مغربيات يكسرن الصمت بشأن العنف الرقمي

الرباط – تفضل غالبية النساء ضحايا العنف الرقمي في المغرب الصمت خشية تحميلهن مسؤولية ذنب لم يقترفنه، بينما تسعى ناشطات حقوقيات لكسره والتوعية بأن آثاره لا تقل خطورة عن أشكال العنف الأخرى ضد النساء.
واضطرت لبنى (27 عاما) إلى ترك عملها والانقطاع عن العالم لفترة بعد إصابتها بالاكتئاب بسبب تسريب صور حميمية لها على موقعي إنستغرام وفيسبوك، من طرف خطيبها السابق “انتقاما منها بعدما رفضت العودة إليه”.
لكنها عانت أيضا من “اعتبارها مذنبة” كما يحدث في أغلب حالات العنف ضد النساء، تحت ضغط ثقافة محافظة. وكشفت دراسة حول العنف الرقمي، أجرتها منظمة “امرأة” غير الحكومية، أن 70 في المئة من الضحايا فضلن الصمت وعدم طلب المساعدة. وترجع أسباب ذلك إلى “الخوف من اعتبارهن مخطئات وإلقاء اللوم عليهن”، أو الجهل بالقوانين والإجراءات المتبعة في هذه الحالات بحسب الدراسة التي نشرت مؤخرا.
وفضلا عن قرصنة وبث صور أو فيديوهات خصوصية انتقاما أو استعمالها في ابتزاز الضحايا ماليا أو جنسيا، يشمل العنف الرقمي أيضا التحرش الجنسي عبر وسائط التواصل الرقمية. ويمكن أن يصل الأمر أحيانا حتى إلى “بيع الفيديوهات المقرصنة لمواقع إباحية”، بحسب المحامي محمد المالكي المستشار القانوني لجمعية “التحدي للمساواة والمواطنة”.
وأطلقت الجمعية مبادرة “لنوقف العنف الرقمي” ضد النساء “الذي بات مقلقا لكنه لا يؤخذ بعد بالجدية اللازمة، لكون أغلب الضحايا يفضلن الصمت” كما توضح رئيستها بشرى عبدو.
وتطمح هذه المبادرة الأولى من نوعها بالمغرب “إلى كسر هذا الصمت أولا”، مستهدفة التلميذات وربات البيوت في أحياء شعبية بالدار البيضاء، فضلا عن إرشاد الضحايا ودعمهن. وأظهرت معطيات رسمية نشرت العام الماضي أن أكثر من 54 في المئة من المستجوبات تعرضن لشكل من أشكال العنف. وبينهن 13.4 في المئة عانين من التحرش والشتم والابتزاز والتشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعتقد سعيدة كوزي المسؤولة في جمعية “امرأة” أن “معدل انتشار العنف ضد النساء أكبر من هذا المستوى في الواقع، يكفي أن نطرح السؤال على عينة مغلقة من النساء لنتأكد من ذلك”.
وتوضح “كنت أتخيل أن الجميع شاهد تلك الصور ولم أجرؤ على الخروج إلى الشارع لأيام، كما أن عائلتي لم تدعمني وكنت ألوم نفسي وكأنني أنا المذنبة أو أستحق ما حدث لي”.
وتؤكد الدراسة التي أجرتها جمعية “امرأة” في 39 مدينة، أن ردود أفعال العائلات “غالبا ما تعاقب الضحية وفي حالات قليلة فقط اتخذت إجراءات ضد المعتدي”.
ولم تتقدم لبنى بشكوى للقضاء إلا بعدما لجأت إلى جمعية “التحدي” التي شجعتها على ذلك، ما أسفر عن توقيف الجاني. بيد أنها فضلت في النهاية التنازل عن ملاحقته “تحسبا لكي لا ينتقم منها ثانية بنشر صور أخرى”.
ويعد الخوف من التعرض للملاحقة القضائية سببا آخر يدفع النساء ضحايا العنف الرقمي إلى تفضيل الصمت، كما تؤكد ذلك دراسة جمعية “امرأة”. ويرجع الأمر إلى كون القانون الجنائي يعاقب بالحبس على إقامة علاقة جنسية رضائية بين بالغين غير متزوجين، ويمكن أن تعتبر الصور أو الفيديوهات دليل إدانة.
وهذا ما وقع مع ضحية شابة (26 عاما)، تبنت جمعية التحدي قضيتها، بعد أن عانت من ابتزاز مالي وجنسي من طرف شخص كانت على علاقة به، مهددا بنشر فيديوهات كان يصورها خلسة. وبعد أن نفد صبرها بادرت إلى التقدم بشكوى بالتعرض للاغتصاب، لكن الجاني استطاع إقناع العدالة بأن علاقتهما كانت رضائية، فحكم عليهما معا بالحبس موقوف النفاذ بسبب “الفساد”.
وتوضح عبدو “وجهناها لرفع شكوى أخرى بالابتزاز المالي والجنسي بواسطة صور خصوصية، إذ لم تكن تعلم بأن هذه جريمة في حد ذاتها”. وتابعت “مهما يكن مآل القضية فإن حياة الضحية دمرت، فقد طردتها عائلتها واضطرت إلى ترك عملها ومغادرة الدار البيضاء”.
وتعتبر لبنى نفسها محظوظة لاستفادتها من دعم نفسي مجانا بواسطة جمعية التحدي، وقالت “ساعدتني لأقتنع بأنني لم أرتكب أي خطأ”، كما دعت جميع الضحايا إلى “عدم التردد في تقديم شكاوى”.