مبادرات تطوعية لشباب عرب في مواجهة انتشار كورونا

شباب يستلهمون من التجربة الصينية طرقا لجني المال ولو في الحجر.
الأحد 2020/03/22
مبادرة لطلاب الصيدلة

أثبتت مبادرات لشباب عرب أنهم قادرون على تحمّل المسؤولية ويمتلكون الوعي للالتزام بالمحاذير الصحية والإجراءات الحكومية لمواجهة انتشار فايروس كورونا، إضافة إلى ابتكار طرق لمساعدة مجتمعاتهم على تخطّي الأوضاع الصعبة في الحجر الصحي.

طرابلس– على عكس المتداول بين الناس بأن الشباب العرب لا يمتلكون الوعي الكافي، ويرفضون الالتزام بالمحاذير والتدابير الصحية التي تفرضها الحكومات سواء في الأوقات العادية أو في الأزمات، كما هو الحال الآن، أثبت بعض الشباب أنهم قادرون على تحمّل المسؤولية والتقليل من مخاطر انتشار الفايروس بمبادرات ذاتية.

ولم تسجل عدة دول عربية وجود لحالات إصابة بفايروس كورونا، لكن رغم ذلك اختار الكثير من الشباب اتخاذ المبادرة للالتزام بالحجر الصحي وجميع إجراءات السلامة وقائيا، بغض النظر عمّا إذا كانت البيانات الحكومية صحيحة أم لا.

حجر صحي تطوعي

يقول أحد الناشطين الليبيين، “لا أثق كثيرا في البيانات الحكومية والأرقام التي تقول بأنه لا توجد إصابات، لكن في حال كانت هناك إصابات أو لم تكن، اتخذت القرار بالتزام الحجر الصحي وعدم الخروج إلا للضرورة الملحة”.

وأضاف علي الذي فضّل عدم التصريح باسمه الكامل، أن هناك تدابير اتخذتها ذاتيا حتى مع البقاء في المنزل، بعدم استقبال الضيوف أو المصافحة وطلبت من جميع الأقارب والأصدقاء الالتزام بهذه القواعد.

وتابع، أن الحكومة أعلنت فرض حظر التجول في شرق ليبيا. وهذه الإجراءات احترازية لمنع التجمعات والاكتظاظ والوقاية من فايروس كورونا، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتقنا نحن الشباب بالتوعية وتجنّب مقولة “كل شي بيد الله” السائدة في المجتمع كذريعة لعدم الاستجابة للإجراءات الاحترازية.

ويرى قسم كبير من الليبيين بأن الحرب القائمة في البلاد والتي تتسبب في إغلاق مطارات ومعابر حدودية، ساهمت كثيراً في عدم انتقال فايروس كورونا المستجدّ الذي يضرب دولا عدّة في العالم، إلى بلادهم.

طلاب كلية الصيدلة وكلية البيولوجيا في جامعة جزائرية بادروا بإنتاج مطهر كحولي داخل مختبرات الجامعة وتوزيعه مجانا

ويقول ضياء عبدالكريم، إن تعامل الشارع مع الفايروس بطريقة عادية قد يكون مفيدا من خلال التقليل من حالة الهلع والخوف التي أصابت دولا سجّلت فيها الإصابة بالفايروس.

وأوضح “من الجيّد ألا تتم إثارة الهلع والخوف بين المواطنين؛ الأمر سيجعل تعامل السلطات مع تطبيق الإجراءات الاحترازية بطريقة أقلّ ضغطاً وأكثر مرونة”. لكنه أكد أن “عدم الخوف من خطورة الفايروس لا يعني ألا نطبّق إجراءات الوقاية عبر تجنّب السفر وعدم المكوث في التجمّعات، إلى جانب تنفيذ برامج موسّعة لحملات التوعية عبر وسائل الإعلام، للمحافظة على سلامة ليبيا من الإصابة بكورونا المستجد”.

وكما هو الحال في ليبيا، لم تعلن سوريا أيضا وجود أي حالة إصابة مسجلة بالفايروس حتى الآن، لكنها اتخذت خطوات عديدة في مواجهة خطر فايروس كورونا قبل أن ينتشر، وأغلقت المقاهي والمطاعم وغيرها من الأماكن العامة.

وقرر محسن حرفوش إلزام نفسه الجلوس في البيت، على الرغم من عدم صدور أيّ أمر حكومي بذلك، ويتحدث عن تجربته في الحجر المنزلي، فيقول “في الفترة الماضية رأينا هناك عدة إجراءات تطبّق بشكل تدريجي، لذلك أعتقد أن الشخص يجب أن يفكر بمرحلة قد يضطر فيها إلى عدم الخروج من البيت بتاتا، وفي حال سجلت أول حالة في سوريا، فمن الممكن أن يشكّل ذلك حالة هلع أو خوف لدى الناس”، بحسب ما نقلت وكالة سبوتنيك الروسية.

وتابع “الناس غير مستعدة نفسيا لموضوع الحجر، لذلك رأيت أنه من الأفضل البدء في الموضوع قبل أن أكون مجبرا على ذلك، ومن أجل ذلك أحاول دعوة الناس المحيطين بي والأصدقاء بالبدء بمبادرة حجر طوعي”.

