الأردن بحاجة إلى رئيس وزراء قادم من "خارج الصندوق"

سياسيون يجمعون على أن التحديات الداخلية والإقليمية تفرض اختيار رئيس وزراء بكفاءة أمنية وسياسية عالية.
الأربعاء 2020/03/11
مهمة شائكة

عمان - ليث الجنيدي - مع اقتراب نهاية الولاية الدستورية لمجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان الأردني، والذي يحتم على حكومة عمر الرزاز تقديم استقالتها، باتت نقاشات الأوساط السياسية والتكهنات حول ملامح رئيس الوزراء المقبل وما تقتضيه متطلبات المرحلة التالية من تحديات اقتصادية وسياسية.

وعلى ضوء التطورات الداخلية وفي علاقة بالوضع الإقليمي، طرحت تساؤلات كثيرة تصب في مجملها حول ما إن كانت كاريزما السياسة والخبرة الأمنية لرئيس الوزراء المقبل ستطيح بأهمية الخبرة الاقتصادية.

ويشار إلى أن ولاية دستورية برلمانية تنتهي –وفق التوقعات- بحلول نهاية أبريل المقبل، يليها تكليف رئيس وزراء جديد وإجراء انتخابات نيابية يتم فيها اختيار أعضاء المجلس القادم.

واختلفت الظروف التي تولى فيها كل رئيس وزراء أردني مهمته سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي، لكن المرحلة الاستثنائية التي تعيشها المملكة حاليا ستلقي بظلالها حتما على القرار بشأن شخصية رئيس الوزراء المقبل.

صمود المملكة رغم الظروف العصيبة المحيطة بها، وما ترتب عليها من ضغوطات سياسية واقتصادية، تستدعي من رئيس الوزراء القادم أن يكون على قدر المسؤولية، أمام جبل من التحديات للحفاظ على استقرار بلاده وأمنها.

وتعد صفقة القرن التحدي الأبرز للأردن، فالخطة الأميركية للتسوية في الشرق الأوسط، أو ما يعرف إعلاميا بـ"صفقة القرن" المزعومة وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع، تفرض تحدي محاولة تجاوز آثارها المباشرة على المملكة إذا ما نفذ رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو تهديداته بضم أراضي غور الأردن، وستجعل علاقة عمان وتل أبيب على المحك، وستكون اتفاقية وادي عربة (اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية) بين البلدين في مهب الريح.

كما أن علاقة الولايات المتحدة مع الأردن ستحتاج إلى "كاريزما" غير مسبوقة لرئيس الوزراء القادم، يتمكن من خلالها الحفاظ على مستوى التوازن بين عمان وواشنطن، باعتبار أن الأخيرة هي مصدر رئيسي لمساعدات المملكة.

أما على الصعيد الداخلي، فإن رئيس الوزراء الأردني المقبل يحتاج إلى الجمع بين حنكة سياسية وأمنية، حيث ستشهد المملكة انتخابات نيابية جديدة، لإنجاح العملية الديمقراطية التي طالما لاقت تشكيكاً من تدخل الحكومات في نتائجها.

وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن جراء الأزمات والحروب المحيطة به، إلا أن المرحلة القادمة تحتاج من رئيس الوزراء المقبل أن يكون سياسياً وأمنياً بالدرجة الأولى، وأن تكون المهمة الاقتصادية مسؤولية “نخبة تكنوقراطية”، يحملها أعضاء معينون من فريقه الوزاري.

تحديات أمنية واقتصادية
تحديات أمنية واقتصادية

وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي الأردني فايز الفايز أن “النظام السياسي في الأردن اعتاد عبر التاريخ على مواجهة موجات من الأزمات والاضطرابات السياسية والاقتصادية الناتجة عن عدم الاستقرار في الشرق العربي والإقليم الشرق أوسطي".

 وقال الفايز "لمواجهة تداعيات القضايا المتعلقة بمستقبله المرتبط بقضايا حساسة، فإنه عادةً ما كان يُعمد إلى تشكيل حكومة جديدة من مطلق مواجهة المتغيرات".

وحذّر أن المرحلة الحالية هي من أخطر ما قد يواجهه الأردن بعد الإعلان عما يسمى صفقة القرن، التي "أزاحت وبشكل عنيف كافة القواعد السياسية والأعراف الدولية والقرارات الأممية”.

