مؤامرة إخوانية تركية تغرق طرابلس بميليشيات مصراتة

يرصد متابعون لتطورات الأوضاع في طرابلس تواجدا كثيفا لعناصر تتبع ميليشيات مصراتة داخل العاصمة الليبية. وتنتشر هذه العناصر، المدعومة بمرتزقة سوريين ممن أرسلتهم تركيا إلى ليبيا، حول عدد من المؤسسات الرئيسية التي تسيطر عليها حكومة الوفاق، ضمن سياق يشي بأن هناك خطة تركية تقضي بالسيطرة على طرابلس لكن ليس عبر الميليشيات المحلية بل عبر ميليشيات مصراتة.
اتهم فتحي باشاغا وزير داخلية حكومة الوفاق ميليشيات طرابلس بالسيطرة على جهاز المخابرات العامة. وقال باشاغا، المحسوب على جماعة الإخوان، في مؤتمر صحافي عقده في طرابلس الأحد، “لن نتساهل في التعامل مع الميليشيات التي تستغل الأجهزة الأمنية، وهناك فساد سنواجهه، وسأتعامل معها بالقانون”، لكنه دافع في المقابل عن ميليشيات مصراتة التي طالما كان من بين قادتها البارزين.
تشي تصريحات باشاغا في ظاهرها بأنه قرر أن يخوض معركة ضد بعض ميليشيات طرابلس، لكنها تستبطن، وفق عدد من المراقبين، مناورة إخوانية جديدة تحت إدارة تركية قطرية. تهدف هذه المؤامرة إلى فتح طريق العاصمة أمام ميليشيات مصراتة للسيطرة على مفاصل الحكم فيها بعد استبعاد الميليشيات المحلية، أو الاكتفاء بالدفع بها إلى محاور القتال، وهو ما تبين خلال الأسبوعين الماضيين من استجلاب المئات من العناصر الأمنية من مصراتة ونشرها حول عدد من المؤسسات. ويدعم هذه الميليشيات المرتزقة السوريون الذين تصفهم ميليشيات طرابلس بالدواعش.
ارتباك حكومة السراج
رغم طبيعة هذا التوجه، إلا أن فتحي باشاغا حاول أن يدعم موقفه ببعض المعطيات الحقيقية عن ميليشيات العاصمة وخاصة منها تلك التي تحوّلت إلى مؤسسات مرتبطة بأسر أو شوارع بعينها ومنها ميليشيا النواصي التي تشرف عليها وتديرها أسرة قدور، من خلال آمرها مصطفى قدور.
ووفق مصادر مطلعة، فإن وصول معطيات دقيقة إلى الجيش الوطني الليبي حول تحركات الأتراك والمرتزقة في طرابلس ومصراتة، كان الشعرة التي قصمت ظهر داخلية فايز السراج، وخصوصا بعد قصف ميناء طرابلس في 18 فبراير الجاري، في هجوم أدى إلى مقتل عدد من الضبّاط والعسكريين الأتراك، وهو ما اعترف به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ووفق مصادر من داخل طرابلس، فإن دقة المعلومات التي كانت وراء قصف ميناء طرابلس وقبله عدد من المنشآت في مصراتة وغيرها، وضعت الأتراك وحلفاءهم المحليين أمام سؤال كبير حول الطريق الذي وصلت عبره إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو ما رجح إمكانية أن تكون هناك اختراقات لمؤسسات حكومة الوفاق من قبل عناصر ميليشياوية تعمل لفائدة الجيش.
يراهن إخوان ليبيا على التدخل التركي لدعمهم في صراعهم من أجل الانفراد بالسيطرة على طرابلس وعلى مؤسسات الدولة وخاصة المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط المدارين من قبل شخصيات تعتبر قريبة من الجماعة إلى جانب انحدارها من مدينة مصراتة، المركز الأساس لقوى الإسلام السياسي في البلاد، والمعروفة بقربها من تركيا.
وقال باشاغا إن وزارة الداخلية “تريد تفكيك الإجرام والميليشيات التي تعتدي على الأجهزة الشرطية”، مضيفا أن “الميليشيات التي أقصدها هي التي تستغل الدفاع عن العاصمة بالاعتداء على مؤسسات الدولة”.
وأوضح أن “جهاز المخابرات تعرض للاختراق من قبل ميليشيا”، لم يسمها، مضيفا أن “هذه الميليشيا بدأت تتآمر على الشرطة ومكتب النائب العام”. وأكد أن “أي قوة تعتدي على الوزراء وتخطف المواطنين هي بمثابة ميليشيا”، مضيفا أن “هذه الميليشيا تحاول أيضا التأثير على مكتب النائب العام والقيادات العسكرية”.