ويرى حرفوش أن فترة الحجر لأسبوعين ضرورية، لتظهر إن كان أي شخص مصاب من دون علمه، بحيث لا ينقل المرض إلى الأشخاص الآخرين، قبل أن يتحوّل الحجر في البلد إلى إجباري.

وأضاف “أنا شخصيّا واحد من الناس التي كان لديها القدرة العمل عن بعد، كون معظم عملي في مجال الترجمة الرسمية والوثائق، فلذلك أحاول أن استقبل الأوراق المطلوبة وترجمتها عبر الإنترنت بدلا من التنقل والقدوم شخصيا، والاتفاق على تاريخ محدّد لاستلام هذه الأوراق، طبعا مع اتباع إجراءات التعقيم وغيرها”.

القيام بأعمال مؤجلة

شباب يمتلك الالتزام بالمحاذير الصحية
شباب يملك الالتزام بالمحاذير الصحية 

ينظر البعض إلى فكرة البقاء في المنزل بشيء من الإيجابية، حيث يمكن التفرّغ لأشياء مؤجلة لم يكن الوقت يسمح لها في ما مضى، خصوصا أن شبكة الإنترنت توفّر الكثير من مجالات التعلّم والدورات التدريبية وحتى المطالعة الإلكترونية.

ويتحدث حرفوش عن أبرز النشاطات التي يقوم بها من داخل المنزل ويقول “حاليا أعددتُ قائمة بالكتب التي كنت أنوي قراءتها ولم أكن أجد الوقت في ما مضى، كما أن هذه الفترة ملائمة لتعلّم أشياء جديدة، لذلك من الممكن أن أتعلّم خلال هذه الفترة لغة جديدة أو إحدى لغات البرمجة على سبيل المثال، ولكن أول ما سأقوم به حاليا هو قراءة مجموعة مسرحيات للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، وهي موجودة لديّ على المكتب منذ فترة طويلة ولكني لم أستطع قراءتها، والآن أظنّ أنه قد حان الوقت المناسب”.

واستلهم بعض الشباب من تجربة الصينيين التي فرضت عليهم الإقامة الجبرية فابتكروا طرقا عديدة للخروج من عزلتهم وهم في المنزل، إذ أصبحت فصول اللياقة البدنية على الإنترنت بمنزلة الروتين اليومي، بديلا عن الذهاب إلى الأندية والصالات الرياضية من أجل الحد من تفشي كورونا.

وقامت مدربة لياقة بدنية تمتلك صالة ألعاب رياضية والتي تضرر نشاطها بعدما أغلقت صالتها بسبب فايروس كورونا إلى التواصل مع الناس عبر الإنترنت، وتنفيذ عدد من التمارين البدنية معهم بمقابل مادي، وقالت إن دخلها السنوي ذهب ولم يعد أمامها حلا إلا التواصل مع زبائنها عبر الإنترنت لتوفير نوع آخر من الدخل في المستقبل.

وقال حرفوش “النادي الرياضي الذي كنت أمارس فيه التمرينات أغلق، فقمت بشراء أدوات لممارسة الرياضة في المنزل، حيث أن البقاء لفترة أسبوعين في المنزل قد تسبب إرهاقا نفسيا، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الوزن ما يؤدي إلى تقليل المناعة، ولكن في الوقت نفسه زيادة الإرهاق من الرياضة قد يؤدي أيضا إلى تقليل المناعة”. وتابع “بما أني من هواة التصوير ولم أمارسها منذ فترة طويلة بسبب العمل، سأحاول توثيق تجربتي خلال مدّة الحجر الطوعي، وأسجّل الحياة في الجوار حتى تمر هذه الفترة الحرجة”.

وفي الجزائر، لفت بعض الشباب الأنظار، خلال الأيام الأخيرة، بحملة يقودونها عبر مختلف الولايات تهدف إلى المشاركة في التخفيف من ثقل الأزمة التي تشهدها البلاد في مواجهة تهديدات انتشار الفايروس.

ولم تقتصر مشاركة الشباب الجزائريين، في حملات التوعية بمخاطر الوباء وإجراءات الوقاية منه عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى منصات فاعلة وسط الأزمة، بل تجاوزها إلى الشارع حيث تمت الدعوة إلى حملات واسعة لتنظيف وتطهير الشوارع. كذلك توزيع الكمامات والمطهرات على المواطنين وتوعيتهم بضرورة البقاء في بيوتهم.

وسجّل طلاب من كلية الصيدلة وكلية البيولوجيا في جامعة ولاية (محافظة) تيزي وزو مبادرة لافتة، بإنتاج مطهر كحولي داخل مخابر الجامعة وتوزيعه مجانا على السكان.

سقف وعي عال

الكثير من الشباب اتخذ المبادرة للالتزام بالحجر الصحي
الكثير من الشباب اتخذ المبادرة للالتزام بالحجر الصحي 

في ولايات (محافظات) جزائرية أخرى تجنّد العشرات من الشباب لصناعة الكمامات التي سجّلت أسعارها ارتفاعا ملحوظا في الصيدليات، حيث خصّصت بعض الورشات نشاطها لخياطة الكمامات الوقائية المنصوح بها من قبل المختصّين للتقليل من خطر انتقال العدوى. ونشر ناشطون صورا وفيديوهات توثّق لتلك المبادرات التي أثبتت علوّ سقف الوعي لدى الشباب الجزائري.