وأوضح الفايز "لهذا، فإن الملك عبدالله الثاني بات يفكر خارج الصندوق التقليدي للدور الأردني، وأدبيات التعاون مع الشركاء الغربيين وعلى رأسهم واشنطن، فضلا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة وحالة البرود السياسي الداخلي، وانحصار المواجهة مع الجانب الإسرائيلي فيما يتعلق بمسائل أمن الإقليم ليس أكثر".

وأضاف "بصفته الدستورية وإطلاعه على تفاصيل استشرافية لما بعد خطة الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) ونتنياهو المهددة لاستقرار المنطقة وإثارة التطرف، بات الملك يقرأ الخارطة لتشكيل حكومة تختلف تماما عن الحكومات التقليدية، بعدما اتضح فشل الكثير من المحاولات لإنعاش المحور الاقتصادي وإعادة إنتاج طبقة سياسية حقيقية تستطيع المساعدة في وضع خطة طريق لمواجهة أزمات الأردن".

وخلص الفايز إلى أن "هذا يستدعي اختيار حكومة ترأسها شخصية ناضجة تستطيع التعامل مع الوضع الداخلي بكافة تفاصيله، من خلال معرفة تامة بالنسيج الاجتماعي والطيف السياسي والحساسية الأمنية؛ لتقود الأردن مجددا إلى إنتاج مجلس نواب جديد عبر قانون متقدم، وتكون أهم وظائفها مصالح الدولة العليا وحماية أرض الوطن وتسهيل الحياة المعيشية للمواطنين ومحاربة البيروقراطية الوظيفية الحكومية ووضع حد للفساد الأكبر".

من جانبه، اعتبر وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، أنه “من المؤكد أنّ التحدي الاقتصادي الذي يواجه الأردن يفرض على تركيبة أي حكومة أن تمتلك فريقا اقتصاديا قويا محترفا يوازن في عمله بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية”.

تحديد الأولويات
تحديد الأولويات

واستدرك بقوله "لكن من غير الضروري أن يكون شخص رئيس الوزراء فنيا اقتصاديا، خاصة في مرحلة سياسية مثل التي تمر بها المنطقة والأردن".

وأضاف "أعتقد أن الأردن بحاجة إلى رئيس وزراء بتكوين سياسي رفيع وعميق، لديه القدرة على بناء خطاب وأداء يتعامل مع القلق الوطني الذي صنعته الخطة الأميركية، التي جاءت في ظل واقع عربي فلسطيني رديء”.

كما أشار المعايطة في سرد مواصفات رئيس الوزراء القادم إلى أن "يكون قادرا على الاقتراب من كل تفاصيل التفكير الأردني وإدارة المرحلة بشكل قوي".

كما رأى أن "المراحل السياسية الصعبة تحتاج إلى حكومات سياسية وأسماء تبعث الاطمئنان الوطني لدى الأردنيين، خاصة أن المرحلة القادمة قد تشهد تصعيدا عدوانيا من الاحتلال، مثل ضم غور الأردن الفلسطيني أو أي خطوات أخرى".

وشدد وزير الإعلام السابق على أن "الملف الاقتصادي يحتاج إلى طاقم اقتصادي، لكن الحكومة وشخص رئيسها والوزراء الأساسيين هم عنوان إدارة الدولة بشكل عام".

وفي ظل التحديات الداخلية الكبيرة، اعتبر المحلل السياسي عامر السبايلة أن "المشاكل الداخلية للأردن أكبر من ترف القيام بعملية تغيير تقليدي أو فرض أشخاص تقليديين".

وأوضح أن الأولويات بالنسبة للمملكة على 3 أصعدة "أولها كيفية إعادة ترتيب العلاقة الأردنية في الإقليم ومتابعة تطوراته، وبالتالي أن لا يكون الأردن خارج معادلة التطورات السياسية”. أما الجانب الثاني فهو "الوضع الاقتصادي الداخلي الذي يشبه معضلة فعلية يصعب التعامل معها".

وتعيش حكومة عمر الرزاز الحالية أيامها الأخيرة، مع قرب انتهاء المدة الدستورية لمجلس النواب، ويتحتم على الرزاز تقديم استقالته بعد حل البرلمان.

وتنتهي مدة البرلمان الدستورية في 30 أبريل المقبل، لكن ثمة ترجيحات باحتمال حله قبل ذلك؛ لأنه من المتوقع أن ينهي أعماله قبل نهاية مدته. وكان تولى الرزاز مهام عمله في 14 حزيران 2018، بعد استقالة سابقه هاني الملقي إثر احتجاجات شعبية، ضد قانون ضريبة الدخل.