أفغانستان تحبس أنفاسها قبل توقيع اتفاق تاريخي بين طالبان وواشنطن

الاتفاق بين واشنطن وطالبان يمهد لإنهاء أربعة عقود من النزاعات لكن الاستقرار لا يبدو مضمونا في ظل غموض نوايا طالبان.
الجمعة 2020/02/28
يتأهبون للمغادرة

تستعد الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق تاريخي مع حركة طالبان المتطرفة السبت، يمهد لبدء مباحثات بين المتمردين والحكومة في كابول والتي تتخوف من نوايا طالبان بعد أن تسحب واشنطن قواتها، وذلك بعد مرور أسبوع على بدء هدنة ستجني ثمارها أطراف الصراع، الأطول الذي يخوضه الأميركيون، السبت.

الدوحة –  تقف أفغانستان على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخها مع اقتراب الولايات المتحدة من توقيع اتفاق سلام مع حركة طالبان يؤمّن انسحاب القوات الأميركية من أطول حروب خاضتها ويفتح الباب لحوار بين المتمردين والحكومة في كابول.

وقد يمهّد الاتفاق لإنهاء أربعة عقود من النزاعات في أفغانستان، لكن الاستقرار لا يبدو مضمونا في ظل الغموض المحيط بنوايا طالبان، والأزمات السياسية التي تهدّد بإبقاء البلد الآسيوي الفقير في نفقه المظلم.

ويأتي توقيع الاتفاق في الدوحة بعد أكثر من عام من المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة والتي تم تعليقها في العديد من المرات بسبب أعمال العنف التي تجدّ في كل مرة.

وبالرغم من مرور قرابة الأسبوع على بدء هدنة ستكون شرط توقيع هذا الاتفاق إلا أنه لم يتم حتى الآن الإفصاح عن فحواه، لكن من المتوقع أن يتيح للجيش الأميركي بدء انسحابه كما يرغب الرئيس دونالد ترامب، فضلا عن جزء كبير من الطبقة السياسية والرأي العام الأميركي.

وفي مرحلة أولى، سينخفض عديد القوات في أفغانستان من حوالي 13 ألفا حاليا إلى 8600، وهو العدد الذي كان منتشرا هناك مع وصول الرئيس الجمهوري للرئاسة في 2016، قبل انسحابات بالتدريج لن تحدث إلا إذا احترمت طالبان التزاماتها.

ومن المقرر أن يمهد توقيع هذا الاتفاق لبدء المتمردين والسلطات في كابول مفاوضات سلام مباشرة، حيث تتعهد طالبان بتوفير ضمانات أمنية بالرغم من اعتبارها للحكومة مجرد “دمية” لدى واشنطن.

وسيتم توقيع الاتفاق بعد أسبوع من هدنة جزئية غير مسبوقة صامدة بشكل عام بالرغم من الحوادث التي لم تؤثر على هذه الهدنة. وقال وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو في اليوم الرابع من الهدنة الثلاثاء “نحن على مشارف فرصة تاريخية للسلام. إن الحد من العنف يتم احترامه بشكل غير تام لكنه ينجح”.

وطرد التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة حركة طالبان من السلطة بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001. وخاض المتمردون الذين كانوا يحكمون كابول منذ 1996 وحتى أكتوبر 2001، حملة متواصلة أودت بحياة أكثر من 2400 جندي أميركي وعشرات الآلاف من أفراد قوات الأمن الأفغانية.

وأنفقت واشنطن أكثر من ألف مليار دولار في هذه الحرب التي قُتل وأصيب فيها أكثر من مئة آلاف مدني أفغاني منذ 2009، حسب أرقام الأمم المتحدة. ومن المتوقع أن يحضر ممثلون عن 30 دولة حفل التوقيع السبت في عاصمة قطر، رغم أن الحكومة الأفغانية لن ترسل مندوبا، حسبما أفاد مسؤول أفغاني.

وأوضح هذا المسؤول الذي اختار عدم الكشف عن هويته “لسنا جزءا من هذه المفاوضات. نحن لا نثق في طالبان”. ومن المحتمل أن تضع هذه العداوة مستقبل الاستقرار في مهب الريح، في وقت تتفاقم التوترات السياسة في أفغانستان وسط رفض الولايات المتحدة تأييد إعادة انتخاب أشرف غني بشكل مباشر بعد أشهر من انتخابات شابتها مزاعم احتيال.

الاستعجال في مغادرة أفغانستان قد يتسبّب بوضع صعب
الاستعجال في مغادرة أفغانستان قد يتسبّب بوضع صعب

وكان ترامب قد وعد بإنهاء “الحروب العبثية التي لا نهاية لها”، إلا أن محلّلين حذروا من أنّ الاستعجال في مغادرة أفغانستان قد يتسبّب بوضع صعب لا يمكن تصوره. وقال كولن كلارك الباحث في مركز “صوفان” للأبحاث إنّ “واشنطن ستحقق هذا الهدف، وستعلن النصر، وبعد ذلك سيحمّلون الأفغان مسؤولية أي شيء يحدث”.

وأضاف كلارك “ما هو الحافز لدى طالبان للالتزام بالاتفاق، خاصة عندما يكون لديها ما تريد وهو الانسحاب الأميركي؟”. وكانت المحادثات الماراثونية شابها التوتر في أحيان كثيرة، وامتدت حتى وقت طويل من الليل في عدة مناسبات.

وبدا أنّ الطرفين على وشك الاتفاق على صفقة بعد انتهاء الجولة التاسعة من المحادثات الشاقة في سبتمبر الماضي، لكن ترامب نسف العملية بعد مقتل جندي أميركي في هجوم في كابول ألقي باللوم فيه على طالبان. وأعلن فجأة انه دعا طالبان إلى الولايات المتحدة، قبل أن يتراجع عن ذلك.

ويهدد تغيير ترامب المستمر لمواقفه بتراجع عن اتفاق الدوحة في اللحظة الأخيرة، على الرغم من تعهد الرئيس الأميركي “بوضع اسمه” على الصفقة إذا استمرت الهدنة الجزئية.

وكتب المسؤول الثاني في حركة طالبان سراج الدين حقاني في مقال غير مسبوق في صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي، أن الحركة “ملتزمة بالكامل” باحترام الاتفاق المزمع توقيعه.

وكشف حقاني الذي يتزعم شبكة باسمه تصنّفها واشنطن “إرهابية” وتعتبر أنها الفصيل الأكثر دموية في التمرّد الأفغاني، موقف القيادة العليا للمتمرّدين بعد أكثر من عام من المفاوضات.

وقال “الجميع فقد عزيزا عليه. الجميع تعب من الحرب. أنا مقتنع بضرورة انتهاء أعمال القتل”. ورغم ذلك، حذّر كلارك من أنّ حقاني “لم يندد بتنظيم القاعدة” في المقال، مما يثير التشكيك في نية طالبان ملاحقة المتطرفين.

وكان استقبال حركة طالبان لتنظيم القاعدة على أرض أفغانستان السبب الرئيسي للغزو الأميركي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر عام 2001.

5