أزمة الصحافة الفرنسية تجدد معركة الحقوق مع غوغل

تعتبر هيئة تنظيم المنافسة الفرنسية أن ممارسات غوغل من المرجح أن تشكّل إساءة لاستخدام موقعها المهيمن، وتتسبّب بضرر فوري لقطاع الصحافة، لذلك تشدد الضغوط على العملاق الأميركي لدفع ثمن المحتوى الصحافي الذي يستثمره على محرك البحث، في ظل حاجة الصحافة الماسة لأي دعم بسبب أزمة فايروس كورونا.
باريس – عادت السلطات الفرنسية لمطالبة شركة غوغل البدء بدفع حقوق مادية للمجموعات الإعلامية مقابل نشر محتواها، في وقت تعاني فيه وسائل الإعلام الأوروبية والعالمية من أزمة خانقة تهدد استمراريتها، ولم يعد مقبولا بالنسبة لها السماح لشركات الإنترنت باستثمار محتواها دون دفع مقابل.
والمطالب الفرنسية ليست جديدة، لكنها اضطرت في الفترة السابقة إلى التروي، بسبب ضغوط مضادة قامت بها شركة غوغل التي تضيّق عمليات البحث على الإنترنت في أوروبا، وقالت غوغل إنّ المقالات والصور ومقاطع الفيديو لن تظهر في نتائج البحث إلا إذا وافقت وسائل الإعلام على السماح له باستخدامها مجانا.
وقال الموقع إنه في حال رفضت ذلك، فسيظهر فقط عنوان ورابط غير فعّال للمحتوى، ما يؤدّي بالتأكيد إلى تقليص المشاهدة وانخفاض الإيرادات الإعلانية المحتملة للناشر.
وأمرت هيئة تنظيم المنافسة الفرنسية الخميس محرّك البحث العملاق بالتفاوض مع المجموعات الإعلامية بعد رفضه المستمر منذ أشهر الامتثال لقانون حقوق النشر الرقمي الأوروبي الجديد.
وقالت الهيئة إنّها “تطلب من غوغل إجراء مفاوضات بحسن نيّة مع الناشرين ووكالات الأنباء في غضون ثلاثة أشهر حول المقابل المادي لإعادة استخدام محتواها المحميّ”.
وأضافت أنّ “هذا الأمر القضائي يتطلّب أن تؤدّي المفاوضات بشكل فعلي إلى اقتراح من غوغل بدفع مقابل مادي” لأصحاب حقوق النشر، ويجب تطبيقه بأثر رجعي حتى أكتوبر 2019، عندما باتت فرنسا أول دولة تصادق على القانون الأوروبي.
فرنسا تطالب غوغل بأن يقترح على ناشري الأخبار مكافأة عادلة تتناسب مع الأرباح التي يجنيها من المحتوى
والقرار الجديد المتعلّق بـ”الحقوق المجاورة” لحقوق المؤلف، مصمّم لضمان حصول ناشري الأخبار على تعويضات مادية عند عرض إنتاجهم على المواقع الإلكترونية ومحركات البحث ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي.
وتقدمت مجموعات إعلامية ووكالة فرانس برس بشكوى أمام هيئة تنظيم المنافسة في نوفمبر الماضي. وقالت إن عملاق الإنترنت الأميركي يعطي وسائل الإعلام خيارا مستحيلا إما برفع رسومها حتى يبقي عليها مرئية في نتائج البحث أو المعاناة من أثر اقتصادي فوري والاختفاء في النهاية من نتائج البحث.
واعتبرت المجموعات التي تمثل دور النشر العامة والناشرين المتخصصين والمجلات في بيان أن غوغل تتحدى السيادة الوطنية والأوروبية وتتجاوز إرادة المشرع.
كما وقع أكثر من 100 صحافي من 27 دولة أوروبية بيانا في صيف 2018، يدعون فيه نواب الاتحاد الأوروبي إلى فرض رسوم تلزم شركات غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون بالمساهمة في تمويل الصحافة.
وقال الموقعون إن وسائل الإعلام “باتت تريد التأكيد على حقوقها لتتمكن من مواصلة نقل المعلومات وتطلب أن يتم تقاسم العائدات التجارية لهذه المحتويات مع المنتجين سواء كانت وسائل إعلام أو فنانين”. وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في منتصف أكتوبر الماضي قائلا “لن نرضخ”، ودعا لتعزيز قواعد ضبط المنصات وتسريع العقوبات عندما ترتكب تجاوزات.