بدورهم شباب الحراك الذين كانوا لأشهر طويلة في مقدمة صفوف المسيرات الشعبية، خرجوا ليس للتظاهر بل لحثّ المواطنين على توقيف الحراك والتزام البيوت مؤقتا إلى غاية مرور الأزمة التي باتت تهدّد حياة الجزائريين.

وتتصاعد وتيرة الأرقام حول الإصابات بفايروس كورونا المستجد يوما بعد يوم بشكل هائل، فلجأت بعض الحكومات العربية إلى اتخاذ إجراءات مشددة للحدّ من انتشاره، ولجأت الحكومة الأردنية لأكثر التدابير حزما في البلاد العربية، حيث أقرّ العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قانونا يمنح الحكومة صلاحيات واسعة لفرض حالة الطوارئ بموجب قانون الدفاع.

وأتاح هذا الإجراء للحكومة الأردنية الطلب من مواطنيها البقاء في المنازل وعدم الخروج إلا في حالات الطوارئ، ومنعهم من السفر بين المحافظات، وتمّ نشر الجيش على مداخل المدن ومخارجها للمساعدة في تنفيذ هذه الإجراءات.

البعض ينظر إلى فكرة البقاء في المنزل بشيء من الإيجابية، حيث يمكن التفرغ لأشياء مؤجلة لم يكن الوقت متاحا لها في ما مضى

ويقول طبيب الأسنان الأردني عبدالله القضاة، إن معظم الشباب في الأردن وقبل فرض قانون الدفاع كانوا يطالبون بحظر التجوّل، بسبب تخوّفهم من انتشار هذا المرض، صحيح أن الجلوس مملّ في المنزل لكننا نحاول من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أن يكون هناك تواصل بين الشباب. وتابع “نحن ك!, أطباء أسنان نتناقل في ما بيننا الاحتياطات الواجب اتخاذها، ونحاول نشر الوعي بين الناس، وأن نهدّئ من روع الناس، وقد قمتُ بعمل فيديو عن جلالة الملك وقانون الدفاع الذي تمّ فرضه، حتى يحسّ الناس بقيمة الجيش ورفع معنوياتهم”.

وعن الجلوس في البيت يقول القضاة “الجلوس في البيت مملّ في الحقيقة، وأنا أب لطفلين نبدأ الفترة الصباحية كأننا في المدرسة، نفطر وندرس ونحلّ الواجبات الدراسية، بعد ذلك نلعب قليلا بألعاب الفيديو، ونعود إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ونحاول أن نملأ فراغ الوقت”.

وأضاف “ليس لدينا وسائل الترفيه في الواقع، لكننا نحاول ابتكار أشياء نخفّف من خلالها وطأة الجلوس في المنزل، لا شك أن الموضوع صعب، لكن يجب علينا تحمّل هذا الظرف، والحقيقة أن الحياة اختلفت عليّ تماما، أنا من الناس الذين قليلا ما يتابعون التلفاز، لكن الآن صار الأمر مختلفا كليا، أحسست بقيمة التلفاز وكيف يمكن أن يملأ وقت الفراغ”.

تأهب اجتماعي

عن حالته في الوضع الراهن يقول الطبيب الأردني عبدالله القضاة ” كان معظم وقتي خارج البيت إن كان في العمل أو غيره، فلكم أن تخيلوا حالتي الآن وأنا محبوس في البيت، صحيح أني تعرّفت أكثر على زوجتي وأولادي خلال هذه الفترة، لكن وقتي أصبح معظمه مركزا على التلفاز بين الأخبار والمسلسلات والأفلام، كمحاولة لتمضية هذا الوقت، لو لم نفعل ذلك وحبسنا أنفسنا 14 يوما، من الممكن أن نبقى محبوسين لفترة أطول بكثير”.

وتطرّق إلى تقبّل الناس لموضوع الحجر في الأردن قائلا “إن ما حدث في الصين جعل حالة التأهب عالية جدا في الأردن، ونحن شعب يخاف على صحته كثيرا، بسبب شحّ الإمكانيات المادية عند الأشخاص، ونحن من الشعوب التي تحاول ألاّ تمرض قدر المستطاع، لأننا نكسب قوتنا كل يوم بيومه، صحيح أن هناك الكثير من الاستهتار من قبل بعض الناس، لكن الذي طغى على الجميع هو الالتزام”.

وكان لافتا أن الناس طلبت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فرض قانون الدفاع، وفرض حظر التجول. ويرى قضاة أن هناك سيطرة واضحة، والشعب واع بهذا الأمر والكل ملتزمون بالبقاء في بيوتهم، وهناك فرق تطوعية كثيرة سواء على مواقع التواصل أو في الشوارع، تحدّ وتقلّل من تجوّل الناس واجتماعها في الأماكن العامة.

19