أشرف القرقني شاعر تونسي يحتفي في قصيدته بيوم السبت

"نشيد سيد السبت" مجموعة شعرية جديدة تبتكر رؤى مختلفة وعميقة تجعل من النص الشعري نصا معاصرا.
الجمعة 2020/02/28
التعب واحد

لم يتوقف الشعراء عن النهل من الأساطير والرموز الدينية والتواريخ الغابرة، فعلى عكس ما يعتقده البعض بانتهاء الأسطورة نجد بين حين وآخر قصائد تعيد بعث الأساطير بلسانها الخاص والمعاصر، وكأنها تستعيد رحلة الخلق منذ فجر الوعي إلى ما وصلت إليه البشرية اليوم من تمزق وتفتت، وهذا ما حاوله الشاعر التونسي أشرف القرقني في مجموعته الشعرية الجديدة.

منير عليمي

من يقرأ للشاعر التونسي أشرف القرقني لا يمكنه إلا أن يقف أمام العديد من المرايا المخدوشة، تلك المرايا التي لا تحتاج إلى أن تلمسها لكي تجرحك، يكفيك فقط أن تنظر إليها كي تورق جراح كثيرة في عينيك وفي روحك.

هذا ما نقره حين نقرأ المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر “نشيد سيد السبت”، إذ تكشف عن تجربة مختلفة تأخذ من الموروث الإنساني حاجتها لتشكل صورا كثيرة تراوح بين الأسطوري المجرد والذاتي الملموس عبر أدوات فنية معاصرة، تجعل من النص لوحة فنية متحركة.

السبت في مجموعة أشرف القرقني لم يأت اعتباطيا ليتوج نفسه مدخلا مهما وأساسيا في المجموعة، فإذا نظرنا إلى العنوان بمنظار الأنثروبولوجيا، سنجد أن السبت قد ارتبط بثنائيات كثيرة منها الطاعة والتمرد، الراحة والشقاء، الإله والإنسان، السماء والأرض، ولهذا يمكننا أن نقرأ هذه الثنائيات التي تأخذ من الموروث الديني المسيحي واليهودي والإسلامي قراءة فنية.

تنقسم مجموعة أشرف القرقني إلى قسمين، إذ جاء القسم الأول منفتحا ومتحررا من العناوين التي تعودنا عليها في أغلب المجاميع الشعرية، ومن يقرأ النصوص يلاحظ أن هذا الاختيار لم يكن اعتباطيا أيضا، بل هناك رؤية ينبني عليها الكتاب بداية من الإهداء الذي جاء مخيبا للجميع، فأهدى الشاعر كتابه إلى “لا أحد” مخيبا جميع الشكوك والآفاق.

نصوص غنية بتوظيف الموروث الديني
نصوص شعرية غنية بتوظيف الموروث الديني

يستقي الشاعر نصوصه من الموروث الديني ونلحظ ذلك في أول جملة من كتابه الشعري “لكل تكوين سبت”. ومن يعود إلى النصوص الدينية على اختلافها يجد أنه ما من ديانة تقريبا قد بنيت بمعزل عن فكرة تشكل العالم واكتماله وكماله، الذي لا يمكن دراسته بمعزل عن السبت الذي يراه المسيحيون رمزا للراحة الإنسانية والألوهية ويراه الموروث اليهودي رمزا للخطيئة، والشاعر هنا يموقع نفسه في موقع مختلف ليثبت الثنائية التي أشرنا إليها في البداية فهو يقول مشيرا إلى الشاعر “لا يرتاح من الخلق الذي يستنفده فيميته ثم يحييه”.

 فعل الإحياء وفعل الإماتة فعلان يتأسس عليهما النص، وقد لا نحتاج إلى البحث كثيرا في هذه النقطة إذا تناولنا توظيف الشاعر لقصة يوسف (عليه السلام) إذ يقول “وسيدي أرسل إخوته إلى مصر، ليحرمني من نظرة مشفقة وهو يدكني على الأرض”.

 لقد جاء هذا التوظيف مختلفا عما تعودنا عليه في بقية النصوص إذا عدنا إلى قصة البئر والإخوة والنبوءة. يوسف هنا هو الشاعر وفعل النبوءة يقوم عليه مقام الحزن والشفقة والثبات لا مقام التخليص والنجاة.

لقد جاءت النصوص غنية بتوظيف الموروث الديني، ولكن ذلك لم يقف أمامها لتبتكر رؤى مختلفة وعميقة تجعل من النص الشعري نصا معاصرا يقوم على النظر إلى العالم وهو يتداعى وينساق إلى الهاوية.

يتشكل ذلك التداعي في نصوص أشرف القرقني فيقول مثلا “تماما، كما ينطفئ تلفاز قديم، ينتهي العالم”، وهذه الصورة بدورها ليست مستقلة عن النقطة التي يدور حولها النص وهو الموروث، فتوظيف الغربان والهدهد والمزامير هنا ليس توظيفا عابرا بل حجر أساس لفهم الفسيفساء التي يشكلها النص، إذ هي منبع الأسئلة الحارقة التي لا يتوقف النص الشعري عن طرحها.

يأتي القسم الثاني مكملا للقسم الأول، ولكنه مختلف هذه المرة، إذ جاء القسم الثاني معنونا بهوامش النشيد ويطوف بذات الشاعر وما يحمله من أسئلة لا إجابة لها غير التعب.

 يتكرر السبت داخل النصوص ولكن التعب واحد. إذا استراح الإله من تعب الخلق فالشاعر يعيش على تعبه ويقتات منه حاجته ليكمل حياته في مرتبة متقدمة من الحزن واليأس. لا تهرب ذاته الجريحة من هذه النصوص، بل تتفكك وتتحلل أحيانا تحلل الكيمياء التي تصيب العالم اليوم بالوهن والضعف والانكسار، وهذا ما نجده في آخر نص في المجموعة إذ يقول:

“أشرف القرقني. هذا ليس اسمي. إنه شخص آخر يقتحم حياتي الصغيرة. ويرسلني إلى المنافي التي لا ترون. هو، كان قد ولد في مكان ما، وزمان محدد. وأخرجه أبي في صحيحه بيدي تلك القابلة. أما أنا، فأخفق في أمكنة كثيرة، وزمان واحد. وتخفق بي حياتي في أمكنة كثيرة، وأزمنة كثيرة. ولا أراني واضحا ومكتملا في مرآتي”.

ونذكر أن مجموعة “نشيد سيد السبت” صدرت مؤخرا عن منشورات المتوسط بميلانو إيطاليا.

14