وقالت الهيئة الفرنسية الخميس إنّ “ممارسات غوغل من المرجّح أن تشكّل إساءة لاستخدام موقعها المهيمن، وأن تتسبّب بضرر فوري لقطاع الصحافة”.
أما غوغل فقال إنه منذ دخول القانون الأوروبي الجديد للنشر الرقمي حيّز التنفيذ في فرنسا العام الماضي، يتعاون محرك البحث مع “الناشرين لزيادة دعمنا واستثماراتنا في الأخبار”.
وقال نائب رئيس غوغل للأخبار ريتشارد غيغراس في بيان “سنمتثل لأمر هيئة تنظيم المنافسة الفرنسية بينما نقوم بمراجعته ونتابع هذه المفاوضات”.
وكان موقع غوغل أعلن سابقا أن قانون الحقوق المجاورة لحقوق المؤلّف لا يفرض رسما على نشر الروابط، وأنّ ناشري الأخبار الأوروبيين حصلوا على قيمة كبيرة من الـ8 مليارات زيارة كل شهر من مستخدمي الإنترنت الذين يقومون بعمليات بحث على الموقع.
وقالت هيئة تنظيم المنافسة إن هناك إجراءات مؤقتة تتطلب من غوغل نشر المواد وفق الأساليب التي يختارها الناشرون، ما سيساعد في توفير مفاوضات متوازنة تضمن الحياد لكيفية فهرسة المعلومات وتصنيفها ليجدها القراء.
وأضافت أنّ هذه الإجراءات ستبقى سارية حتى الوصول إلى قرار بشأن الأسس الجوهرية للقضية، وأنّ غوغل مطالب بتقديم تقارير شهرية حول إجراءات تنفيذ الأمر القضائي الصادر عنها.
ورحّبت وزارة الثقافة الفرنسية التي تدعم إلى حد كبير قطاع الإعلام بالأمر القضائي.
وقال وزير الثقافة فرانك ريستر في بيان إنّ “على غوغل الآن أن يقترح على ناشري الأخبار مكافأة عادلة تتناسب مع الأرباح التي يجنيها محرّك البحث من المحتوى”.
وأفادت رابطة ناشري الصحف الأوروبية أنّ القطاع يحتاج إلى تنفيذ سريع لقانون حقوق النشر الأوروبي الجديد في القوانين المحلية، وإنّ الأمر القضائي الفرنسي يوفّر “سابقة ضرورية أيضا لإجراء نقاش على مستوى أوروبا يتناول إساءة استخدام غوغل لقوته السوقية في مجال الحقوق المجاورة لحقوق المؤلف”.
وكانت هيئة مراقبة المنافسة في فرنسا فرضت غرامة على غوغل في ديسمبر الماضي، بقيمة 150 مليون يورو (167 مليون دولار) بسبب سلوكها غير التنافسي وإساءة استغلال قوتها خلال تعاملها مع المعلنين، قائلة: إن غوغل طبقت قواعد مبهمة وغيرتها حسب رغبتها.
في المقابل، تواجه شركات الإنترنت انخفاضا في إيرادات الإعلانات أيضا بسبب أزمة تفشي وباء كورونا التي أثرت على الشركات الاقتصادية ودفعت المعلنين إلى تقليص النفقات، ومن المتوقع أن يتحمل كل من فيسبوك وغوغل، وهما يحتلّان الثقل في الإعلانات الرقمية، وطأة الركود.
ويقدّر محللو شركة “كوين وشركاه” أن عملاقي الإنترنت يمكن أن يخسرا معا أكثر من 44 مليار دولار من الإيرادات الإعلانية العالمية في عام 2020. ومع ذلك، ستظل كل من غوغل وفيسبوك مربحة بشكل كبير حتى مع انخفاض الإيرادات.
وأشار موقع “فاراييتي” إلى أنّه من المتوقع بلوغ إجمالي صافي إيرادات غوغل نحو 127.5 مليار دولار، بانخفاض بقيمة 28.6 مليار دولار، أي بنسبة 18 في المئة، مقارنة بتقدير “كوين” السابق. وستبلغ عائدات إعلانات فيسبوك للعام الحالي 67.8 مليار دولار، بانخفاض قدره 15.7 مليار دولار (انخفاض بنسبة 19 في المئة) مقابل التوقعات السابقة.