتى أكثر صعوبة من الناحية التقنية، حيث تسير الصواريخ على مسار منخفض للغاية، على مستوى السطح ويتم قياس وقت طيرانهم بالثواني فقط وليس بالدقائق. وهذا يجعل عمليتي الكشف والاعتراض معقدة بعض الشيء”.
ولفت الخبراء إلى أن أنظمة باتريوت غير مناسبة للاستخدام على الخط الأمامي أو بالقرب منه، حيث يمكن للرصاصة الصغيرة أن تلحق الضرر بقاذفات الصواريخ أو الرادار. تحتاج هذه الأنظمة إلى تواجدها في منطقة آمنة خالية من خطر إطلاق النار المباشر من الأسلحة مثل الصواريخ المضادة للدبابات.
وقدم توماس شفور كمثال قاعدة الأسد الجوية التي يبدو سياجها المحيط، في كثير من الحالات، يكون على مرأى من مهبط الطائرات والمرافق الرئيسية. وما لم يعمد العراق والولايات المتحدة إلى توسيع القاعدة أو تغيير وضعها الأمني، فمن غير المرجح أن يتم استخدام أنظمة باتريوت فيها. وأضاف شفور أنه في يوم من الأيام، قد يحل الرادار الفضائي هذه المشكلة، ولكن في غضون ذلك، قد يكون الجواب إما تحريك جميع القوات الأميركية الموجودة داخل مدى الصواريخ الإيرانية إلى قواعد قادرة على استخدام أنظمة باتريوت، وإما تفريقهم بتركيزات أقل إلى مواقع تمتلك أنظمة إنذار مبكر ومأوى للاختباء.
دور بغداد
خلال ذروة العمليات الأميركية في العراق، قام الجيش بتجميع نظام معقد من رادارات الجيش وبنادق فالانكس غاتلينغ البحرية القادرة على تمزيق قذائف الهاون والصواريخ القادمة بسيل من عيار 20 ملم.
لكن هذا النظام تطلب عددا كبيرا من المشغلين والمعدات، وحتى عندما تم وضعه بالكامل، لم يكن فعالا بنسبة 100 في المئة. كما أن النظام لم يكن متنقلا.
لذلك، يرى أن نظام “سي رام” سيكون ضعيفا بالنسبة لمهمة التدريب “الصغيرة الحجم” ومهمة مكافحة الإرهاب في العراق اليوم. في المقابل أشاد الباحثون بمنظومة صواريخ “القبة الحديدية” الإسرائيلية في مواجهة الأسلحة التي تستعملها الميليشيات.
في العام الماضي، كلف الكونغرس الجيش بشراء بطاريتين من نظام القبة الحديدية. وعلى الرغم من أنه لم يتم تسليمها بعد، أفاد الجيش مؤخرا أنه قد يكون من الصعب للغاية دمج نظام القبة الحديدية في نظام القيادة والتحكم على مستوى الجيش بأكمله. وبالتالي، قد تبقى أصول القبة الحديدية للجيش بلا جدوى.
تفتخر إيران ببرنامجها الأكبر والأكثر تطورا في الشرق الأوسط للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز. وتمتلك إيران صواريخ كثيرة من ذلك الطراز الذي استهدف قاعدة التاجي. ومن غير المرجح أن تتوقف طهران عن اعتماد الهجمات الإرهابية غير المتكافئة التي وظفها النظام بشكل بارز في سياساته الخارجية منذ سنة 1979.
وقد تشجع الأزمات الاقتصادية وفيروس كوفيد- 19 في طهران النظام على اتخاذ إجراءات مضاعفة ضمن هذه السياسة. ومن المحتمل أن يشمل ذلك عدوانا إضافيا ضد الدبلوماسيين الأميركيين والجنود في العراق وغيره من الأماكن الأخرى.
وعلى الرغم من جهود البنتاغون لإخراج القوات من المنطقة، فإن سلوك إيران من المرجح أن يدفع الولايات المتحدة للتراجع مرة أخرى عن الانسحاب. لكن يقول سياسيون وخبراء أميركيون هنا إن على بغداد أن تتحمل مسؤولية منع الهجمات. إذا كانت بغداد غير راغبة أو غير قادرة على توفير هذه الحماية، فيجب أن يمتلك أعضاء الجيش الأميركي كل الآليات اللازمة تحت تصرفهم للدفاع عن أنفسهم وعن حلفائهم.