بوصلة النفط تتجه لاشتراط انضمام المنتجين الأميركيين

اتسعت شكوى معظم منتجي النفط من آلام انهيار الأسعار، ليس داخل منظمة أوبك وحلفائها فقط، بل أيضا من معظم المنتجين الآخرين وخاصة النفط الصخري الأميركي.
لكن العودة إلى اتفاق أوبك+ تبدو صعبة، لأنها مجرد مسكنات لا تعالج جذر الأزمة وتؤدي إلى استمرار نزيف حصص المشاركين فيها، التي تذهب إلى منافسيهم من منتجي النفط الصخري.
وتبدو السعودية عازمة على إغراق الأسواق المتخمة أصلا بإنتاج إضافي يصل إلى 2.6 مليون برميل يوميا، حين تبدأ الشهر المقبل بضخ 12.3 مليون برميل يوميا، مقارنة بنحو 9.7 مليون قبل انهيار اتفاق تخفيضات الإنتاج في بداية الشهر الحالي.
من المستبعد أن توافق الرياض على العودة إلى نقطة الصفر، رغم أن انخفاض الأسعار يضر بشكل كبير بتوازناتها المالية وظهور صعوبات في تصريف إنتاجها الإضافي في ظل ترجيح تراجع الطلب العالمي بنحو 20 في المئة بحسب وكالة الطاقة الدولية.
موسكو التي بدأت بإرسال إشارات إلى أنها مستعدة لبحث فرص إبرام اتفاق جديد لخفض الإنتاج تدرك أن الرياض غير مهتمة بفتح الملفات القديمة وأنها لن ترضى بالعودة إلى المربع الأول.
ولذلك تزايدت الإشارات إلى الحاجة لاشتراط دخول المنتجين الكبار من خارج تحالف أوبك+ وخاصة منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة التي أصبحت أكبر منتج في العالم.
وقد تمتد المطالب لتصل إلى منتجي كندا والمكسيك والبرازيل وجميع كبار المنتجين في العالم.
ومع تصاعد شكاوى منتجي أوبك مثل العراق والجزائر بسبب هشاشة أوضاعهم المالية، فإن آلام منتجي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل، تكاد تكون أكبر لأن الأسعار الحالية أصبحت تقل عن تكاليف إنتاج معظم إمداداتهم.
ويفسر ذلك حجم الصدمة في الأسواق لتراجع الأسعار وإشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأسبوع الماضي إلى أنه سوف يتدخل في حرب الأسعار بين السعودية وروسيا في الوقت المناسب.
ويكشف ذلك عن حجم التحديات التي يواجهها النفط الصخري الأميركي في ظل الأسعار الحالية، وهو الذي كان يعاني من انخفاض الجدوى الاقتصادية للإنتاج حتى بأسعار تزيد على 50 دولارا للبرميل.
وتؤكد التقارير أن منتجي النفط الصخري في ولاية تكساس لجأوا إلى السلطات التنظيمية وطلبوا منها التدخل لتنسيق خفض الإنتاج وهو تحرك غير مسبوق منذ آخر تدخل في الأزمة النفطية عام 1973.
كما صدرت إشارات إلى أن منظمة أوبك تتحرك في هذا الاتجاه وتجري اتصالات مع منظمات منتجي النفط الأميركيين، بعد إدراكها أنهم لا يستطيعون تحمل أسعار النفط الحالية.
وذكرت تقارير أميركية أن الهيئة، التي تمثل منتجي النفط الصخري في ولاية تكساس تلقت اتصالات من الأمين العام لمنظمة أوبك لبحث الوضع في السوق.

وجاء الإعلان المدوي الذي يمثل انقلابا كبيرا في صناعة الطاقة الأميركية من رايان سيتون المسؤول الكبير في الهيئة، ليؤكد أن منتجي النفط في ولاية تكساس يدرسون خفض الإنتاج بنسبة عشرة في المئة، ربما بالتنسيق مع منظمة أوبك.
وتكمن الضربة الكبرى في عبارة “بالتنسيق مع منظمة أوبك” لأن منتجي النفط الصخري الأميركي، لم يكونوا يجرؤون حتى الآن، على التفكير في إجراء تخفيضات منسقة خوفا من انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة.
كل تلك الانقلابات حدثت بسبب إصرار السعودية المفاجئ على قلب طاولة صناعة النفط والاندفاع نحو تصحيح المعادلة، والتوقف عن الهروب إلى الأمام واللجوء إلى المسكنات بتخفيض الإنتاج والتنازل عن الحصص كلما تراجعت الأسعار، والذي أدى إلى تآكل حصصها وحصص منتجي أوبك الأكثر كفاءة لتصل إلى 30 في المئة من الإمدادات العالمية بعد أن كانت تمثل نصف الإمدادات العالمية قبل ثلاثة عقود.
وأجبرت الرياض جميع المنتجين على مراجعة مواقفهم حين أظهرت أن الانقلاب الشامل الذي تقوده لا رجعة فيه. وأكدت ذلك بقرار استئجار عشرات الناقلات لضخ النفط في الأسواق الأوروبية والأميركية وعرضت أسعارا بخصومات كبيرة.
ويبدو أن الرياض اختارت الوقت المناسب بعد تزايد المؤشرات على تراجع فورة النفط الصخري بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة تمويل المشاريع، حيث ترجح التوقعات تراجع الإنتاج بمعدلات كبيرة.
وتراهن السعودية على تجفيف تمويل المشاريع مرتفعة التكلفة، وإجبارها على التوقف من أجل زيادة حصتها في الأسواق. ويرجح محللون أن ترتفع الأسعار بعد ذلك إلى نطاق 60 إلى 70 دولارا للبرميل.
ويبدو أن الهدف الأكبر للسعودية هو إجبار منتجي النفط مرتفع التكلفة على الانسحاب من الأسواق حين تنخفض الأسعار عن مستوى تكلفة الإنتاج. بل تسعى من خلال موقفها الحازم إلى ردعهم أيضا عن العودة للإنتاج في المستقبل عند ارتفاع الأسعار، بتأكيد أنها ستعود إلى تحديهم مرة أخرى.
في الخلاصة يبدو أن آلام جميع منتجي النفط في العالم سوف تتواصل في ظل الأسعار الحالية، إلى أن تجبرهم على بحث اتفاق يشارك فيه جميع منتجي النفط الكبار في العالم، لوضع معادلة جديدة عادلة، لا يكون فيها رابحون وخاسرون.
حينها سيدرك العالم سر الصدمة الكبرى التي أحدثتها السعودية بالاندفاع لإغراق الأسواق بالنفط وإغلاق جميع نوافذ الحوار والدخول في معركة لا تحتمل التأجيل ولا تحتمل تكرار الفشل.