روضة المُحبين

على مر القرون التي تكتم فيها فقهاؤنا وشيوخُنا، على الموروث الإسلامي، الذي يُعلي من شأن الحب ويحث على الجِماع، ويُذكّر بمباهج الصبابة والغرام؛ جاءت الكورونا وشرطها الأليم، بأن تلتزم الناس بيوتها.
بعدئذٍ توالت السخرية التي افترضت وجود صدامات منزلية، ربما أخرجتها مخيلات الساخرين، في إهاب طرائف ونِكات ومفاكهات. وأصبحت المرأة، هذه المرويات، طرفاً في شجار، وهي التي كانت في التراث، تتوافر على المزيد من الحب.
لم يكن جلال الدين السيوطي، المصري الصعيدي، وهو أحد جلالين، وضعا التفسير القرآني الكلاسيكي؛ ينخرط في زحام لكي يُبتلى بفايروس. ففي مهجعه كان محجوراً بأكثر التدابير عزلاً. لولا ذلك لم يكن سيؤلف 116 كتاباً في الفقه والشريعة، وزاد عليهم نحو عشرين، في الحب والثقافة الجنسية.
لكن المشايخ المعاصرين، تعمدوا طمس التراث الإسلامي في الغزل والغرام حتى لم يعد يتداولها سوى محققي المخطوطات. بل تعمد خطباء المنابر التغاضي تماماً عن أحاديث نبوية عاطرة في آداب النكاح، وفيها ألفاظ أصبح النطق بها من نوع الخروج عن المألوف. وحتى جلال الدين السيوطي، لم يعد متاحاً على صعيد هذه الآداب، بسبب عناوين كتبه الفاقعة، وأخفها وأكثرها حشمة بعض عناوين تدحض فرضية الشجار المنزلي في حالات الحجر، ومنها “الوشاح في فوائد النكاح” و”رشف الزُلال من السحر الحلال".
ففي هذا الكتاب الثاني، يعرض العالم السيوطي، مرويات عشرين فقيها وعالما، كلٌ عن ليلة دُخلته الأولى مستفتحاً علاقته الحميمة بالمرأة. وقد فعل ذلك بلغة مشوقة، تؤرخ لليالي الملاح!
اليوم، لا يجرؤ مؤمنو “الصحوة” على نطق عناوين كتب أخرى ولا حتى على إدراجها في قائمة كتاباتهم. فبعض المؤلفات تطاولت صفحاتها في تفصيلات الجوانب الحسية، كديوان راشد بن إسحق الكاتب (أبوحكيمة) في القرن الهجري الثاني. وكتاب المُفتي النفزاوي “الروض العاطر في نزهة الخاطر”، وكذلك كُتب الفقيه حافظ القرآن الكريم، الشيخ الجزائري الأمازيغي أحمد التيفاشي، وغيرها من كتب التراث الكثيرة.
لعل أجمل كل هؤلاء، ابن قيم الجوزية الحنبلي، صديق ابن تيمية وتلميذه، الذي وضع كتاباً ضخماً في الحب العُذري وما فوقه بقليل: “روضة المحبين ونزهة المشتاقين”!
وضع ابن جوزية اللوم في الجفاء أو الخلاف، على الطرفين، واستشهد بمخاطبة شعرية طريفة بين رجل منهك لم يتأخر عن تقبيل امرأة راغبة، لم ترض بمجرد التقبيل، وانتزعت الحل، عندما زجرته شعراً قائلة: لست أريد حُباً ليس فيه متاعُ يدخل في متاعي/ إذا البَعلُ لم يك ذا جماعٍ/ يُرى في البيت من سَقطِ المتاع!
فما المشكلة إذا، ولماذا التسرية بافتراض الشجار وإطلاق الطرائف؟!