المصريون فقدوا الثقة في الخطاب الديني

القاهرة - شهد المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة تحولات كان من نتيجتها صعود موجة التيار الديني، وما نتج عنه من خطابات دينية متعددة الصور والأشكال وترتب على ذلك أيضا تعدد أصناف الجمهور المتلقي لهذا الخطاب.
وسعت دراسة “تلقي الخطاب الديني: القنوات.. السياق.. الأثر” للباحثة أسماء فريد الرجال إلى الكشف عن نواح مهمة في ما يتصل بعملية التلقي لدى الجمهور، وذلك من خلال الإجابة عن تساؤلات محورية: كيف يتم تلقي الخطاب الديني لدى الجمهور؟ ما قنوات تلقيه؟ هل للتلقي سياق يُشكل فيه وما أهميته؟
تتبلور أهداف الدراسة الصادرة عن دار العربي في محاولة التعرف على التلقي والعمليات الفاعلة فيه من خلال التصدي للمحاور الآتية:
أولا معرفة خصائص المتلقين للخطاب، والتعرف على دوافعهم لانتقاء خطاب دون غيره.
ثانيا الكشف عن الممارسات التي تتجسد فيها عملية التلقي، والتعرف على كيفية صياغة الوعي الديني لدي المتلقين للخطاب.
ثالثا التعرف على السياق الذي تُشكل فيه عملية التلقي وأنماطها ومستوياتها.
رابعا الكشف عن قنوات تلقي الخطاب الديني، والتعرف على حجم التعرض له.
خامسا التعرف على تأثير الخطاب الديني في تغيير السلوك والإستراتيجيات الحياتية. سادسا الكشف عن الاختلافات في التلقي طبقا للفروق الطبقية.
ووفقا للباحثة فإن قنوات استقاء الخطاب الديني التي أوضحتها العينة المدروسة تتعدد ما بين التلفزيون والمسجد والراديو والمواقع الإلكترونية والصحف والمجلات والكتب الدينية والأقراص المدمجة والجمعيات الخيرية. وقد توصلت الدراسة إلى أن أغلب عناصر العينة يلجؤون إلى الأسرة والأصدقاء لاستشارتهم في مشكلاتهم الدينية، ولذلك فهم من الأهمية بمكان أن يأتوا في المراتب الأولى كقنوات لاستقاء الخطاب الديني، كما أشارت إحدى الحالات إلى “استقاء الخطاب الديني من مادة التربية الدينية والمعلم في المدرسة”.
وقد أظهرت أن التلفزيون هو القناة الأولى لعينة الدراسة في استقاء الخطاب الديني، وذلك بنسبة 3.35 بالمئة، ويعود ذلك لما يتمتع به التلفزيون من قدرة فائقة في التأثير على المتلقين.
وقالت الباحثة إن الكتب الدينية التي تتناول كل محاور الدين الإسلامي تتعدد ما بين كتب تفسير وأحاديث وكتب فقه وكتب سيرة وأحكام، وقد أكدت عينة الدراسة التي تتخذ من الكتب الدينية قناة للتلقي للحصول على الخطاب الديني أنها الأفضل على الإطلاق في الحصول على المعلومات الدينية الصحيحة وخاصة أمهات الكتب وأنها مصدر للثقة، ولكن هناك نقطة ضعف ترتبط بالكتب الدينية، وهي صعوبة اللغة التي كتبت بها والتي لا يستطيع أن يفهمها العامة، ولذلك هناك ضرورة لإعادة كتابة الكتب الدينية بطريقة سهلة وميسرة.
وبينت الدراسة أن أعلى معدل للثقة في الخطاب الديني من قناة الكتب الدينية فقط، أما عن بقية القنوات؛ التلفزيون والمسجد والراديو والمواقع الإلكترونية والصحف والمجلات فلم تنل معدلا مرتفعا للثقة.
ولاحظت الباحثة أن عينة الدراسة التي تتلقى الخطاب عن طريق التلفزيون “تتلقاه من قنوات ليست متخصصة في البرامج الدينية، وإنما من خلال قنوات المنوّعات التي تعرض ضمن برامجها برامج دينية واجتماعية، أدق ما يقال عنها كونها غير متعمقة، فهي برامج خفيفة وتخلو من أي طرح معمق للقضايا الدينية الكبرى. وذلك يدل على أن عينة الدراسة تريد الدين البسيط والسهل والميسر لأمور حياتهم بعيدا عن التشدد.
كما ترى العينة أن العبرة ليست بعدد ساعات التلقي، بل بما تطرحه هذه البرامج، وينطبق ذلك أيضا على المواصفات الشخصية للداعية، فقد أكدت عينة الدراسة بأنها غير مهمة، وفي المقابل ترتفع أهمية الموضوعات التي يطرحها الداعية في خطابه.
وأكدت أسماء فريد الرجال وجود انفصال بين ما يقدمه الدعاة من خطاب ديني وما يحتاجه المتلقي، وقالت إن “الخطاب الديني يواجه مأزق التعامل مع المتغيرات وفك التشابكات تجاه القضايا المستحدثة في الواقع المعيش، كما اتضح أن الخطاب الديني بصفة عامة، والخطاب الديني المُشاهَد بصفة خاصة، يعاني نقصا على مستوى الشكل والمضمون.
وترجع الدراسة ذلك إلى أن القائمين على الخطاب الديني غير مؤهلين، ومن ثم هناك ضرورة لأن تتكيف أساليب طرح الخطاب الديني تبعا لما يحتاجه المتلقي ولما يحتاجه العصر، لأنه حينما يكون الخطاب منفصلا عما يحتاجه المتلقي يولد لديه إحباط من الخطاب الديني ويفضل الابتعاد عنه.
مع العلم أن مثل هذا الخطاب يظهر في فترات ضعف المجتمعات، وفي فترات التحولات الاقتصادية والسياسية، ونستطيع أن نؤكد على أن التحولات الاقتصادية تؤثر في الممارسات والقيم الدينية للأفراد”.
وخلصت أسماء فريد الرجال إلى ضرورة تصويب المشكلات الدينية محل الخلاف، وإلا فسيشهد الخطاب الديني المزيد من التطرف، على حساب قيم ومفاهيم التسامح والاعتدال.