وحاول باشاغا تعويم القضية الأصلية بالحديث عن الفساد في وزارته، أو من قبل أمراء الحرب، رغم أنه أمر معلن ومعروف منذ سنوات. ووجه وزير الداخلية المفوّض نصيحة إلى كتيبة النواصي التابعة لـ”قوة حماية طرابلس”، قائلا “أنصح الشباب في ميليشيات النواصي بألا يقبضوا على أحد لأن هذا ليس من اختصاصهم، هذا اختصاص الداخلية”. وأضاف “الباب مفتوح أمام من يريد الانضمام إلى الداخلية ومن يرفض سيحاسب أمام القانون”.
ووفق المراقبين، فإن هذه المعطيات ليست جديدة؛ فالميليشيات تمارس منذ سنوات كل أنواع الجرائم من اغتيال واختطاف وابتزاز ونهب وسلب وتدمير لمقدرات دولة، ما خلق طبقة جديدة في المجتمع تمتلك الثروات والنفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي تحت ظلال بنادقها، ولا تزال تمثل السبب الرئيس في فشل كل محاولات التوجه نحو الحل السياسي انطلاقا من عرقلتها لمسارات الحل الأمني وخاصة مخرجات مؤتمر الصخيرات التي عجزت حكومة الوفاق عن تحقيق ترتيباتها الأمنية المتعلقة بحل الميليشيات ونزع السلاح وجمعه.
وفي خطوة تشي بالتحول في توجهات وزارة داخلية الوفاق، طالب باشاغا المستشار القائم بأعمال النائب العام باتخاذ الإجراءات القانونية حيال المعلومات التي وصلت إلى الوزارة ومفادها قيام مجموعة تابعة لمن وصفه بـالمدعو مصطفى إبراهيم قدور بالقبض على بعض ضباط الشرطة وحجزهم دون أخذ الإذن من وزير الداخلية، مشيرا إلى أن القبض على بعض ضباط الشرطة وحجزهم دون أخذ موافقة الوزير يعدان مخالفيْن للقوانين والتشريعات النافذة.
كما وجّه باشاغا خطابا ثانيا إلى رئيس جهاز المخابرات الليبية ورئيس جهاز الأمن الداخلي أعلمهما فيه أن البعض من منتسبي الجهازين قاموا بالقبض على أعضاء هيئة الشرطة بالمخالفة للنصوص والقوانين والتشريعات النافذة ودون أخذ الإذن المسبق من جهات الاختصاص.
وأكد أن داخلية الوفاق حريصة على أن يؤدي رجال الشرطة واجباتهم وفق أحكام القانون وبما يضمن الحفاظ على الحقوق والحريات وعدم الخروج أو تجاوز إطار المشروعية والالتزام بسيادة القانون والعمل به، لافتا إلى أن الوزارة تتابع عن كثب منذ اليوم الأول التصعيد المسلح الخطير الذي تشهده العاصمة.
اختراق جهاز المخابرات
جاءت المواقف المعلنة لباشاغا بعد اعتقال ميليشيا النواصي عددا من الأمنيين من بينهم ناجي زوبي، مدير مكتب البحث الجنائي بالعاصمة، وكذلك بعد أن تبين اختراق الميليشيات لجهاز المخابرات العامة، وسيطرتها على مفاصل العمل فيه، وهو ما يمثل ضربة موجعة لحكومة السراج التي باتت عاجزة حتى عن حماية أجهزتها الأمنية الرسمية.
وانتقد الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء أحمد المسماري، بشكل لاذع كلمة فتحي باشاغا، بشأن تفكيك الميليشيات المسلحة في طرابلس، مشيرا إلى أنه يحاول التسويق لنفسه على حساب البعض للوصول إلى السلطة.
وقال المسماري، في مؤتمر صحافي من بنغازي مساء الأحد، “هناك تناقضات في كلمة فتحي باشاغا حيث تطرق إلى أسماء عدد من الميليشيات وترك ميليشيات أخرى”، مشيرا إلى أن “باشاغا يحاول التسويق لنفسه على حساب شخصيات معينة. باشاغا هو مهندس فجر ليبيا، وإذا كان صادقا في مساعيه عليه أن يُخرج السوريين الذين جلبهم ويفكك ميليشيات مصراتة”.